تعريب فلسطين بدلا من فلسطنة العرب.. نكبتنا! بقلم:محمد جلال عناية

تعريب فلسطين بدلا من فلسطنة العرب.. نكبتنا! بقلم:محمد جلال عناية
تعريب فلسطين بدلا من فلسطنة العرب.. نكبتنا! بقلم:محمد جلال عناية

لماذا ننهزم؟ وكيف ننتصر؟

لعلهما اهم سؤالين في عالم السياسة، لأن تحقيق الاهداف يحتاج الى شروط معرفية لتحديدها، ومن ثم لتحقيقها، وان هذه الشروط تتنوع، وقد تختلف بين موقع وآخر، والحياة السياسية عالم متحرك حول أهداف تستدعي الدفاع او الهجوم بمعايير الربح والخسارة.

ومن الاهداف الرئيسة في السياسات الخارجية للدول حماية السيادة الاقليمية، وتنمية قوة الدولة، بزيادة الانتاج الاقتصادي، وبالتوسع الاقليمي، وبالدفاع عن الفكر السياسي للأمة، وتعزيز السلام كهدف للسياسات الخارجية.

ومن اهم المعايير التي تحدد اختيار الاهداف القومية للسياسات الخارجية للدولة، الشخصية القومية للدولة، واتجاهات الرأي العام، وامكانيات الدولة، ونمط الزعامة السياسية المسؤولة، وطبيعة الظروف والاحوال الدولية.

ان الاهداف المعلنة ليست هي باستمرار الاهداف التي تحاول الدول بلوغها، فكثيرا ما تكون تصريحات الساسة قد صيغت بطريقة يقصد بها التضليل، والتستر على النوايا الحقيقية، وان الخطأ والقصور في التعرف على الاهداف والنوايا قد يكبد الدول الغافلة او المستغفلة خسارة فادحة، فإن المانيا خسرت الحربين العالميتين الاولى "١٩١٤ - ١٩١٨"، والثانية "١٩٣٩ - ١٩٤٥" لأنها استبعدت تدخل الولايات المتحدة الاميركية فيهما، وكادت بريطانيا ان تخسر الحرب العالمية الثانية لأنها لم تدرك اهداف هتلر على حقيقتها.

تتمثل اهمية اتخاذ القرارات في القدرة على التوصل الى صيغة عمل معقولة من بين عدة بدائل متنافسة، وكل القرارات ترمي الى تحقيق اهداف بعينها، او تفادي حدوث نتائج غير مرغوب فيها.

يرتبط اختيار القرار بوجود معايير ترشيد يمكن الاحتكام اليها في عمليات الموازنة والترجيح، والمفاضلة النهائية، فالتركيز على قرار بذاته لا بد وان يجيء نتيجة اقتناع منطقي بكل ما يمثله مضمون القرار، ما يرمز اليه، وفي اطار التصور العام لما يترتب على الاخذ به من مخاطرات وما يمكن ان يحققه في النهاية من نتائج.

اما مدى وضوح فكرة الهدف، ودرجة الدقة في قياس وتقييم الاحتمالات المترتبة على الاخذ بقرار معين من بين عدة قرارات بديلة، ثم اخيرا مدى القدرة على تطويع سبل المعرفة المتاحة في خدمة الهدف النهائي الذي ينشده القرار، او بمعنى آخر فإن القرار الرشيد هو محصلة التقييم المتوازن على قدر الامكان لكل القيم المسيطرة، والحقائق المتاحة، والتوقعات المتعلقة بظروف المستقبل.

فواضع القرار يقيم جزءا من افتراضاته وتوقعاته على اساس تصوراته للاوضاع في المستقبل، ومن ثم، يجب ان تكتمل له القدرة على تغيير الامور بالشكل الذي يجعل المستقبل اكثر مطابقة لرغباته واهدافه.

مرّ العرب كأمة وافراد في القرون الخمسة المنصرمة، بأكثر الفترات حرجا في تاريخهم، حيث اختلطت عليهم مفاهيم النصر والهزيمة، والتقدم والتخلف ولكن التدهور والانحطاط، كانا السمتين البارزتين لكل ما تعثرنا به في غياب العقلانية وفساد التفكير، والاخطاء في حساب النتائج وتصور التوقعات.

