المزايدون ... لماذا ؟ بقلم : عائشة سلطان

المزايدون ... لماذا ؟  بقلم : عائشة سلطان
المزايدون ... لماذا ؟ بقلم : عائشة سلطان

المزايدون ... لماذا ؟

بقلم : عائشة سلطان

 

كل سلوكنا البشري له ما يبرره، أعجب بعضنا ذلك السلوك أم لم يعجبه، فنحن حين ننتقد الآخرين غالبا ما نفعل ذلك وفق نظرية المفروض واللازم وما يجب، وننسى أن ما هو لازم ومفروض من وجهة نظرنا أو من زاوية تفكيرنا ليس واجبا ولا مفروضا ولا لازما من وجهة نظر الآخرين، لكن بعضنا يصر على أن ما يراه ويعتقده هو الفضيلة المطلقة والصواب الوحيد، لن نناقش فكرة موقع الصواب مع من بالضبط، ولكننا نحاول أن نتلمس فكرة المنفعة التي تحكم كل السلوك البشري على امتداد التاريخ والتي انتجت تاريخا من الحضارة والتطور والتعاون والعلوم كما انتجت في المقابل تاريخا موازيا من الحروب والصراعات والخلافات والجرائم والتنافر!

إن فكرة امتلاك الحق التي يؤمن بها البعض - ومرده في ذلك الدين الذي يؤمن به - لا تشترط إلغاء الآخر بقدر ما تستلزم التعاون معه على أساس “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ... “ أما المزايدة بالأفضلية (أنا خير منه وأنا أفضل، وأنا صاحب الحق والصلاح إلى آخر ذلك ... ) فمزايدة رجيمية شيطانية حيث كانت هذه العبارة “أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين” أول التكبر ومبتدأ الانحراف، وأول عبارة عصي الله بها، قالها إبليس الذي هو من نار لرب العالمين حين أمره فرفض السجود لآدم الذي هو من طين!

كبشر نحن محكومون بظروف لا حصر لها، ومرد سلوكنا تربية وتنشئة وجينات وبيئة وثقافة وسياسة واقتصاد ودين -بلا شك - وأسر وأصدقاء ومناهج تعليم وإعلام، ونفس وعقل إما تقودنا نحو الصواب وإما الى الغواية، ذلك ان تزكية النفس ليس في مقدور جميعنا أو من اهتمامات الناس الأولى في أيامنا، ومع ذلك يأتينا من يصرخ في وجوهنا معارضاً ومحتجاً وساخراً على اعتبار أنه يتوجب أن يكون كل الناس نسخاً منه، فكيف يستوي ذلك ؟ ثم من قال إن شكل الإنسان ولباسه معيار الفضيلة الوحيد ؟ ومن قال إن الأمور لا تقبل النقاش والحوار والجدل ؟ ومن قال إن القول اللين ليس أمراً الهياً أمر به الله موسى حين طالبه بمخاطبة فرعون، لقد سمعت شاباً يقول لصديقه إذا لم تقاطع صديقك فلاناً فلن استمر في علاقتي معك، اما “جريمة “ ذلك الفلان فهي أن دينه مختلف!! كان هذا الشاب يعتبر نفسه معلماً وموجهاً وفاضلاً، وحين قال ذلك تغيرت كل الصورة التي رسمها لنفسه!

في حياتنا المعاصرة فإن الذهاب إلى خنادق التطرف في تفسيرنا للدين ليس في مصلحة أحد، ونظرة البعض لأنفسهم على انهم الناجون والبقية هلكى في نار جهنم نظرة فوقية لا علاقة للدين بها، فكل الدين جاء لصيانة وحفظ مصالح الناس التي هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهي المعروفة بمقاصد الشريعة، وعليه فإن الدين يتحقق بحفظ الأرواح لا بإشاعة الفتن والقتل، وبالتعاون والتسامح لا بالتطرف والشعور بالفوقية على الآخرين، وبتحقيق الأمان لا بحرق المصالح والأوطان، “إن الله لا ينظر الى أجسامكم وصوركم ولكن ينظر الى أعمالكم “ فالذين يحصرون الدين في الثياب فقط وفي الشكل فقط ويهتمون بهما مطلقين العنان لتصرفات سيئة وأقوال غليظة وأحكام جائرة، لا يملكون من الدين إلا الظاهر أما أصل الدين المرتكز على تنقية النية وتزكية القلب فقد خسروه تماما!

إننا نتلفت اليوم لمن يظنون أنفسهم أوصياء على الدين فنرى سلوكهم والمهالك التي أودّوا بأهلهم وأوطانهم فيها تحت شعارات الهداية والصواب وإقامة دين الله، فلا نجد فيها لا هداية ولا صواباً، فنتساءل أيعلم هؤلاء شيئاً عن حقيقة الدين فعلاً ؟