الأردوغانية الاقتصادية ومؤشرات ركودها

الأردوغانية الاقتصادية ومؤشرات ركودها
الأردوغانية الاقتصادية ومؤشرات ركودها


أضحت فكرة إزالة حديقة "التقسيم" في اسطنبول واستبدالها ببناء مركز تجاري سببا مباشرا في اندلاع الأحداث والاحتجاجات الشعبية التي اتخذت فيما بعد أبعادا سياسية موجهة ضد "الأسلمة العامة" للبلاد ومشيدة بمبادئ زعيمها الروحي كمال أتاتورك الذي فرضت الحكومة التركية حظرا على تمجيد بتاريخه والتغني بأفطاره بعد أن ألغت هذه الحكومة ذات الخلفية الإسلامية قانونا كان يحدد سن تعليم القرآن والدين بسن الرابعة عشرة، فما هي حقيقة هذه الأحداث وهل للعوامل الاقتصادية دور فيها؟

بقلم: سامي إبراهيم

معجزات الاقتصاد التركي

لقد أظهر الاقتصاد التركي "معجزات" نمو كبيرة حتى أن بعض الخبراء الاقتصاديين اقترحوا ضم تركيا إلى منظمة دول بريكس. إذ أن وتائر نموها الاقتصادي أصبحت في السنوات الأخيرة إحدى أكبر وتائر نمو اقتصادي في العالم حيث ازداد الناتج الاجمالي المحلي بثلاثة أضعاف زيادة وتائر النمو في الاقتصاد الأمريكي وبخمسة أضعاف ثيله في الاتحاد الأوروبي وتضاعف خمس مرات على ما كان عليه قبل عشر سنوات ليصل إلى 1,300 ترليون دولار وارتفع متوسط دخل الفرد من 3950 دولارا إلى 17260 دولارا في السنة خلال الفترة المذكورة وانخفض التضخم من 73,2 بالمائة في مطلع 2002 إلى 6,5 في حزيران العام الجاري كما انخفضت نسبة البطالة في المجتمع التركي خلال السنوات السبعة الأخيرة من 28 بالمائة إلى 9,2 بالمائة في حزيران هذا العام وهي النسبة الأقل في أوروبا وحقق الاقتصاد التركي نجاحات باهرة في صادراته حيث ارتفع حجم الصادرات من 32 مليار دولار في العام 2002 إلى 156 مليار دولار في العام 2012 وتصبو تركيا إلى رفع متوسط دخل الفرد السنوي إلى 25 ألف دولار في العام 2025 وإلى زيادة صادراتها لتصل إلى حجم 500 مليار دولار بحلول هذا الموعد.

وكانت تركيا أجرت في العام 2005 تخفيضا لعملتها الوطنية ما أدى إلى تراكم في الاحتياطي الذهبي لديها وصل أرقاما قياسية تعدت حدود 123مليار دولار كما ارتفع مستوى السياحة وبلغ عدد السياح الوافدين إلى المنتجعات التركية بحدود 30 مليون سائح يجلبون إلى تركيا ما حجمه 30 مليار دولار سنويا وهذا يشكل نصف العائدات من قطاع الخدمات الذي وصلت نسبته في البنية الهيكلية للإقتصاد التركي إلى 58 بالمائة فيما لا يزيد حجم القطاع الزراعي عن 10 بالمائة وتشكل نسبة القطاع الصناعي 32 بالمائة من حجم الاقتصاد التركي. 

عوامل نمو الاقتصاد التركي

ويعتبر الموقع الجغرافي لتركيا حلقة استراتيجية لوصل الاقتصادات الآسيوية بالأوروبية ما يجعله المربع الخفي في نمو الاقتصاد التركي عبر عمليات التصدير وتوظيف الاستثمارات الأجنبية فيها، كما شكلت الأضطرابات في البلدان العربية عاملا منشطا للاقتصاد التركي وخففت من ضغوط المنافسة له وخصوصا في قطاع السياحة والصناعات التحويلية والخفيفة ولكن السر الأهم والأقوى في "الطفرة" الأردوغانية كان ومايزال يكمن في احتياجات الأسواق غير المشبعة في الدول الاشتراكية سابقا والتي تحيط بشمال تركيا من مشرقه إلى مغربه وفي مقدمتها السوق الروسية وأسواق جمهوريات رابطة الدول المستقلة بالإضافة إلى أسواق دول شرقي أوروبا في حين تساهم دول أوروبا الغربية بدعم الاقتصاد التركي عبر الاستثمارات وتشغيل رؤوس الأموال في قطاعه المصرفي. 

الجفاء الأوروبي

إن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سوف يساعد على زيادة دعم الاقتصاد التركي ولكن الحلم الذي يراود الأتراك في هذا الاتجاه منذ ستينيات القرن الماضي يصطدم في الواقع بمعارضة مستمرة من قبل كل من فرنسا وألمانيا الدولتين المالكتين لأكبر اقتصادين في الحلف الأوروبي بحجج حول عدم تنفيذ تركيا لشروط الانضمام لهذا الحلف والتي تزداد تعقيدا بفرض شروط إضافية بين الفينة والأخرى.

وتحدث المسؤولون الأوروبيون مؤخرا عن الاضطرابات التي جرت في المدن التركية وقدموا النصائح لقيادة البلاد بإجراء إصلاحات تفيد برفع المستوى الاقتصادي لها وقال وزير المالية الألماني إن تركيا ليست جزءا من أوروبا وأثار كلام اردوغان ليس غضب الأوروبيين فحسب بل وغضب الجماعات المدافعة عن حقوق المرأة ونواب المعارضة والإعلاميين وفتح الباب أمام مناقشات بين السياسييين والأطباء في تركيا عندما اعتبر عمليات الاجهاض في تركيا جريمة لا يمكن السكوت عليها ، كما وصف الولادة القيصرية بأنها مؤامرات سرية تستهدف وقف نمو الاقتصاد التركي علما بأن الاجهاض لحمل حتى الأسبوع العاشر هو قانوني في تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وجاءت العمليات الاحتجاجية في تركيا لتؤجل المباحثات الخاصة بمسائل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بينها وبين ألمانيا إلى الخريف المقبل بالرغم من أنها كانت محددة في حزيران الماضي ويبرر الأوروبيون موقفهم هذا بأنهم ملّوا من إطعام نصف أوروبا ولا يمكنهم تحمل من يشكل عبأ بالنسبة لهم ويتجلى الجفاء الأوروبي تجاه تركيا بأبشع صوره في الموقف الألماني المتزمت منها بالرغم من أن تركيا كانت على الدوام حليفا قويا لألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية وكشفت وثائق بريطانية رسمية عن عزم الزعيم الألماني هلموت كول بترحيل نصف عدد المهاجرين الأتراك من ألمانيا خلال أربع سنوات نظرا لعدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع الألماني وكونهم يحملون ثقافة مختلفة جدا ولا يندمجون في المجتمع بيسر أضف أن الاحتجاجات الشعبية في تركيا يمكن أن تتحول إلى ما يشبه الأحداث الجارية الآن في سورية ومصر.