لم تكن العروبة تعبيرا عنصريا نبت من عرق واحد، بل هي سمة لغوية، اختلط الهجين فيها بالاصيل، في النطاق العربي الاسلامي الذي امتد من جنوب غرب الصين الى شمال غرب افريقيا. وكان الاسلام الرابط الاقوى بين كل هذه الجماعات المتواجدة في هذا النطاق، التي تنوعت اعراقها، واختلفت لغاتها وكان للغة العربية وضع مميز بين هذه اللغات لانها لغة القرآن.

حتى نكون اكثر قربا من الواقع التاريخي لهذه الجماعات، التي تقرب ما بينها الكثير من الروابط، وتباعد ما بينها الكثير من الفواصل سوف نتحدث عن الحياة السياسية على المستوى العام.

في بداية القرن التاسع عشر كانت فلسطين عبارة عن مقاطعات مقسمة بين سوريا وبيروت، ولا ترقى الى اكثر من خرائب موزعة في مناطق ادارية، فعلى مدى قرون من الاهمال وسوء الحكم التركي عادت الحروب بين الباشوات المحليين، وافسحت مجال السرقة للعصابات، ونشر الرعب بين السكان الذين كانوا لا يصل عددهم الى اربعمائة الف نسمة.

وكان اعتماد تركيا على دول اوروبا الغربية لا ينتج عنه تقدم اقتصادي او سياسي او عسكري بل حصول هذه الدول الاوروبية على مزيد من الامتيازات من الدولة التركية. وكانت الحالة الاقتصادية في اسوأ اوضاعها. فالتجارة كاسدة واحوالها متردية، والزراعة متخلفة بسبب الضرائب الباهظة، والتجنيد الاجباري، واعمال السخرة، والكوارث الطبيعية كالجفاف وغزوات الجراد، وظلت فلسطين جزءا مهملا من الامبراطورية العثمانية في حالة ركود، يعاني اهله من الجوع ويفتقر الى الرعاية الصحية في مواجهة الاوبئة والامراض السارية.

هذه فلسطين التي كانت بريطانيا تتطلع بشغف للسيطرة عليها وحيازتها، فالمسألة اليهودية ليست مسألة يهودية. في تقديرنا ان الصهيونية كفكرة سياسية، وحركة استيطانية في فلسطين هي جزء من المشروع الامبريالي البريطاني في الشرق الوسط اولا، وفي العالم طولا وعرضا. فبريطانيا هي صاحبة مشروع الدولة اليهودية في فلسطين قبل ثيودور هيرتزل (١٨٩٧)، حيث حققت الحصانة القضائية لليهود تحت جناحيها (١٨٦٤). وقد ازاحت بريطانيا الستار عن المشروع الامبريالي المتمثل في اقامة دولة يهودية في فلسطين باعلان وزير الخارجية البريطاني بلفور في ١٩١٧/١١/٢.

ان ما يكشف ان اسرائيل هي جزء من المشروع الامبريالي الذي اقامته بريطانيا في قلب الوطن العربي، ثم ورثته الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية، هو ان اغلب اليهود الذين هاجروا من روسيا بعد اغتيال قيصر روسيا الاسكندر الثاني عام ١٨٨١، اتجهوا الى الولايات المتحدة الاميركية ولم يهاجروا الى فلسطين.

ما هي الخيارات التي تداولتها بريطانيا بكل ما تملكه من دهاء سياسي ودبلوماسي لاقتناص فلسطين، واستثمارها في بناء امبراطوريتها والمحافظة على ديمومتها.

