هل تقصف امريكا سوريا كما قصفت العراق عام 2003؟!-- بقلم: ابراهيم شعبان

هل تقصف امريكا سوريا كما قصفت العراق عام 2003؟!-- بقلم: ابراهيم شعبان
هل تقصف امريكا سوريا كما قصفت العراق عام 2003؟!-- بقلم: ابراهيم شعبان

بينما تتولى لجنة التحقيق الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة عملها في التحقق من موضوع الغازات السامة واستعمالها في الغوطة الشرقية قرب دمشق الفيحاء، تتصاعد غيوم سوداء غاضبة تدعو إلى قصف سوريا جوا أو عبر الصواريخ. فما انفكت هذه الأصوات الحاقدة على تكرار النعيق الدائم والدعوة إلى نهر من الدماء القانية على الأرض العربية الفتية. وما أشبه اليوم بالبارحة والتاريخ يعيد نفسه ويكرر ذات المبررات والذرائع لتقسيم المنطقة وإخضاعها.

الأشكل أن ذات الدول الغربية الصليبية الإستعمارية البيضاء الشمالية المستغلة صاحبة مشروع سايكس – بيكو وصاحبة مؤتمر سان ريمو وصاحبة الإنتدابات على فلسطين وسوريا والعراق وصاحبة قصف ناغازاكي وهيروشيما والتي دعت لغزو العراق ولفقت التهم والأسانيد لغزوه، تقوم اليوم دونما خجل أو حياء بترداد ذرائع مكذوبة حول استخدام الجيش السوري للغاز الكيماوي حتى قبل أن تنهي لجنة التحقيق الدولية عملها وقبل أن تقدم تقريرها. وكأن هذه الدول الغربية المتآمرة تود استباق الوقائع والنتائج وتفرض على اللجنة الأممية إملاءات وإسقاطات تماما كما حدث في العراق عام 2003 حينما غزت العراق ولجان التفتيش تقوم بعملها ولم تنتظر انتهاءها من عملها. وحينما سئل الرئيس بوش عن ذلك قال " حتى لو جاء التقرير سلبيا فالغزو سيتم ".

فما أن تعلن سوريا عن قبول اللجنة الأممية والسماح لها بالتحقيق وزيارة المنطقة، حتى يعلن النظام الأمريكي والبريطاني والفرنسي أن القوات السورية ضالعة في استخدام السلاح الكيماوي، فهل يعقل أن تسمح دولة مستخدمة لهذا السلاح بتحقيق أممي وهل يعقل أن يستخدمه جيش منظم ضد مواطنيه وهل يعقل أن تستخدمه دولة ضد مواطنيها. وما أن يعلن وليد المعلم موافقته على زيارة اللجنة حتى يشوه موقفه من تلك الدول بل ويرفض وتتوجه قطع من الأسطول الأمريكي السادس لقرب السواحل السورية. تماما كما كحدث عندما وافق صدام حسين على زيارة لجان التحقيق الأممية والتفتيش الذرية لبلاده بحثا عما يسمى بأسلحة الدمار الشامل. ولماذا لا تحقق اللجنة الأممية مع كل أطراف الصراع في المنطقة فقد أشارت وثائق إلى ضلوع جهات غير مشروعة في هذا النشاط اللاإنساني؟!

هل ما زلنا نذكر معزوفة " أسلحة الدمار الشامل " التي أطلقها مجرم الحرب طفل المحافظين الجدد المدلل الغر جورج دبليو بوش الإبن لتبرير غزو العراق، وأين هي هذه الأسلحة التي نفاها كبير المفتشين الدوليين هانز بليكس، وكيف ظهر للقاصي والداني أنها كذبة وخدعة من العيار الثقيل لكنها أعدت بعناية حتى أن كولن باول رئيس الأركان الأمريكي ووزير خارجيتها انطلت عليه، وأقر بعدم صحتها وندم عليها بعد أن ترك المنصب. لكن واحدا مثل توني بلير الذي ما زلنا نستقبله بالعناق، رئيس الوزراء البريطاني وقتها المستفيد من مآسي القضية الفلسطينية ومن الرباعية ما زال سادرا في غيه بدل تقديمه لمحكمة الجنايات الدولية. وفي النهاية ثبت أنه لم يكن في العراق لا أسلحة بيولوجية ولا كيماوية ولا نووية ذات دمار شامل.

