من أطاح أحلام الإسلام السياسي؟ .. الكاتب /طلال عوكل

من أطاح أحلام الإسلام السياسي؟ .. الكاتب /طلال عوكل
من أطاح أحلام الإسلام السياسي؟ .. الكاتب /طلال عوكل

اذا كان "الربيع العربي" يشكل عنواناً ملتبساً لمرحلة في عمر الأمة العربية، تنطوي على أبعاد تاريخية من المتوقع أن تستغرق ردحاً طويلاً من الزمن، تتخللها اضطرابات داخلية وإقليمية شديدة، وتغييرات سياسية واجتماعية، وربما جيوسياسية، من غير الممكن تحديد مآلاتها النهائية، فإن ما جرى ويجري في مصر، يكشف طبيعة ومدى صلاحية القوى الفاعلة داخلياً، التي أنتجتها ظروف المرحلة الطويلة السابقة، فضلاً عن أن هذه المرحلة تتلازم مع تطورات دولية تتخذ بعض ملامح مرحلة الحرب الباردة.

لبعض الوقت، بدا وكأن التاريخ يمنح الإسلام السياسي فرصةً لتجريب منهاجيته في إدارة المجتمعات العربية، خاصةً بعد فشل القوى القومية والاشتراكية، وفشل الأنظمة المختلطة ذات الهوية غير الواضحة، التي تعتمد على أرجحية دور القطاع العام الحكومي مع مساحة أقل لدور القطاع الخاص.

كان نجاح جماعة الإخوان المسلمين في مصر قبل انهيارها، يشكل المؤشر الأبرز الطاغي على المشهد الذي أنتجه "الربيع العربي" خلال سنتيه الأوليين، وتتويجاً لفوز تيار الإسلام السياسي في المغرب وتونس وقطاع غزة والسودان، وإلى حد ما في ليبيا، وأن حظوظ هذا التيار صاعدة وواعدة في أكثر من بلد عربي.

وفي المقابل بدا التيار المدني بكل أطيافه ومسمياته متشرذماً ضعيفاً، لا يملك مشروعاً محدداً واضح المعالم، ولا يملك القوة المنظمة القادرة على صد تقدم تيار الإسلام السياسي. وفي حين لقي تيار الإسلام السياسي دعماً وقبولاً من لدن الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية عموماً، فإن التيار المدني فاقد لتحالفات دولية تسنده بقوة، وتساعد في تأهيله لخوض منافسة قوية وجدية مع الإسلام السياسي، في ظل انعدام الثقة بإمكانية التزام الحكام الجدد بالعملية السياسية الديمقراطية.

على أن ما وقع في مصر والتفاعلات القوية الجارية في كل البلدان التي فاز فيها الإسلام السياسي بالحكم، يشير إلى أن الكثيرين قد غيبوا من تحليلاتهم الحركة الجماهيرية، ومدى تمتعها بالوعي الكافي، والقوة الكافية، لقلب كل المعادلات التي تقوم على تقييم غير موضوعي لدعم وإمكانيات هذه الحركة.

كان أكثر من وقع في هذا الخطأ الجسيم، هم أصحاب تيار الإسلام السياسي، الذين اعتقدوا أن صناديق الاقتراع في المرة الأولى التي تجري فيها الانتخابات، ستوفر لهم الحصانة الكافية لضمان استقرارهم على سدة الحكم، خاصةً في ظل توفر الضمانات الإقليمية والدولية. إلا أن الحركة فاجأت الجميع وأرغمت كل الأطراف الداخلية والخارجية على إعادة النظر في مواقفها وأدوارها، بعد أن خرجت لمرتين متتاليتين خلال شهر واحد، في 30 يونيو و26 يوليو، بحجم يفوق كثيراً أعداد من شاركوا في الانتخابات ومنحوا الإسلاميين فرصة الفوز بالحكم.

