القصف والمسعى الأميركي-- بقلم : عدلى صادق

القصف والمسعى الأميركي-- بقلم : عدلى صادق
القصف والمسعى الأميركي-- بقلم : عدلى صادق

لا ولن نؤيد القصف الأميركي لسوريا، ولا شيء سيكبح مشاعر الغضب منه، مع كل الاحترام لمشاعر الوطنيين السوريين المعارضين، الذين اضطروا للهرب من الجيش النظامي، ثم الى مقاتلته، بعد أن رأوا الباغي يقصف الجموع في تظاهرات انتفاضتهم السلمية، ثم يلاحق جنائز الضحايا بقصف آخر!
قضية هؤلاء، المتهللين للغزو، وأولئك الذين يريدونه ماحقاً لا محدوداً؛ ستفقد عدالتها ومكانتها الأدبية ومظلوميتها، حين يقصف الأميركي فيما هم يتناغمون معه. والمتناغمون مع الأميركيين، يتأبطون شراً ويسجلون شائنة في صحيفة تاريخهم، حتى ولو اقتصر القصف على الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري. سيكون فقداناً لماء الوجه، ما زال يعاني مثله، الذين فعلوا الشيء نفسه في العراق، ويحاولون مداراته. نقول لهؤلاء دون تردد، ودون أن تفارق أذهاننا المقولة البديهية، التي تُذكِّر بأن من يده في النار ليس كمن يده في الماء؛ لا تفرحوا كثيراً، فالأميركيون لا ولن يأتوا بالخير لسوريا!


لا منطق، للتسليم بأن الأميركي جدير بتنصيب نفسه، قيِّما على العدالة. ومن يسلم بهذه الأكذوبة، يفقد بوصلته ويضيّع قضيته. لأن للأميركي وظيفة محددة يتوافر على أدائها، وهي منع العدالة وتكريس الظلم ومساندة الاستبداد حين يكون لصالحه. هو لا يحزن لوقائع الإبادة، لأنه هو نفسه، ممن اعتمدوا القتل وسيلة واستراتيجية، للهيمنة الكونية. فلا تُعالج مثل هذه الأمور، بمشاعر الفرح حين يضرب الظالمون الظالمين، ولا بفتوى قرضاوية، لأن للمسألة أبعاداً مختلفة، وهي ليست حكاية شجار بين ظالم في سوق يثرب، يتغالظ في الأسعار، وظالم آخر يتكفل بالتحصيل من أصحاب «البسطات» ويتغالظ فيه. إنها مسألة استراتيجيات لقوى متجبرة، لا يفهم فيها القرضاوي ولا الشُبان الصغار الحزانى، في مخيمات المشردين السوريين!


هناك عاملان، حفَّزا الأميركي على المجيء للضرب: العامل الإسرائيلي، المسكون برهاب ورعاش، والذي يتحسس من استحواذ إندونيسيا البعيدة، على دبابة متطورة، فما بالنا بصواريخ كيميائية قريبة، إن لم تكن في يد صاحب «المكان والزمان المناسبين» فربما تقع في يد صاحب الوعد العاجل والمرعد. العامل الثاني، المُحفّز، هو «جبهة النصرة» وتفرعاتاها وشبيهاتها. وهؤلاء خوزقوا الثورة السورية عندما فتحوا في اجنابها أو في بطنها، هوامش وزوائد دودية، اتخذت لنفسها أسماء دول، ومحاكم ورايات، تفتقت عن أوهام، وكأن سوريا الحضارة والتنوع الجميل، هي الصحراء في شمالي مالي، لكي يظن المعتوهون أن الأسماء تشبه الفيافي. ذلك ناهيك عن الشعارات الطائفية والانتقامية، وممارسات ينهى عنها رب العالمين ورسوله الذي دعا الى الإحسان في كل شيء!


تنظيم «جبهة النُصرة» المدجج بالسلاح، يقسّم عرب الثورة السورية، مثلما فعل في سائر الثورات؛ الى عربَيْن أو ثلاث أو خمس. وسيكشف التاريخ، أن هؤلاء قد جيء بهم لكي يؤدوا دوراً قوامه الإمعان في حرمان شعوبنا من الحرية، ولكي يفتحوا بطون البلاد على عواصف من كل صوب، ولكي يؤسسوا صراعاً بين الأصوليات وبين الأعراق والمشارب، دونما اكتراث لحقيقة أن خصومهم في عالم هذه الأصوليات والمشارب، مذمومون أيضاً من الأميركيين لأنهم يتوخون نيل الحقوق الوطنية ويطمحون الى الكرامة!


غير أن أخطر ما في التدخل الأميركي السافر بالنيران في سوريا، هو خطف الإنجاز الذي سيتحقق حتماً، وهو نيل الحرية وكنس الاستبداد، وتجييره لأنفسهم وكأنهم المتكفلين بتحقيق أمنيات الشعوب، بينما هذه الشعوب لا قدرة لها على الانعتاق بعرق وجهد ودم أبنائها. وفي السياق، يُصار الى تفكيك الجيش السوري وشطب وجوده، مثلما حدث في العراق. إن هذا بحد ذاته، يكرّس استبداداً بغيضاً من النمط الذي يجتمع كل قوم على رفضه ومقاومته. فلم يجتمع الصوماليون على شيء، مثلما اجتمعوا على مقاتلة «الأمل» الذي جاء به الأميركيون الى بلادهم. إنه استبداد ينحو الى تقسيم كل بلد، والى إنعاش الأوهام المريضة عند الطائفيين والمناطقيين والأقليات، ومسعى يطمح الأميركون من خلاله الى الإطاحة بالدولة الوطنية التي ظهرت في العالم العربي عقب الحرب العالمية الثانية.


لم يأت الأميركيون إلا بعد أن تأكدوا من هزال العالم العربي العاجز عن نصرة أية قضية. فالأميركيون، هم الذين منعوا قدر استطاعتهم، التعاطف العربي مع ثورة السوريين، ومنعوا تعزيز قوتها وإعلاء شأن قضيتها. جاءوا بعد أن دُمرت سوريا ولم يبق فيها سوى الكيمياوي و»النصرة» كحقيقتين نافرتين، لا يسلم من أذاهما سوري على جانبي الصراع، ويفترض الأميركيون أن اذاهما يمكن أن يمتد ليطال الإسرائيلي. الطغاة الذين حكموا، والطغاة من بين الذين التحقوا بمقاومة الطغاة الأولين، والطغاة الذين ضنّوا على السوريين بمقومات الدفاع عن أنفسهم، وطغاة الفتاوى الذين يرحبون بالغزو الأميركي ويُجيزونه كأنه رحمة من عند الله ــ كل هؤلاء مجتمعين ــ هم جلابو الغزاة، وهم الذين انتجوا التفلت الأميركي على سوريا المعذبة، وهم الذين مهدوا للقصف الأليم وللخسارة المؤكدة!