تقديم الرواية الفلسطينية للاسرائيليين وفزاعة التطبيع / لـد. سفيان ابو زايدة

تقديم الرواية الفلسطينية للاسرائيليين وفزاعة التطبيع / لـد. سفيان ابو زايدة
تقديم الرواية الفلسطينية للاسرائيليين وفزاعة التطبيع / لـد. سفيان ابو زايدة

تقديم الرواية الفلسطينية للاسرائيليين وفزاعة التطبيع..د. سفيان ابو زايدة

على الرغم ان هناك اجماع فلسطيني رسمي و شعبي يرفض التطبيع مع الاحتلال الا ان هناك خلاف حول تعريف المقصود بكلمة تطبيع و ما هي النشاطات التي تندرج تحت هذا العنوان و بالتالي  يجب ان تكون مرفوضة و ما هي النشاطات المسموح ممارستها و التي تندرج تحت عنوان الجهد الفلسطيني الوطني في محاصرة الاحتلال. من هم الاسرائيليين المسموح الحديث معهم و في اي الاحوال و من هي الجهات الفلسطينية المسموح لها التواصل معهم و ما هي مواصفاتها. وجهات النظر مختلفة، احيانا تنطلق من رؤيا فصائلية او فكرية و في اغلب الاحيان لها علاقة بالفهم السياسي للصراع .

منظمة التحرير الفلسطينية ومنذ مطلع السبعينات اقرت توجه بضرورة العمل على الجبهة الاسرائيلية الداخلية. في البداية كان الحديث يدور فقط عن اليهود غير الصهاينة و بعد ذلك اتسعت الدائرة لتشمل كل القوى التي تؤيد الحق الفلسطيني في اقامة دولتة المستقلة الى ان تطور هذا التوجه ليشمل كل القوى و الاحزاب الاسرائيلية التي لديها الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية و عاصمتها القدس على حدود عام 67. لقد اكدت القيادة الفلسطينية على هذا التوجه قبل حوالي الشهر من خلال تشكيل لجنة للتواصل مع المجتمع الاسرائيلي مكونة من اعضاء في اللجنة التنفيذية و  اعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح.

على اية حال، هناك من يعتقد ان لا جدوى من الحديث مع الاسرائيليين و الدليل على ذلك ان المجتمع الاسرائيلي اصبح اكثر تطرفا، وهناك من يذهب الى ابعد من ذلك حيث يعتبر ان اي لقاء بغض النظر مع من يكون، و ان اي نشاط بغض النظر عن طبيعته ، بل اي مصافحة لاي اسرائيلي من قبل اي فلسطيني هو عمل مرفوض وطنينا و هو يخدم المشروع الصهيوني و يضر بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني وقد يصل بالنسبة للبعض لدرجة الخيانة و العمالة مع الاحتلال.

ليس لدي جدل مع اؤلئك الذين لا يؤمنون بالمفاوضات على اساس اقامة دولة فلسطينية على حدود 67 و الذين يعتبرون ان العدو لا يفهم الا لغة الصواريخ و التفجيرات و ان لا تنازل عن اي شبر من فلسطين لا بالمفاوضات و لا بغيرها . هؤلاء لا استطيع ان اقنعهم بأهمية التأثير على المجتمع الاسرائيلي بضرورة القبول بحل الدولتين لانهم انفسهم لا يؤمنون بهذا الحل .

الجدل هنا حول جدوى العمل على الساحة الاسرائيلية من عدمها هو مع القوى و الشخصيات السياسية التي تقبل بحل الدولتين، خاصة فصائل منظمة التحرير التي اقرت ان الهدف هو اقامة دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي التي احتلت عام 67 و القدس الشرقية كعاصمة لها و حل عادل لقضية اللاجئين على اساس القرار 194. هذا هو برنامج القاسم المشترك لكل القوى و الفصائل المنضوية تحت اطار منظمة التحرير و التي لا تعارضة حتى الفصائل الاسلامية الجهادية و ان كانت حماس على سبيل المثال تريد هذا الحل دون اعتراف بأسرائيل و لكن مع هدنة طويلة الامد.

