وهل كانت المشكلة في إدارة قطاع غزة ؟ ...بقلم/ د. إبراهيم أبراش

وهل كانت المشكلة في إدارة قطاع غزة ؟ ...بقلم/ د. إبراهيم أبراش
وهل كانت المشكلة في إدارة قطاع غزة ؟ ...بقلم/ د. إبراهيم أبراش

منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 بعد أن خرجت منه إسرائيل قبل عامين من ذاك التاريخ ضمن مخطط استراتيجي لفصل غزة عن الضفة وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني ، والخطاب السياسي والإعلامي لحركة حماس يركز على رفع الحصار عن غزة ويستنفر العالم لتحقيق هذا الهدف ، وتغلغل إلى الخطاب السياسي والإعلامي مصطلحات الشعب الغزي والقضية الغزية ، بل بات الخطاب الرسمي الحمساوي يتحدث عن غزة المحاصرة والضفة المحتلة !، وكأن قطاع غزة ليس محتلا وبالتالي لا يحتاج إلا إلى المال والمساعدات الاقتصادية ودعم حكومة غزة ، وغابت فلسطين والقضية الفلسطينية وسط ضجيج رفع الحصار عن غزة ومتاهات المفاوضات .

منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة ونحن نحذر من تداعياتها وكتبنا مطالبين بضرورة ووجود إستراتيجية فلسطينية لمواجهة خطة شارون وهذا ما ورد في مقال لنا عام 2005 وقبل أن تنسحب إسرائيل بنفس العنوان http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/18164.html ،كما حذرنا من دولنة غزة ومن انزلاق البعض نحو استكمال خطة شارون بتدمير المشروع الوطني من خلال تكريس فصل غزة عن الضفة ، وللأسف فإن الأمور سارت بما يُرضي ويُريح إسرائيل وبما يكرس الانقسام حتى سمعنا أخيرا من يختزل كل الأحداث العظام والانهيارات الكبرى التي تجري داخليا وخارجيا بمسألة إدارة قطاع غزة ، وكأن المشكلة الفلسطينية تكمن فقط في تفرد حماس بحكم القطاع وبالتالي إن شاركها الآخرون السلطة والحكم استقامت الأمور ! .

لسنا مثاليين وطوباويين حتى نُدير الظهر للانقسام وما أنتج من وقائع أمنية وسياسية واجتماعية وحتى ثقافية ونفسية في قطاع غزة مختلفة عن الضفة ، ولسنا واهمين لدرجة الاعتقاد بأن إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي بين غزة والضفة يمكن أن يتم بمجرد قرار من الرئيس أبو مازن أو خالد مشعل أو من كليهما، كما لا نسقط من حسباننا أن قطاع غزة مقبل على أيام سوداء ومحنة كبيرة قد تصل للاقتتال والحرب الأهلية المٌعززة من دول الجوار ، وبالتالي لا بد من حلول أو عملية إسعاف عاجلة لمواجهة التداعيات الخطيرة للأحداث في مصر على القطاع . ولكن .. يجب الحذر من أن تضفي عملية الإسعاف التي يقترحها البعض الشرعية على واقع الانقسام ، وما أكثر المبادرات التي يطرحها اليوم كل من هب ودب بعضهم بحسن نية وبعضهم لمصالح خاصة ،وهي مبادرات تتجاهل أصل القضية الفلسطينية وتختزل الأمر بمستقبل وإدارة قطاع غزة.

قبل أيام طرح السيد إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة غزة مبادرة تدعو الأطراف الفلسطينية الأخرى للمشاركة في إدارة قطاع غزة . وسبق وان قال بالفكرة أحد نواب التشريعي من حماس ،كما نعلم أن حركة حماس طرحت الفكرة منذ سنوات على الفصائل والأحزاب الفلسطينية التي رفضت المشاركة . نعتقد أن هذه الدعوة وإن كان الهدف منها إخراج حماس من ورطتها ،والمصلحة الوطنية العليا لا تتعارض مع ذلك ، إلا أن طرح المبادرة بمعزل عن مجمل القضية الوطنية يجعلها مبادرة خطيرة ، حيث تثَبِت مغالطة أن المشكلة تكمن في إدارة قطاع غزة أو في حصاره وليس في الاحتلال وفي الانقسام بحد ذاته ، والمنطق والمنطلق الذي يحكم هذا الطرح لا يختلف عن منطق ومنطلق من يدعون للتمرد على حركة حماس وإن كانا يختلفان في الأهداف النهائية . إنه منطق ومنطلق انقسامي يستسلم لواقع الانقسام ويختزل القضية الفلسطينية فيمن يحكم قطاع غزة ، منطق ومنطلق يختزل المشكلة بسيطرة حماس على السلطة ويُغَيِّب القضية الفلسطينية برمتها. كما يوحي هذا الطرح وكأن خلاف الفصائل الوطنية والمعارضين لحماس سببه تفرد هذه الأخيرة بالسلطة في القطاع ،وبالتالي إن تمت مشاركتهم بالسلطة في القطاع ستنتهي المشكلة . كما أن هذا الطرح يتعامل مع القطاع وكأنه شركة أو ملكية خاصة لحماس وبالتالي من حقها أن تقرر من يشارك أو لا يشارك في حكم غزة ، وللأسف هناك من يسعى لإنهاء حكم حماس ليحل محلها في ظل استمرار الانقسام ، وهناك جماعات وشخصيات مستعدة لمقاسمة حماس كعكة السلطة حتى بعد أن احتراق الكعكة .

إن كان البعض يرى ومن منطلق التعامل من الأمر الواقع وتحت ذريعة تخفيف المعاناة عن السكان ،إمكانية تغيير الحكومة في قطاع غزة في إطار إدارة مؤقتة للانقسام لحين إنجاز المصالحة وتفعيل منظمة التحرير ، فإن هذا التغيير يجب أن يكون من خلال الانتخابات - حتى وإن بدأت بانتخابات بلدية عاجلة تعطي مؤشرا على استعداد حماس لاستكمال مجمل العملية الانتخابية – أو في سياق توافق وطني أرضيته تفاهمات المصالحة والمشروع الوطني التحرري، وليس من خلال مناورة تداري من خلالها حركة حماس الفشل الاستراتيجي في كل مراهناتها . إن المشاركة في إدارة القطاع خارج إطار الحوار الوطني الشامل وبمعزل عن ما هي إلا رشوة ودعوة لمحاصصة ، لذا يجب التفكير مليا قبل التجاوب مع هذه المبادرة.