خصوصية الخليج بقلم محمد يوسف

خصوصية الخليج  بقلم محمد يوسف
خصوصية الخليج بقلم محمد يوسف

خصوصية الخليج

بقلم محمد يوسف

من المؤكد أن دول الخليج العربية لها خصوصية تجعلها متفردة عن المناطق المحيطة بها، ومن المؤكد أيضاً أن النفط وعائداته ساهمت في ذلك التفرد، ولكن الخافي على الكثيرين من إخواننا العرب هو ذلك النسيج الاجتماعي المترابط والذى أنتج عقداً توافقياً منذ مئات السنين بين حكام هذه الدول وشعوبها،

لا يستطيع أن يتلمسه إلا من عاش في هذه الأرض وعايش تفاصيل العلاقة الخاصة التي تربط مكوناتها ما قبل النفط والثراء وبعده، فتاريخ هذه المنطقة لم يبدأ مع تفجر آبار النفط، ولن يتوقف مع نضوبها، وليسأل من لا يعلم الكتب والدراسات التي تزخر بها المكتبات الكبرى، ولينظر في مراجع التراث والآثار التاريخية، وسيجد من الشواهد ما يزيل الغشاوة التي أمامه، وسيغير النظرة التي ينظر بها إلينا، فنحن لسنا بقرة حلوب، ولسنا مصدر عملة صعبة وتحويلات شهرية من العاملين عندنا، وماعدنا تلاميذ لأفكار وسياسات تقود الأوطان إلى الهاوية !!فى القديم، أيام العوز والحاجة، كان الحاكم مسؤولاً في دول الخليج عن توفير الأمن والحياة الكريمة للناس ، يجوع إن جاعوا، ولا يأكل إلا بعد أن يشبعوا، ولهذا قبل الناس بالعائلات الحاكمة، ورفضوا مع كل موجات وتقليبات السياسة العربية أن يقتربوا من نظام إدارة الدولة في كل قطر، وكانت تلك قناعة وليس خضوعاً، كانت وما زالت اختياراً وليس جبراً ، وما لا يعرفه كثير من العرب أن حكام دول الخليج ما زالوا يتحركون في بلادهم دون ترتيب أو إعداد بروتوكولي مسبق، يلتقون بالناس، ويتلمسون  حاجاتهم، ويستمعون إلى مشاكلهم، وتأتى حلولهم في صيغة أوامر وتوجيهات فورية غير قابلة للتأجيل أو التسويف، ومجالسهم مفتوحة، الحكام وأولياء العهود هنا يسمعون الناس قبل الوزراء والمسئولين، ويعرفون منهم ما يدور في فكرهم، ويسبقون المعاناة بمسافة طويلة تثبت أركان حكمهم. وفى المقابل يرى أهل الخليج كيف تراجعت الدول التي كانت تفوقنا تحضراً ونماء بسبب الانتكاسات السياسية التي عصفت بها، وكيف أصبح الحاكم القادم من حضن بيئة حزبية أو غيرها من الانتماءات الفئوية، لا يعرف ما يدور حوله، ويخاف من الالتقاء بأبناء شعبه، فهذا الحاكم الطارئ لا ينظر إلى الشعب بمنظور المسؤولية الدينية أو الإنسانية أو الأخلاقية، ولكنه ينظر إليه بفوقية وكبر ، ويعتبره هماً ثقيلاً فيعتزله، ويتفرع لإدارة  «الخلود» الأبدي له ولمن حوله عبر استباحة ثروات البلاد وتكديسها !!خصوصية دول الخليج هي التي أنجحت مشاريع التنمية في نفس الوقت الذى فشلت فيه تلك المشاريع في دول عربية نفطية. وخصوصية دول الخليج هي التي حافظت على العلاقة بين الحاكم والشعب الذى مازال مصراً على تفويضهم بإدارة شئون بلاده، وجعلته مصراً أيضاً على رفض التحزبات والتنظيمات الواردة من الخارج، فهذا الشعب في هذه المنطقة لا يقبل أن يترك إرادته وحريته الفكرية في يد مجموعة تسيرها أهواء أشخاص لا يمتون له بصلة ، سواء كان أولئك الأشخاص متلحفين برداء الدين أو الديمقراطية الخداعة التي تجعل من بضعة أشخاص يتلاعبون بحياته ومصير أبنائه .وخصوصية دول الخليج هي التي أفرزت الدولة العربية الاتحادية الوحيدة والناجحة في العصر الحديث، وهى التي أثمرت عن مجلس تعاون استمر ثلاثة عقود كاملة، وحقق إنجازات على طريق التكامل وتوحيد القوانين، وجعل فكرة «الاتحاد» بين هذه الدول مطروحة على بساط البحث منذ عامين .تلك هي الخصوصية التي تعطيني حق رؤية خليفة بن زايد متى أردت، وزيارة محمد بن زايد في مخيمه الذى ينصبه في كل عام بمنطقته أو في مجلسه الأسبوعي، ورؤية إخوانهم أو الاتصال بهم في أي وقت، وتعطى السعودي ميزات لا يجدها من يعيش بعيداً عن شواطئ الخليج، وكذلك الكويتي والبحريني، والعماني الذى يفاجئه سلطان البلاد بجولات في الأرياف قبل المدن والقرى، إنها الخصوصية التي صنعت نقلة حضارية في هذه المنطقة خلال 40 سنة احتاجت أوروبا لأن تصلها إلى مائتي سنة، واحتاج بعض إخواننا الذين يتساءلون عن خصوصيتنا إلى تدميرها خلال بضعة أشهر بواسطة حاكم مستبد أوصله الحظ إلى سدة الحكم!!