الصورة واضحة -- بقلم: اسامة الفرا

الصورة واضحة -- بقلم: اسامة الفرا
الصورة واضحة -- بقلم: اسامة الفرا

شكلت القضية الفلسطينية على مدار العقود السابقة محور الحراك في منطقة الشرق الأوسط، سواء كان ذلك على المستوى الشعبي وحركة الشارع العربي، أو حتى ما يتعلق بمواقف الأنظمة الحاكمة مما يدور في المنطقة، لكن من الواضح أن الأمواج المتحركة في المنطقة العربية ليس لها علاقة هذه المرة بالقضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي تشهد فيه قضية فلسطين جمودا سياسياً، وتمددا استيطانيا يلتهم المزيد من الأراضي الفلسطينية، نرى أمواجاً عاتية تعصف بالعديد من دول المنطقة، حتى تلك الدول التي استطاعت أن تسقط أنظمتها الحاكمة لم يستقر الأمر بها، وما زالت الأمواج تتلاطم بمكوناتها لتلهب جبهتها الداخلية، دون أن يلوح في الأفق مستقر لها.

مساحة واسعة من العالم العربي تحولت إلى جبهة مشتعلة، ليس في مواجهة إسرائيل بل في مواجهة بعضهم البعض داخل الدولة الواحدة، والوطن العربي مرشح لمزيد من التفتت والانقسام، والانقسام السياسي الحاصل إن لم ينتج عنه انقسام جغرافي، فمن المؤكد أنه يستنزف قدرات وطاقات الشعوب العربية، لكن الشيء الذي لا يمكن تجاهله هو أن الصراع القائم في العديد من الدول العربية هو تناحر من أجل السلطة والنفوذ وكرسي الحكم.

الخطير أنه في خضم هذا التناحر برزت على السطح خلافات يحاول البعض إضفاء البعد الديني عليها، وتقسيم المجتمع العربي إلى فسطاطين «الإسلامي والليبرالي»، لكن الأخطر من ذلك هو تصاعد حدة الخلاف السني الشيعي، وباتت ملامح الصدام بينهما أقرب من أي وقت مضى، وشكل الصراع الداخلي في سوريا منبراً لتأجيجه، وطبيعي ألا تقتصر رقعته الجغرافية على سوريا، بل أن امتداده وبخاصة إلى لبنان سيكون أسرع من انتشار النار في الهشيم، إن العقد اللبناني، المشكل من طوائف عدة وبتركيبة غاية في الدقة، سيكون هو الضحية الأولى لهذا الصراع القادم.
نعم للمعسكر الشيعي الذي تقوده مطامع إيران في المنطقة، وإيران على مدار السنوات السابقة أنفقت الكثير لزيادة تغلغلها في المنطقة، ولكن هل يعني ذلك أن ندفع في اتجاه المواجهة؟، وهل تبدل معها ترتيب أعداء الأمة؟، ألم يعد العدو الإسرائيلي الجاثم على الأراضي الفلسطينية، المنتهك لحرماتنا ومقدساتنا، هو العدو الأول لنا؟.

هل أخطأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة حين أقدم على تدمير العراق؟، ألم يفتح الغرب بذلك البوابة على مصراعيها لزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة؟، كان لا بد من تدمير قوة العراق ووأد طموحاته في أن يكون قوة إقليمية في المنطقة، وبعد أن انتهى الغرب من تدمير قوة العراق وجاري العمل بمنهجية نحو تدمير قوة سوريا، مصر وقواتها المسلحة لن تكون بعيدة عن مؤامرة الغرب التي نسجتها بعناية فائقة، ولم تقم بتنفيذها بقدر ما أوكلت المهمة للعرب ذاتهم.

لسنا بحاجة للتدقيق ملياً لكشف ما يحيكه الغرب لنا، الصورة من أرض الواقع باتت واضحة الملامح، نزاعات داخلية دموية على السلطة والحكم، تتوج بصدام سني شيعي، للأسف أننا نندفع بسرعة فائقة إلى المسار الذي حدده الغرب لنا، وطالما أن العرب تم اقتيادهم إلى ذلك وقبلوا به فمن حق إسرائيل أن تتغطرس، حيث سيكون لديها الوقت الكاف لوأد حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، فإلى أن يفيق العرب من غفوتهم «هذا إن فاقوا» ستكون حكومة الاحتلال قد أكملت ابتلاعها للأراضي الفلسطينية، وسيكون العرب جثة أثخنتها الجراح.