"حماس" والنظام المصري و "لزوم ما لا يلزم" بقلم : مأمون الحسيني

"حماس" والنظام المصري و "لزوم ما لا يلزم"    بقلم : مأمون الحسيني
"حماس" والنظام المصري و "لزوم ما لا يلزم" بقلم : مأمون الحسيني

"حماس" والنظام المصري و "لزوم ما لا يلزم"  

بقلم : مأمون الحسيني

لا يمكن، نظرياً، فهم “زوبعة الفنجان” التي أثارها إعلان موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية بأن القيادة المصرية طالبت حركة “حماس” بأن تحذو حذوها، وتتخلى عن الكفاح المسلح، وتمارس “الجهاد” بطرق أخرى لتحظى بقبول المجتمع الدولي، والنفي المزدوج من قبل القيادي في “حماس” صلاح البردويل، وعضو شورى جماعة “الإخوان المسلمين” كارم رضوان، والمتحدث باسم الجماعة أحمد عارف لهذه الأنباء، واعتبارها “مفبركة”، وتهدف إلى الإساءة إلى قيادة مصر الجديدة وإلى حركة “حماس”، إلا على قاعدة “لزوميات” المعرَي الشهيرة: “لزوم ما لا يلزم”، كون العمل الكفاحي والمقاومة المسلحة انطلاقاً من قطاع غزة، وبصرف النظر عن مدى صحة تسريبات الصحيفة العبرية من عدمه، هو على الورق فقط، لا بل إنه بات محكوماً بالاتفاق الموقع مع “إسرائيل”، غداة عدوان نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والذي نصّ صراحة على أن تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل “الأعمال العدائية” من قطاع غزة تجاه “إسرائيل”، بما في ذلك “إطلاق الصواريخ والهجمات عبر الحدود” .

ومع ذلك، وبعيداً من وظيفة هذا التسريب ورائحة الابتزاز الصهيوني المنبعثة منه، وعلاقة ذلك بمحاولة “تل أبيب” وواشنطن إخضاع حكم الإخوان في مصر لامتحان عملية “ترويض حماس”، وعلاقته كذلك بالأوضاع الداخلية المتوترة على الساحتين الفلسطينية والمصرية، ثمة ما يربط هذا التسريب بالتطورات التي تشهدها الحدود الفلسطينية  المصرية، بعد أن عزز الجيش المصري انتشاره في منطقتي رفح والشيخ زويد بقوات خاصة من الصاعقة لمنع عمليات التهريب عبر الأنفاق وقطع خطوط الإمداد لها، وضبط أي عناصر فلسطينية تحاول التسلل والدخول إلى مصر بطريقة غير شرعية، وحماية الأفراد من سلاح المهندسين في الجيش الذي يشرف على عملية تدمير الأنفاق . فضلاً عن ارتباطه (التسريب) أيضاً بمحاولة تكريس “الانقسام الفلسطيني” الذي جرت في شرايينه دماء جديدة بعد فشل المحاولات الأخيرة لوضع قطار المصالحة على سكته المفترضة، وإبقاء قطاع غزة الذي تسيطر عليه “حماس” منذ يوليو/ تموز ،2007 خارج معادلة “الانتفاضة الثالثة” التي يتوقع البعض اندلاعها .

 

ما يدعم هذا الارتباط الواضح الدلالة، بالنسبة إلى “حماس”، هو أن الحركة الإسلامية التي لم تغير مبادئها ولا ميثاقها من الناحية النظرية، وإنما فعلت ذلك من الناحية الفعلية، وفي شكل ضمني، من خلال القبول بحل الدولتين، تعمل على تدعيم بنى “إمارتها” في غزة، على المستويات كافة، من دون وضع قضية المقاومة المسلحة التي تستدعي، عادة، اعتداءات صهيونية تدمر الأخضر واليابس، في الاعتبار، بدليل شروع “البنك الإسلامي للتنمية” الذي يدير مشاريع برنامج دول مجلس التعاون لإعادة إعمار غزة في تمويل حزمة جديدة، بقيمة 9 .79 مليون دولار، من الحزم الست التي تغطي كل القطاعات المتضررة من العدوان على القطاع أواخر ،2008 بما في ذلك إعادة إعمار وترميم وحدات سكنية، وتمويل قطاعي الصحة والتعليم، إضافة إلى دعم قطاع البلديات والأشغال العامة، واستكمال تأهيل معبر رفح البري، وتمويل مشروع التمكين الاقتصادي للأسر الفقيرة .

في المقلب الآخر، يبدو أنه، وفي مقابل محاولة رفع جماعة “الإخوان المسلمين” عن أنفسهم شبهة التماهي مع حركة “حماس”، وعدم التعاطي بحزم مع عمليات التهريب التي تتم عبر الأنفاق، ولا سيما تهريب الأسلحة بالاتجاهين، الذي يفضي إلى “زعزعة الاستقرار” في سيناء، أقدمت القوات المصرية على إغراق وتدمير الأنفاق التي ربطت قطاع غزة بأراضيها في إطار حملة متواصلة أفضت، حتى الآن، إلى إغلاق نحو ألف مسار تهريب تحت الحدود كانت تستخدم لتهريب كل أنواع البضائع بما في ذلك السيارات والماشية والوقود، ويدخل عبرها نحو 30 في المئة من كل البضائع التي كانت تصل إلى غزة، وذلك في مقابل تخفيف القيود الحدودية للسماح بدخول مواد البناء إلى القطاع، وإبداء الاستعداد لاتخاذ خطوات إضافية على هذا الصعيد، ما يفتح الباب أمام عودة قضية إقامة منطقة تجارة حرة على الحدود، التي سبق أن رفضتها الحكومة المصرية، قبل أشهر، خشية تحول قطاع غزة إلى كيان فلسطيني مستقل عن باقي الأراضي الفلسطينية بشكل نهائي، إلى دائرة التداول من جديد .

وعليه، واستناداً إلى محاولة تقديم هذه الأدلة الملموسة للمعارضة المصرية على أنه من غير المسموح ل “حماس” وسواها التدخل في الشؤون المصرية الداخلية، وإقناعها بأن سلطة “الإخوان” تمنح الأولوية للقضايا الوطنية، وليس لمشروع الإخوان الإسلامي العابر للحدود والقوميات، وتقديم الرسائل الفصيحة إلى “تل أبيب” وواشنطن بأن مصر المتمسكة باتفاقية “كامب ديفيد” والعلاقات مع الدولة العبرية، ليست في وارد السماح بتهريب الأسلحة الذي ربما يؤدي إلى اندلاع حرب مع “إسرائيل”، وفق ما نقل عن نائب المرشد العام خيرت الشاطر، يصبح من المنطقي تتويج هذا التوجه من قبل النظام المصري بدعوة “حماس” إلى القطع مع الماضي وشعارته، وعدم إضافة عبء جديد إلى أمن مصر، وفتح صفحة جديدة تسمح للحركة بحرية العمل على مستويات عدة، إقليمية ودولية .