أنماط جديدة من القيادة-- بقلم: يحيى رباح

أنماط جديدة من القيادة-- بقلم: يحيى رباح
أنماط جديدة من القيادة-- بقلم: يحيى رباح

التحولات في المنطقة منذ أكثر من سنتين ونصف كبيرة جداً وعميقة وواسعة المدى، بحيث أنها شكلت مفاجأة إلى حد الصدمة حتى للدول الكبرى التي كانت تفرض نفسها راعية لهذه المنطقة، وتنطلق بيدها، من مختبراتها، من أجهزتها الأمنية والسياسية، من منظور مصالحها!مثلما كان يحدث في القرنين التاسع عشر والعشرين!
وأن المنطقة ليست سوى رقعة شطرنج صغيرة يوكل أمرها إلى سفراء الدول الكبرى، يديرونها على هواهم، ويغيرونها باتجاه مصالحهم، فإن كان من يخدم هذه المصالح هو الدكتاتور فأهلاً، وإن كان من يخدم هذه المصالح ليبرالياً أو ديمقراطياً فأهلاً، وإن كان متستراً بالدين وداعياً للعودة ألف سنة إلى الوراء فأهلاً به أيضاً.
ونحن لا نستطيع أن ننكر أن هذه الدول الكبرى كانت موجودة في هاجس ثورات الربيع العربي، ولكن الذي ثبت فيما بعد أن ذلك الوجود لم يكن كاملاً، ولم يكن فاهماً، ولم يكن مسيطراً!


والدليل على ذلك أنه عندما تهاوت الأنظمة المتآكلة، والحكام الذين أحاطوا أنفسهم بشلل مقربة أفقدتهم الإبداع، فإن الدول الكبرى لم تنجح في ملء الفراغ على طريقتها!
وهنا يأتي السقوط المروع والانكشاف الرهيب للإسلام السياسي، فقد ثبت على الفور أن هذا الإسلام السياسي الذي كان يتوعد، وينتظر، ويعد العدة، لم يكن وضعه أفضل بكثير من وضع الأنظمة التي سقطت، كان هذا الإسلام السياسي يعاني من الفراغ، وانعدام الكفاءة في مستوى القيادة إلى درجة محزنة، وتعليق الأمل بالكامل على كاهل الأجهزة الأمنية والسياسية للدول الكبرى تفعل له كل شيء!


وهذا هو السبب أننا في ليبيا رأينا التدخل العسكري للناتو بكل سفور، وسمعنا صرخات التسول السياسي من بعض فصائل المعارضة في سوريا «الفصائل الإسلامية» تطلب التدخل العسكري الأجنبي المباشر، بل ورأينا في مصر التي يوجد فيها زعامة الإسلام السياسي شيئاً عجباً، حيث الإسلام السياسي فقد ملامحه، وفقد شرفه، وفقد ثوابته كلها وهو يتلون ويتلوى لاستدراج التدخل العسكري ابتداءً من رفع وتيرة الإرهاب في سيناء وصولاً إلى شراء وسرقة الأطفال الصغار من ملاجئ الأيتام واللقطاء لاستخدامهم في اعتصاماته ومسيراته الهزلية، بل لقد رأينا ما يفوق العجب في اعتصام رابعة العدوية، حيث يعتلي المنصة نساء سافرات بل مبالغات في السفور كن قبل أيام يوصفن بأفظع الأوصاف، وشباب يرطنون بلغات أجنبية كانوا قبل قليل يوصفون بالكفر أو التخنث!
كل ذلك من أجل إقناع الدول الكبرى بالتدخل، التدخل بأي شيء، بالضغط، بالمال، بالجيوش، فقد اعترف هذا الإسلام السياسي أخيراً أنه لا شيء على الإطلاق دون صانعيه ومستخدميه ومستثمريه!


ما هو الشيء المشترك بين الأنظمة التي أضاء فيها الربيع العربي فإنهارت بسرعة، أو مجموعات الإسلام السياسي التي حصلت على كل شيء قدم لها على طبق من فضة ولكنها سرعان ما انكشفن وانهارت؟
الشيء المشترك هو عدم أهلية القيادة، الهزال في نمط القيادة الموجودة، لأن هذه القيادة في الأنظمة المنهارة، وفي هياكل الإسلام السياسي المنهارة، جميعها تنتمي إلى زمن سابق ومعايير عفا عليها الزمن، وإلى نمط التلقي وليس الإبداع، إلى رؤية ما هو مترسب مسبقاً في الوعي وليس الواقع بتفاعلاته!


من كان يصدق أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر – وعمرها خمس وثمانون سنة – تفشل في حشد أقل من واحد على خمسين مما حشدته حركة تمرد بشبابها الذين لم يمارس أحدهم السياسة قبل أكثر من سنتين ونصف، والذين لم يكن معهم أموال تكفي لأن يدفع أعضاء القيادة، قيادة تمرد، ثمن مواصلاتهم، أو ثمن بعض التجهيزات الصغيرة في الميادين.
نمط القيادة في الأنظمة المنهارة، وفي جماعات الإسلام السياسي، هو أشبه بكائنات منقرضة، معها كل شيء المال والقدرة ولكنها لم تعد تنتمي إلى الزمن الذي تعيش فيه، هواجسها مختلفة، ومحفزاتها مختلفة، خلايا الاستجابة عندها ميتة، عندما تفهم الدعابة وتضحك عليها يكون الوقت قد فات وتحول المشهد إلى تراجيديا مفجعة!
أنماط قيادية تقرأ من نصوص قديمة بلغة لا يتحدث بها أحد.


ولعلنا نلاحظ أن الفترة الانتقالية في عصر ثورة الاتصالات تمر أمامنا بطيئة ومرتبكة بسبب أن نمط القيادة في المرحلة الانتقالية هو من أصحاب الأيدي المرتجفة، قيادة مثقلة بمحاولة إرضاء الجميع، إرضاء الخارج وإرضاء الداخل، إرضاء القتيل وإرضاء القاتل، إرضاء المجرم وإرضاء الضحية!


و لذلك تطول المرحلة الانتقالية، ويحدث فيها لغط كبير وارتباكات، ونتيجة لذلك يتضخم الوهم عند الإسلام السياسي، فهم يراهنون على عودة مرسي، وعلى عودة الجماعة، وعلى الحصول على الحصة والفرصة، ليس لأنهم يملكون أية عناصر تؤدي إلى ذلك، بل لأن القيادة التي أمامهم لم تتعلم فن الحسم، وقرارات الحسم، واعتقد أن هذه المعاناة هي التي تحتم انبثاق عصر نمط جديد من القيادة، ترى الواقع وترى تباشير المستقبل وتقدر الوقت حق تقدير.