كيف فجع سكان خان يونس بحجم دمار منازلهم بعد انسحاب الاحتلال؟

دمار خانيونس
دمار خانيونس

فور اعلان قوات الاحتلال الإسرائيلي إعادة تموضعها في قطاع غزة و"انسحابها" من قلب مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة، حتى انطلق الآلاف من مواطني المدينة القابعين في خيام النزوح، إلى بيوتهم على أمل العودة إليها، لكنهم فُجعوا باختفائها عن سطح الأرض, وقفوا أمامها وكأن على رؤوسهم الطير، فاضطروا للعودة ثانية لخيام النزوح.

سوق الأربعاء وسوق الحبوب وسوق اللحم القديم، شارع ديوان شبير، ومنطقة الكراج وشارع المحكمة وشارع البحر جورة العقاد وبلوك (جي)، كلها مناطق حيوية كانت تعج بالحياة على مدار الساعة، بصعوبة تمشي فيها من الزحام. الآن صعب المشي فيها لأنها باتت تعج بالسكون والدمار، إلا من بعض المواطنين الذي جاؤوا يتفحصون ممتلكاتهم وحوانيتهم.

بعد 4 شهور من الغزو البري تحولت المدينة إلى مرتع للحيوانات الضالة واللصوص. حتى البيوت التي نجت من الطحن لن يعود أصحابها إليها لأن المدينة لم تعد تصلح للحياة، فلا شبكات مباه ولا صرف صحي ولا كهرباء ولا منظومة صحية ولا تعليمية، لا شيء بكل معنى الكلمة.

قابلت منى البطة، أعدم الاحتلال زوجها محمد البطة، ابن ال 67 عاما، رفض الخروج من بيته، قتله جنود الاحتلال قنصا، حاول جاره إنقاذه فقُتل بجانبه وجار ثالث ورابع... لن تعود منى البطة للعيش في بيت محاط بالموت والدمار ولا مقومات حياة. حملت قليلا من الأشياء وتوجهت لخيمة نزوح تاركة خلفها عمارة 4 طوابق.

 قابلت رجلا يأخذ قسطا من الراحة على كومة من الرمل أشار إلى لوح (زينكو) ملفوفا بجانبه وقد تسربل بالثقوب، قال لي: هذا ما خرجت به من بيتين، الأول دمر بشكل كامل والثاني تضرر ونهبه اللصوص. فاز أيمن كُلاب بلوح الزينكو وسيستخدمه في انشاء مرحاض له بجانب خيمة النزوح التي يقيم فيها مع اطفاله الثمانية في "المواصي."

لم يسلم شيء، مكتبات، أندية رياضية، مصانع، محلات تجارية وفروع جامعات كلها طُحنت أو تضررت وحرقت، حتى مدارس الأونروا دمروها وحرقوها واقتحموها وخطوا على جدرانها شعارات مراهقة  باللغة العبرية، ورسموا النجمة السداسية التي جعلوا منها رمزا لهم. والمسجد الجامع لم يعد له أثر على الاطلاق حتى مئذنته كل جزء في منطقة، ألقي جزء منها بجانب الخان (الذي يعرف بقلعة السلطان برقوق) سيارات معجونة بالحديد والباطون.

الدمار ليس على جانبي الطريق بل أيضا في المربعات الخلفية. وتحت الأرض، لون الأسفلت الأسود اختفى، وكذلك بلاط الشوارع، فكل الشوارع عادت رملية ومليئة بالحفر، أو تلال دُفن تحته سيارات وبيوت وأثاث وربما شهداء، أينما تولي وجهك يقابلك أكوام رمادية من الركام، وروائح كريهة لا تعرف ما إذا كانت لدواب ميتة أم مواطنين أم مقاومين دفنوا تحت أطنان من الخرسانة.

مهند الفرا يحمل كيسا على كتفه، قال إنه يحمل ثلاث قطع ملابس لأطفاله، هي كل ما تبقى من عمارة 3 طوابق وسوبر ماركت. قال إنه متوجه لخيمة النزوح الخاصة به لأن الحياة القاسية فيها أفضل من الحياة في مدينة خانيونس "لا حياة ولا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي، لقد عدنا 50 عاما إلى الوراء".