ففي العام ١٩١٦ اتفقت كل من بريطانيا وفرنسا على اقتسام املاك الامبراطورية العثمانية بعد انهيارها. ولكن بعد هزيمة تركيا، وتواجد ٢٠٠ الف جندي بريطاني في المنطقة طالبت بريطانيا بالاستيلاء على فلسطين، فلبّت فرنسا الطلب على الفور لضعفها وبالاتفاق مع الشريف حسين (١٩١٥) جند الثوار العرب انفسهم بقيادة الامير فيصل بن الحسين لقتال الاتراك لحساب بريطانيا، مقابل دولة عربية مستقلة لم تقم، فقد كانت الخطة البريطانية البديلة تتمثل في تقسيم الاراضي العربية الى شبه دويلات خاضعة لبريطانيا، وتم تنصيب الامير فيصل ملكا على سوريا ولكن الجيش الفرنسي طرده من سوريا، وعوضته بريطانيا بحكم العراق. ثم اصدر «بلفور» وزير خارجية بريطانيا وعد بلفور (١٩١٧) الذي حرم الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية والسياسية ومهد الطريق لليهود لاقامة دولة بريطانية في فلسطين بقناع يهودي.

كما أنشأت بريطانيا جامعة الدول العربية على نظام جعل منها جهازا لاتخاذ القرارات او احباط القرارات بحسب ما تقتضيه مصلحة بريطانيا. فقد كان نظام الجامعة يقضي باتخاذ القرارات بموافقة جميع الاعضاء الذين كان لبنان والاردن والعراق من اكثرهم اعتراضا على القرارات القومية، وقد أدت هذه الاعتراضات الى حرمان فلسطين من تشكيل حكومتها واقامة دولة فلسطين. وحرم الفلسطينيون من ادارة بلادهم وحكم انفسهم ومن حيازة السلاح للدفاع عن انفسهم كذلك.

اما فلسطنة العرب فكانت من المحرمات .. لماذا؟!

- لاجهاض حرب التحرير الشعبية العربية قبل ان تبدأ، هذا الاجهاض الذي انبرت له كل من بريطانيا والحركة الصهيونية ومن تجرجر في اذيالهما من اهل الحكم واصحاب القرار العرب، سواء بالعنف والارهاب او بالحرب النفسية، وازهاق الروح المعنوية للشعب الفلسطيني الاعزل.

اعتمد الحلف الاستعماري -الصهيوني (بين بريطانيا والحركة الصهيونية) على القوة العسكرية لتحقيق السيطرة اولا على فلسطين كقاعدة لحماية المصالح الاستعمارية المنافسة، والهدف البريطاني الثاني هو تأمين الطريق البري بين شرق البحر المتوسط والخليج العربي لاحكام السيطرة على النفط العربي، وتأمين ممتلكات بريطانيا في الهند حتى دلتا نهر السند. اما الهدف الثالث فهو فصل آسيا العربية عن افريقيا العربية.

ان عرضنا الان هدفه الدعوة للسلام بين العرب واليهود، وهو في مصلحة اليهود اكثر مما هو في مصلحة العرب. والذي نبلغه لليهود، هو ان زيادة القوة العسكرية للدولة (التي هي اسرائيل) لا يتبعها ابدا زيادة الشعور بالامن في مواجهة التحديات والاخطار العربية، لان زيادة تسلح اسرائيل يؤدي بخصومها - هذه الخصومة التي اثارتها الحركة الصهيونية نفسها - الى دعم قوتهم العسكرية في مواجهتها مع ديمومة التفوق العربي البشري (١: ١٠٠) خمسة ملايين من اليهود مقابل خمسمائة مليون من العرب مع تزايد ضغط الجماعات والاحزاب العربية، ومراكز القوة الاخرى الضاغطة على أجهزة وضع القرارات السياسية، كالانتفاضات الشعبية، وفورات الربيع العربي، ودفعها الى حرب التحرير العربية الشعبية، حيث هزمت الجزائر فرنسا، وهزمت فيتنام اميركا.

وسوف نكتفي بالاشارة الى بعض الظواهر البارزة في تاريخ اليهود الموجع - للعظة والعبرة - من السبي البابلي، الى التشتيت الروماني، والحرق الاسباني على السفود، ومذابح الحروب الصليبية، واذلال القياصرة الروس، وغرف الغاز الالمانية التي كانت على شكل عربات متحركة. ولم يكن بين قتلة اليهود ومضطهديهم احد من العرب او الفلسطينيين، الذين عاش اليهود في كنفهم مدة الفي عام، كانت اسعد ايام حياتهم، وازهى عصور تاريخهم، قبل ان يلقوا بمصيرهم بين انياب الاسد البريطاني، والحركة الصهيونية .. في انتظار ما لم يكن في الحسبان!.