هل تتخيل؟ بقلم د. خليفة علي السويدي

هل تتخيل؟  بقلم د. خليفة علي السويدي
هل تتخيل؟ بقلم د. خليفة علي السويدي

هل تتخيل؟ بقلم د. خليفة علي السويدي

تعد القدرة على التخيل من السمات اللازمة اليوم للأذكياء كي يتمكنوا من استشراف المستقبل الذي ينتظرهم على الصعيد الشخصي أو العام. لكن هذه القدرة تتأثر بعوامل كثيرة من أهمها الخبرات السابقة التي مررت بها أو المعلومات التي تحملها حول قضية ما.

لو أن شخصاً على سبيل المثال شحن فكر إنسان بطريقة سلبية عن الحياة الزوجية، فإن هذه المعلومات ستؤثر سلباً على توقعاته وتخيلاته عن هذه القضية المصيرية في الحياة الشخصية، الأمر كذلك في الشأن العام، فلو أن فرداً عاش وسط جماعة مغلقة شحنته بطريقة أو أخرى بأفكار متطرفة، فإن هذا الأمر سيتحكم في تصوراته وتخيلاته للحياة التي يتوقعها، كما أن أحكامه حول المتغيرات من حوله ستتأثر بما تم برمجته عليه.

في محاضرة شهدتها مؤخراً للدكتور «ديفيد آرمسترونج» أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اكستر البريطانية قال عن نتائج لجنة التحقيق التي كلفتها الحكومة البريطانية للبحث عن أسباب فشل المملكة المتحدة في توقع قيام الثورة الإيرانية على الشاه، خلصت اللجنة إلى أن سبب الفشل يتلخص في أن السفارة البريطانية هناك لم تكن تدرس الشعب الإيراني بمقدار ما كان يهمها مشتريات السلاح البريطاني، التي كان الشاه يقوم بها، لكن السفير البريطاني في إيران وقتها قال إن السبب يتلخص في أننا لم نكن نتخيل إيراناً دون الشاه.

علق على ذلك د. آرمسترونج بقوله : كما أن الأوروبيين والأميركان لم يكونوا ليتخيلوا دولة تونس دون بن على، أو مصر دون مبارك .

التخيل والتصور للمستقبل أمر في غاية الأهمية اليوم لما تمر به العلاقات الدولية من متغيرات كي تتمكن الدول من رسم خريطة علاقات صحيحة فيما بينها، فبعد انتهاء الحرب الباردة بين الأقطاب الدولية أصبح الحاكم الناجح ليس من يسوس شعبه فقط، لكن الحكومات الجديدة تنجح إنْ تمكنت من بناء جسور من العلاقات مع العالم بكل تناقضاته. وهذا ما تحاول اليوم الجماعات الإسلامية أن تسوق نفسها به، فرغم كل كتاباتها عن الجهاد وعدم الاعتراف بالآخر من جهة نظرية، فإنها وبمجرد وصولها للحكم، بل حتى في صلاتها السابقة مع قوى العالم المؤثرة ووكالات الاستخبارات العالمية، نقلت تصوراً مستقبلياً عنهم يتلخص في أنهم يقبلون التعايش مع الآخر حتى من خالفهم في الرأي والفكر، وقد تقدموا بضمانات للسلام مع إسرائيل وضمان مصادر الطاقة، إضافة إلى حرية الإنسان في العقيدة والعبادة والقرار، هذه العهود كانت لازمة لهذه الجماعات لتسويق نفسها كبديل عن الحكومات التقليدية التي كانت قائمة.

فشل حكومة «طالبان» في أفغانستان، والحرب التي خاضها العالم ضد الإرهاب حول تصورات الجماعات الإسلامية من الفاشية إلى البراجماتية، ومكنهم من جعل العالم يتصورهم في حلة النموذج الإسلامي التركي الذي نجح في علاقاته مع الآخر، فأصبح المفكر الغربي وصانع القرار الأميركي يتخيل النموذج التركي في مصر وتونس وعند الشعب الليبي أو اليمني.

فهل هذا التصور في محله، أم أنه قياس مع الفارق، لأن الفكر الإسلامي العربي متأخر بمراحل عن الفكر التركي الذي تم صقله في عقدين من الزمن تحت مظلة الحكم العسكري الناعم مرة والقاسي في مرات كثيرة؟

وهل تصدق تصورات فشل الحكومات العربية الجديدة، وأن البديل هو حكم عسكري يعيد للدولة العربية هيبتها؟ أسئلة أود أن تتخيل الإجابة عنها.