وداعاً للاعتدال والوسطية بقلم د. شملان يوسف العيسى

وداعاً للاعتدال والوسطية  بقلم د. شملان يوسف العيسى
وداعاً للاعتدال والوسطية بقلم د. شملان يوسف العيسى

وداعاً للاعتدال والوسطية

بقلم د. شملان يوسف العيسى

بعد مرور أكثر من سنتين على نجاح الثورة في تونس، بدا أن الطابع المدني المسالم للمجتمع التونسي بدأ يتصدع وينهار، فبناء الديمقراطية الحقيقية التي كان يحلم بها ثوار تونس، والتي ترتكز على مشاركة كل أطياف وقوى المجتمع المدني، لم يتحقق. فالثقافة السياسية التي يجب أن تتمتع بها النخبة السياسية الحاكمة، لم تتبلور، وجوهر ما تعاني منه تونس ودول «الربيع العربي» هو تحكم ثقافة الاستبداد في عقول المجتمع وأفراده وأحزابه السياسية.

لماذا تفجر الخلاف بين «حزب النهضة» التونسي الحاكم و«أنصار الشريعة» من السلفيين؟ ولماذا بدأت الخلافات والانشقاقات بين رفاق الأمس؟ ولماذا أصبحوا أعداء اليوم؟

يكمن الجواب في حقيقة أن أحزاب الإسلام السياسي لا تؤمن أصلاً بالديمقراطية... فهم يرفعون شعاراتها ويتاجرون بها لخداع الناس وللوصول إلى السلطة، والدليل على ذلك أن هذه الجماعات لم تنتج ديمقراطية حقيقية، فهم فشلوا في كل البلاد التي يحكمونها، فتفرد الأحزاب الشيعية الطائفية في كل من إيران والعراق أجهض كل المحاولات لترسيخ الديمقراطية تحت الإسلام السياسي الشيعي، وينطبق الكلام نفسه على الإسلام السياسي السني، وبخاصة «الإخوان المسلمون» الذين حكموا السودان لفترة طويلة أدت في النهاية لتمزق هذا البلد، الغني بثرواته والفقير بإدارته السياسية، إلى بلدين، والآن نشهد الخلافات بين «الإخوان» والسلفيين في كل من مصر وتونس. فلماذا فشلت الجماعات الإسلامية في إدارة الدولة؟ الجواب بسيط ومعقد في نفس الوقت، فهؤلاء لا يملكون مشروع دولة مدنية قانونية تحمل مشروعاً حضارياً للتنمية والإصلاح والحداثة.

وما يحصل اليوم في تونس ليس خلافاً حول الدين بل هو خلاف حول السلطة، فرئيس الوزراء علي العريض المنتمي إلى «حزب النهضة» الحاكم (إخوان مسلمون)، يعلن بأن تونس التي نريدها إنسانية مدنية ديمقراطية تعددية حامية للحقوق والحريات والإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها... لكن هذه الشعارات المدنية لم تنطل على شركائهم السلفيين، والذين يتساءلون: كيف يحكم حزب إسلامي التونسيين دون أن يعتمد على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع؟ هذا بينما بعض الشباب التونسي ينخرط في العمل الجهادي في مناطق عديدة، حيث يقدر عدد الجهاديين التوانسة بأكثر من 1،250 جهادياً يقاتلون في سوريا والعراق وبعض الدول الأفريقية!

يبدو أن دول «الربيع العربي» التي أوصلت الإسلام السياسي للسلطة لن تنعم بالأمن والاستقرار لأن لغة الحوار والوسطية والاعتدال التي طرحها الإسلام السياسي قبل الثورة تراجع عنها الآن، والدليل على ذلك الصراع الدائر بين الإسلاميين أنفسهم، ومن المتوقع أن يستمر الخلاف بينهم. كما أن البنية الاجتماعية السياسية لم تتغير، فهي لا تزال تحتضن في صيغتها التقليدية القديمة نفس الثقافة الدينية والقبلية، وهو ما برز في الانتخابات الأخيرة في كل من مصر وتونس، ويعني ذلك أن المجتمعات العربية لا تزال تفضل الأصولية الدينية على الديمقراطية والتعددية والحداثة.

إن جوهر ما تعانيه الدول العربية كلها، حكاماً ومحكومين، هو غياب الثقافة السياسية الديمقراطية، إذ لا تزال ثقافة الاستبداد ورفض الآخر هي النمط السائد في حياة هذه الدول. فالأنظمة الاستبدادية العربية قد رحلت، لكن بقي تخلف المجتمعات العربية، إذ لا تزال المؤسسات التقليدية الاستبدادية وثقافتها مستمرة، والمقصود بالمؤسسات التقليدية الأسرة والقبيلة والمدرسة والدولة. فهل تغييرها أمر سهل؟