هل ما زلنا نذكر كيفية تلفيق الحوادث حول مواد ذرية اشتراها العراقيون من دولة افريقية هي نيجيريا، هل ما زلنا نذكر المزاعم والأكاذيب التي رددها الغرب وأدواته الإعلامية حول علاقة القاعدة ومنظمات إرهابية أخرى بصدام حسين، هل ما زلنا نذكر ان أمريكا وضعت نصب أعينها هدف نشر الديموقراطية ولو بالقوة المسلحة، هل ما زلنا نذكر كذبة الصواريخ العراقية العابرة للقارات، هل ما زلنا نذكر تصنيف الرئيس الأمريكي بوش للعراق على أنه دولة من دول محور الشر. والأهم من هذا وذاك ألا نذكر كيف أن لجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2008 في سابقة هي الأولى، وجهت اللوم في تقرير مكتوب إلى الرئيس الأمريكي بوش الإبن وإدارته متمثلة في ديك تشيني وزير الدفاع آنذاك، واتهمته بإساءة استخدام المعلومات الإستخبارية وانتقائيته في النشر، وخداع الشعب الأمريكي من أجل تبرير حرب غزو العراق، ليقبل الغزو. ومن طرائف الأمور وسخريتها أن وزير الدفاع الحالي الجمهوري هيجل شارك الديموقراطيين موقفهم هذا وصوت معهم. ألا تعيد للذاكرة هذه الأيام هذه المزاعم التي ما انفك يرددها كورس الدول الإستعمارية؟!

ألم يخرق الرئيس الأمريكي الدستور الأمريكي حينما غزا العراق بدون موافقة الكونجرس الأمريكي ؟ ألم يخرق الرئيس الأمريكي قواعد القانون الدولي الإنساني حينما قرر غزو العراق؟ ألم يخرق الرئيس الأمريكي ميثاق الأمم المتحدة وقواعده حينما قرر غزو العراق بدون قرار من مجلس الأمن الدولي؟ ألم يخرق الرئيس الأمريكي قواعد المادة الثانية من ميثاق الأم المتحدة حيتما قام باستعمال القوة المسلحة لتغيير نظام سياسي قائم؟ ألم يكن مقصودا من الغزو تدمير المؤسسات العراقية والجيش العراقي والشرطة العراقية، وتكريس الطائفية والإنقسام بين أبناء الشعب العراقي، وتقويض التكامل الوطني، مما أدى في النهاية إلى سقوط الدولة العراقية؟!

كل هذا غدا من التاريخ، ولكنه تاريخ ساخن ما زال لم يمحى من الذاكرة. والأشكل ان الولايات المتحدة التي قررت دستورا طليعيا ورياديا قبل أكثر من قرنين، وفرنسا حاملة مبادىء الثورة الفرنسية من إخاء وعدالة ومساواة، وبريطانيا حاملة وثيقة الماجنا كارتا يجمعون على حرب عدوانية ضد دولة عضو في الأمم المتحدة ويدعون إلى قصفها. ويتناسون أن موضوع السلاح الكيميائي السوري لم يثبت بعد وأن هناك شواهد كثيرة ان الغير هو مستعمله ومنتجه ومروجه وحامله. بل يتباكى هذا النفر الإستعماري الذي نفذ سياسة الإنتداب بشكل استعماري على المواطنين السوريين تماما كما تباكى على المواطنين العراقيين المرضى بالسرطان حينما حرمهم من الدواء بحجة تضمنه على مواد محظورة وتساعد على إنتاج السلاح. ألم تقاطع وتعاقب تلك الدول الصين في بداية الخمسينيات لأنها غدت غير غربية بل ماوية، ومنع عنها حتى الدواء؟!

حينما قلنا أن المنطقة العربية التي كانت خاضعة للدولة العثمانية كلها، تخضع لعملية سايكس بيكو جديدة بعد قرن من تقسيمها وتفكيكها لم نكن نعدو الحقيقة فيما نقول، بل الأمر واضح وجلي لكل من له بصر وبصيرة فالدولة الوحيدة الباقية المستعصية هي سوريا. لذا لا بد من خلق المبررات والذرائع للغزو وهدم الدولة السورية كما هدمت الدولة العراقية. الأشكال والأدوات تختلف لكن النتيجة واحدة. كنا منطقة بدون حدود نتنقل بدون حدود، اقتصاد واحد وشعب واحد. فغدونا شعوبا وشيعا وطوائف ودولا وإمارات واستجرنا بالغربي الشمالي الإستعماري المتعصب المستغل على أخينا، وتقاتلنا على الماء والهواء والغاز والنفط ،وغدونا أعداء أنفسنا بفضل سايكس – بيكو وذرائع الولايات المتحدة.

لسنا أنصار أنظمة حكم فردية بوليسية أوتوقراطية غير ديموقراطية، لكننا ضد سفك الدماء العربية باسم الديموقراطية وضد غزو الدول العربية تحت ذريعة حقوق الإنسان، وضد قصف المدنيين وقتلهم وجرحهم من أي كان وضد التدخل في الشئون الداخلية للدول عبر ما يسمى بالتدخل الإنساني. وصدق من قال أكلت يوم أكل الثور الأبيض!!