اصلاح الامن الفلسطيني... ومقاربة رضا المواطنين

اصلاح الامن الفلسطيني... ومقاربة رضا المواطنين
اصلاح الامن الفلسطيني... ومقاربة رضا المواطنين

 كتب: جهاد حرب

 استخدم تقرير مقياس قطاع الامن وتوجهات المواطنين، الصادر عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، مقاربة جديدة لم يتم اعتمادها في عملية الاصلاح الامني الفلسطيني خلال السنوات الفارطة؛ وهي تقوم على فحص مواقف وآراء وتوقعات المواطنين وتوجهاتهم، أي دافعي الضرائب. تكمن هذه المقاربة في العناية للحصول على رضا ليس الزبائن كما هو في قطاع الخدمات الاقتصادية، أو صاحب العمل كما هو النظرة التقليدية في الادارة العامة، بل على صاحب العقد الاجتماعي.

اعتمدت عملية اصلاح قطاع الامن في فلسطين، وفي العالم العربي، على عدد من العمليات الاجرائية كالإصلاح التشريعي أي اصدار تشريعات تنظم عمل المؤسسة الامنية، وإعادة الهيكلة للمؤسسات الامنية، واعتماد وثيقة السياسات الامنية،  وتوفير المستلزمات المادية والتقنية للأجهزة ومنتسبيها، ورفع ثقافة منتسبي الاجهزة الامنية، وتطوير أدوات الرقابة عليها بما فيها المالية والبرلمانية، وتحديد المرجعية السياسية لها بالإضافة الى الشراكة مع المجتمع المدني. هذا النوع من الاصلاح على اهميته، سواء كان برغبة من القيادة السياسية أو بضغط خارجي، تناسى العنصر الاهم في عملية الاصلاح، والذي من أجله بدأت ذات العملية، وهو رضا المواطنين والحصول على ثقتهم الذي هو غاية المؤسسة العامة وموظفيها.

أهمية هذا التقرير، أو المقاربة، أنه يعطي الحكومة وقادة الاجهزة الامنية صورة عن انطباعات المواطنين وتقييمهم في عدد من المؤشرات؛ تمثلت بثلاثة عشر مؤشرا رئيسيا تحتوي على 124 مؤشرات فرعيا؛ تقيس توجهات المواطنين وتوقعاتهم في قدرات الاجهزة الامنية، وأدائها، ومدى الثقة بها، والتوقعات المستقبلية، واتجاهات التغيير، والاعتقادات بشأن انتشار الفساد في الاجهزة، والإطلاع والمعرفة بالاختصاص والمهام المختلفة للأجهزة الامنية، والتجربة الشخصية في تقييم دور الأجهزة في حماية القانون والحريات العامة ومكافحة الجريمة، وإحساس المواطن بالأمن والسلامة الشخصية، وغيرها من المؤشرات المرتبطة بقطاع الامن كنظام العدالة والحريات العامة وحقوق الانسان. كما أنه يمنح التقرير العناية لمعرفة رأي عينة من الجمهور التي لديها احتكاك مع قطاع الامن في عمل الاجهزة الامنية.

تشير نتائج تقرير مقياس قطاع الامن في فلسطين الى أنه حصل على علامة ضعيفة (0.49)؛ هذه النتيجة تعكس انقساما بين الجمهور الذي يمنح أقل من نصف المواطنين تصنيفا ايجابيا لأوضاع قطاع الأمن، فيما يمنح أكثر من النصف الاخر تصنيفا سلبيا لهذه الاوضاع. فقد بلغت قيمة المقياس بين من تعرض لتجربة مع قطاع الامن ونظام العدالة (0.42)، فيما بلغت (0.49) بين من لم يتعرض لتجربة كهذه. تظهر نتائج التقرير أن الاحتكاك والتجربة المباشرة مع قطاع الأمن بمختلف أجهزته تخلق انطباعات سلبية عن هذا القطاع. في المقابل، تظهر النتائج أن الشعور بالأمن والسلامة الشخصية والعائلية تلعب دوراً شديد الأهمية في تقييم المواطن لقطاع الأمن حيث ترتفع علامة المقياس عند توفر الشعور بالأمن لتبلغ (0.59) وتنخفض عند غيابه لتبلغ (0.40).

يوضح التقرير وجود دور بالغ الأهمية للانتماءات السياسية في تحديد الموقف من قطاعات الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يظهر واضحاً أن الأفراد والمجموعات غير المؤيدة أو غير المنتمية للأحزاب الحاكمة تشعر بغياب الأمن بشكل أكبر بكثير مما يشعر به الأفراد والمجموعات المؤيدة أو المنتمية للأحزاب الحاكمة. ربما لهذا السبب ترى أغلبية المواطنين أن أجهزة الأمن تعمل لمصلحة النظام الحاكم وليس لمصلحة المواطن.

في ظني ان هذا العمل العلمي يحتاج الى قراءة متأنية من قبل القائمين على الاجهزة الامنية لفحص اوجه الخلل أو مكامن الضعف لإزالتها وتقوية مكامن القوة التي كشفها هذا التقرير  عبر سياسات أمنية تأخذ بالحسبان رأي المواطنين في عملية الاصلاح الامني القائمة أو أي عملية اصلاح مستقبلية. المقاربة الجديدة تدعو الى الانتقال من العناية ببذل الجهد إلى العناية للحصول على رضا المواطنين وثقتهم، لا رضا الماسكين بالحكم فقط.