اذا كان الامر كذلك، هل من المفيد ايصال الرواية الفلسطينية من القضايا المختلفة المتعلقة بالصراع و العملية السياسية للمجتمع الاسرائيلي؟ هل من المصلحة الفلسطينية اقناع الشارع الاسرائيلي بضرورة وقف الاستيطان و انهاء الاحتلال و ان حل الدولتين هو فائدة للجميع ام ان المصلحة الفلسطينية هو ترك هذا المجتمع المفتوح للدعاية اليمينية المتطرفة و لاكاذيب الساسة الاسرائيليين الذين يقولون ان الفلسطينيين يريدون ان يلقونا في البحر و انه لا يوجد شريك فلسطيني و ان المشكلة ليست في الاحتلال و الاستيطان بل المشكلة في ثقافة الفلسطينيين القائمة على القتل و الارهاب و كره اليهود ؟

خلال العقدين الاخيرين اتيحت لي الكثير من الفرص للحديث مع الاسرائيليين و بكافة مستوياتهم. لقد حفظت اسئلتهم عن ظهر قلب و تعلمت الكثير من خلال التجربة المتراكمة عما يفكرون به تجاهنا و تجاه انفسهم . بعد كل لقاء ادرك كم هو مفيد لنا كفلسطينيين ايصال الرواية الفلسطينية لهم و بشكل مباشر، حيث هناك فارق كبير بين الحقيقة و بين ما يعتقدون هم انها الحقيقة . هناك رواية اسرائيلية ليس لها علاقة بالواقع الذي نعرفة و هناك رواية فلسطينية الغالبية العظمى من الاسرائيليين لا يعرفونها. امثلة على ذلك:

اولا: هناك قناعة اسرائيلية ترسخت بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 بأن اسرائيل عرضت على الرئيس عرفات كل شئ ممكن و رفض، و في انابولوس اولمرت عرض على الرئيس عباس كل شيئ و رفض وهذا دليل ان الفلسطينيين لا يريدون السلام على اساس دولتين بل يريدوا كل فلسطين من نهرها الى بحرها. الرواية الفلسطينية بطبيعة الحال معروفه.

ثانيا: هناك قناعة اسرائيلية ان احد الاسباب في عدم التوصل الى اتفاق ليس الاحتلال و الاستيطان بل لان ما يُعلموه الفلسطينينون لاولادهم في المدارس قائم على كره اليهود و الى ان يتغير ذلك لن يكون هناك سلام. الرواية الفلسطينية واضحة ان الاحتلال و الاستيطان و ثقافة اليمين المتطرف هي العائق و هي المشكلة الحقيقية.

ثالثا: هناك قناعة اسرائيلية بأن اي لقاء بين فتح و حماس و بين مشعل و الرئيس عباس هو مؤشر على ان الفلسطينيين لا يريدون السلام. الرواية الفلسطينية ان من حق الشعب الفلسطيني ان يوحد صفوفه و ان الرئيس عباس و مشعل هم قادة يعبرون عن رغبات و مصالح الشعب الفلسطيني

رابعا: نتنياهو و اليمين استطاع ان يقنع الاسرائيليين انه جاهز للجلوس على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة و لكن الرئيس عباس هو الذي يرفض. الرواية الفلسطينية ان من يضع شروط و عقبات و لا يملك برنامج سياسي هو نتنياهو وحكومة اليمين و ليس الجانب الفلسطيني.

خامسا: من الذي يمثل الفلسطينيين؟ حماس ام فتح؟ و هل يمثل الرئيس عباس الضفة فقط ؟ و مع من نصنع السلام و ماذا مع غزة التي تسيطر عليها حماس؟. الرواية الفلسطينية ان منظمة التحرير هي المخولة بالمفاوضات و ان الانقسام هو مؤقت و جديد في حين الصراع عمره اكثر من مئة عام .

خلاصة القول، وهذه وجهة نظري التي أؤمن بها و لا اتردد في الدفاع عنها ، و التي تعكس ما تؤمن به منظمة التحرير و ما تؤمن به حركة فتح و اقرته مؤسساتها العليا ان العمل على الساحة الاسرائيلية هو احد اشكال النضال الفلسطيني و هو لا يشكل بديل عن الاشكال النضالية المشروعة الاخرى و التي اقرتها المواثيق و الاعراف الدولية. صحيح التأثير محدود ، وصحيح النتائج غير مشجعه و لكن ايضا هذا ينطبق على اشكال كثيرة اخرى من اشكال النضال الفلسطيني .

بطبيعة الحال هذا الامر يجب ان يكون ضمن استراتيجية فلسطينية و رؤيا واضحة و فقط من يمتلك الخبرة و التجربة و الحصانة الوطنية هو من يستطيع القيام بهذا العمل. هو ليس هواية او جزء من "البزنس" و مصدر للاسترزاق كما يمارسه البعض بل هو عمل وطني صرف يهدف الى تحقيق الاهداف الوطنية المشروعة التي اقرتها المؤسسات الوطنية الفلسطينة.

Dr.sufianz@gmail.com