ثلاثون مليون مصري في المرة الأولى ومثلهم في المرة الثانية، خرجوا إلى الشوارع في كل المحافظات المصرية، شكل خروجهم صدمةً ضخمة من غير المتوقع أن تستفيق منها قوى الإسلام السياسي، والقوى الدولية المناصرة لها. من كان له أن يتوقع خلال عام واحد فقط، أن ينضج الوعي الشعبي إلى الحد الذي يطيح، على النحو الذي جرى، بتجربة الإخوان المسلمين في الدولة العربية الأكبر والأقوى، ووطن القيادة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في العالم؟

في الواقع فإن الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، تشكل بداية واقعية للإطاحة بدور الإسلام السياسي في المنطقة بأسرها، بما في ذلك ربما تركيا التي شكلت مبكراً تجربة نموذجية لحكم الإسلام السياسي، وهي تجربة متقدمة بكل المقاييس عن طبيعة التجارب التي ظهرت من قبل تيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية.

من الواضح أن جماعة الإخوان في مصر لن تسلّم بالأمر، فما يصدر عنها من تصريحات وتهديدات وأعمال، يدل على أنها مستعدة لخوض الصراع بكافة الوسائل، بما في ذلك العنف، وأن مصر كنموذج ستشهد اضطرابات واسعة ومديدة لفترة طويلة مقبلة، وأن أثمان الاستقرار ستكون باهظة.

في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى ظاهرتين، الأولى على الصعيد العربي، حيث اصطفت قوى وأنظمة الإسلام السياسي خلف جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بينما سارعت دول وقوى أخرى هامة في المنطقة مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، إلى مد يد العون والتأييد للحركة الجماهيرية ورموزها التي أطاحت بحكم الرئيس المعزول محمد مرسي.

أما الظاهرة الثانية فتتمثل في التأييد السريع والقوي الذي أبدته كل من روسيا والصين للحركة الجماهيرية الصاعدة في مصر، الأمر الذي يشير إلى أن المنطقة العربية عادت لتكون ساحة صراع بين القوى الدولية الكبرى، كمؤشر على تغير طبيعة العلاقات وموازين القوى لصالح نظام عالمي متعدد الأقطاب، الأمر الذي يربك بشدة استراتيجيات ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين والدوليين، خصوصاً إسرائيل.

لقد أبدت روسيا استعدادها لتقديم كل مساعدة تطلبها القوى الثورية في مصر، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة أمام خيارات صعبة ومرتبكة، وفي الوقت ذاته يحد من استعدادات الأطراف الدولية للتدخل في الشأن الداخلي المصري لصالح جماعة الإخوان.

الولايات المتحدة تبدو في غاية الارتباك، نظراً للتحرك الدولي الداعم للقوى الثورية، وربما أكثر من ذلك، بسبب مواقف السعودية والإمارات والكويت، وقد تمثل هذا الارتباك على نحو واضح، من خلال امتناع الإدارة الأميركية عن وقف المساعدات التي تقدمها أميركا لمصر منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وفي سلوك مضاد بوقف تسليم مصر طائرات إف 16 التي كان مقرراً تزويدها بها.

الأميركان كما "الإخوان" وقعوا في "حيص بيص"، خصوصاً وأن الحركة الجماهيرية بقوتها قد أفقدت كل الأطراف المناوئة، الذرائع التي تبرر لها اتخاذ مواقف سلبية أو مواقف تبرر استخدام العنف. إن ما جرى ويجري في مصر، ينطوي على مفارقة تاريخية من الصعب تجاوزها، فلقد اتحدت غالبية القوى الشعبية مع الجيش والشرطة وأجهزة الأمن، والقوى الثورية، مما يشكل سداً منيعاً أمام كل من يحاول تحدي هذه الإرادة الجامعة، وبما يوفر لمصر الفرصة للتقدم نحو الانتقال بالدولة والمجتمع إلى مرحلة جديدة كلياً.

وبما أن مصر هي قاطرة الأمة العربية، فإن من المتوقع أن تشهد المرحلة القريبة المقبلة، تصاعد الحركات الجماهيرية في معظم البلدان التي فاز فيها الإسلام السياسي، للسير نحو مرحلة جديدة في عمر الأمة العربية.