الناجون من التيه التنموي
عبداللطيف الزبيدي
القيادة السليمة في الدولة السليمة، تبدع الربيع برعماً برعماً، ورقة ورقة، زهرة زهرة، ثمرة ثمرة، فلا يحتاج الشعب بعد عقود من المعاناة إلى الهدم، والتعثر في البحث عن البدء من الصفر . مصطلح الربيع أطلق على الثورة الساعية إلى التغيير وإعادة التأسيس على قاعدة قويمة . فالأفضل إذاً هو أن تجعل الدولة أهداف الربيع خطة عمل لها على مرّ السنين .
عندما نعكس الصورة، نرى تراجيكو ميديا أنظمة طبائع الاستبداد والفساد . يبدو أن تلك الأنظمة الضالة تضع أمامها حين تتسلم مقاليب السلطة، قائمة مطامح الشعوب وتنفذ العكس . تصبح التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين والحريات ومقومات الهوية ومتطلبات السيادة، كلها في قائمة أعداء النظام، لأنه جاء ليسدل الظلمات، لا لينشر الأنوار .
لا أحد يستطيع إدراك ما كان يدور في أذهان الذين سادوا ثم بادوا في دول الربيع . طوال عشرات السنين وهم يرون كل شيء مقلوباً معكوساً معوجاً، ويختلقون التبريرات الواهية ليقنعوا الناس بأن كل شيء يسير على ما يرام . عند بلوغ أوج جنون الفردية، تعمى أبصار الأجهزة، ولا حديث بعد عن الشفافية حين تعمى البصائر .
في المرحلة التي تلت الربيع شهدنا ألواناً من المضحك المبكي: عودة البناء على الأسس المعوجة التي ستؤدي إلى بنيان أعوج . وكأن برج بيزا المائل هو المثل الأعلى الوحيد . يبقى الأمل في أن التحرك المتجدد للشعوب قد يؤدي إلى تصحيح الأوضاع، حتى لا تضيع التضحيات سدى . وعسى أن تدرك الشعوب الأخطار الخارجية، فالدول المنهكة فرائس سهلة الاصطياد . وليس ثمة ما هو أسهل في الصيد من بلد يعاني قطيعة بين النظام والشعب .
من الصعب بل من المحزن أن نتصور هول التيه التنموي الذي قطعته الدول الربيعية طوال العقود الماضية . في حين أن دولة الإمارات، التي كانت عند قيام الاتحاد الأقل تنمية بين شقيقاتها العربية، بدأت الخطوة الأولى بإعداد قائمة آمال الربيع . العمل الجاد الدؤوب بلا كلل هو الوحيد القادر على نسج مروج الربيع وتطريزها . لهذا نرى في كل يوم أنهاراً بشرية، مسؤولين وإعلاميين، خبراء ومتخصصين، يتوقون إلى رؤية حقيقة الربيع الأربعيني الصادق .
لزوم ما يلزم: الفصول أربعة، لكن الدولة الرائدة تستطيع أن تجعلها كلها ربيعاً دائماً .
