مبادرة كسر الجمود .. وكلام في الصميم -- بقلم : راتب عمرو

مبادرة كسر الجمود .. وكلام في الصميم -- بقلم : راتب عمرو
مبادرة كسر الجمود .. وكلام في الصميم -- بقلم : راتب عمرو

اللقاء الذي تم مؤخراً على الشاطئ الأردني من البحر الميت والذي جمع نخبة من رجال أعمال وأكادميين فلسطينيين وأسرائيليين على هامش المؤتمر الأقتصادي العالمي " دافوس " جاء ليضع القيادتين الفلسطينية والأسرائيلية أمام مسؤولياتها التاريخية بعد أن وصلت الأمور الى أدنى سقف في تاريخ القضية الفلسطينية منذ أن كانت .

هذا اللقاء الذي تم ترتيبه والدعوة اليه فلسطينياً من قبل رجل الأعمال الفلسطيني المعروف " منيب المصري "، المعروف بأستقلاليته وحرصه الشديد على المصلحة الفلسطينية والتزامه بالثوابت الوطنية الفلسطينية ، هذا اللقاء لم يكن لقاءً عبثياً ولا هامشياً بل كان لقاءً يهدف أكثر ما يهدف الى إيصال الصوت الفلسطيني المستقل وصاحب رأس المال بأن الوضع الفلسطيني جراء التعنت الأسرائيلي قد وصل الى وضع لا يُطاق ولا يمكن السكوت عليه ، في رسالة التقطها العديد من الشخصيات الأقتصادية والسياسية والفكرية العالمية المشاركة في مؤتمر " دافوس " الأقتصادي بأعتباره المؤتمر الأبرز عالميا .

ولعل ما دفعني الى الكتابة عن هذا الأمر وأنا أحد المشاركين في هذا اللقاء التاريخي الهام ، ما تردد من أحاديت ولقاءات صحفية وتلفزيزنية خلال الأيام القليلة الماضية من قبل شخصيات فلسطينية لها باع طويل في العمل الوطني والحرص على الثوابت الفلسطينية ، لكن الللافت في تصريحات بعض الأخوة والأصدقاء أنه سادها نوع من التشكيك في تلك المبادرة الفلسطينية رغم أن معالمها الواضحة لم تتضح بعد حيث سيكون هنالك العديد من اللقاءات التشاورية لبلورتها ، والتي تأتي هذه المرة من مستقليين فلسطينيين من الداخل والخارج لا تربطهم بأي من التنظيمات والمنظمات الفلسطينية اية علاقة تنظيمية او أيدولوجية ، وهم جميعاً مميزون في فلسطينيتهم وولاءهم لفلسطين وفي تفوقهم ونجاحهم سواء من كان منهم إقتصادياُ سياسيا مهنياً أكاديمياً اومن منظمات المجتمع المدني ، بعد أن إرتأى هؤلاء ان يتحدثوا بصوت مرتفع في أعقاب صمت دام طويلاً .

ويبدو أن الأخوة والأصدقاء المشككين وجدوا في هذه المبادرة تعديا وتجاوزاً مرجعياً بأعتبارهم يملكون ناصية إحتكار القضية الفلسطينية ، وأنه لا يحق لأي كان وتحديداً ممن يُغرّدون خارج سرب المنظمات الفلسطينية بالحديت بأسم القضية التي تم إحتكارها لسنوات طوال ، وبغض النظر عن النجاح او الفشل الذي وصلت الية تلك القضية،إلا أن هذه المبادره تأتي في وقت نحن كفلسطينيين جميعاً أحوج ما نكون لها بعد سنوات عجاف من المد والجزر، حتى وصلت الى هذا الطريق المسدود الذي وصلت اليه ، الأمر الذي استدعى هذا التحرك من خلال هذه المبادرة المتواضعة للضغط على أطراف العلاقة من الجانبين الفلسطيني والأسرائيلي دونما تفريط بالثوابت الفلسطينية ، خاصة وأن المبادرة تطالب تلك الأطراف بالعودة الى طاولة المفاوضات على أساس حل الدولتين ، وحدود الرابع من حزيران عام 1967، وعل أساس أن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، والتأكيد على المبادرة العربية التي وافقت عليها وتبنتها القيادة الفلسطينية .

ثم أن الرئيس "عباس" بارك هذه المبادرة أمام حشد من رجال الأقتصاد والسياسة على شاطئ البحر الميت ، ولو كان لديه أدنى تحفّظ لَما ذهب الى هناك وتحدث على الهواء مباشرة وكرر نفس الثوابت الفلسطينية التي طرحتها المبادرة وأثنى عليها وعلى جهود القائمين عليها والتي ما كانت لتزيح قيد أُنملة عن تلك الثوابت التي التزم بها الرئيس" عباس " وألتزم بها الرئيس الراحل " ياسر عرفات" ، وألتزمت بها منظمة التحرير الفلسطيني التزاما دفع هؤلاء الى السير قدماً في هذه الخطوة الخلاقة ، ولكن الرئيس كان أكثر وضوحاً وصراحةً عندما أكد على رفضه للحلول المبنية على الحدود المؤقتة من موقع الأقدرعلى التأكيد عليها والتشبث بها ، وقد لاقى حضوره الى البحر الميت كل التقدير والأحترام من قبل جميع المشاركين من شتى أنحاء المعمورة عندما تحدث مباشرة وأمام هذا الجمع الفلسطيني والعربي والأسرائيلي والدولي بوضوحه وصراحتة المعروفة .

صحيح أن الرئيس " عباس " هو رئيس لحركة فتح ورئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ولكنه قبل هذا وذاك رئيس دولة فلسطين ورئيس الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية وشرائحه الأجتماعية ، كما أن دولة فلسطين هي حاضنة سياسية وأقتصادية وإجتماعية لجميع أبناءها في كافة أماكن تواجدهم ولم تكن في أي يوم من الأيام ولن تكون حكراً على فريق أو مجموعة دون غيرها .

كما أن أصحاب المبادرة إجتهدوا فوجدوا أن بأمكانهم التحدث مع الأميركيين والأسرائليين والأوروبيين دون أن يكون لهم أي صفة رسمية فلسطينية حتى لا يُقال أن تلك المحاولة صدرت عن هذا التنظيم او ذاك ، وحتى لا يُقال ( بل أنه قيل ) أن هذه المبادرة هي محاولة للضغط على القيادة الفلسطينية لأضعاف موقفها قبيل العودة الى طاولة المفاوضات ، علماً أن ما طرحتة المبادرة الفلسطينية لا يتعارض إطلاقا مع ما تطرحه القيادة الفلسطينية ، بل بالعكس فقد طرح هؤلاء سقوفاً أعلى مما تطرحه القيادة ليكون أمامها مساحة أكبر من المناورة .

ثم من قال أن هؤلاء ذهبوا الى البحر الميت للتفاوض مع الأسرائليين ، فهم لا يمثلون منظمة التحرير الفلسطينية التي فاوضت الأسرائليين منذ مدريد ، وكل ما في الأمر أن ما جرى يجري نفسه في كل يوم وفي كل مكان بين الفلسطينيين والأسرائيليين وبحضور الأميركيين والأوروبيين من خلال المؤتمرات المحلية والدولية التي درجت العديد من الفعاليات الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني على عقدها او المشاركة فيها على مدى السنوات الماضية ، ويتم طرح المبادرات والأفكار دون أن نسمع ولو كلمة واحدة عن التشكيك والتطبيع ، بل أكثر من ذلك بكثير فلم نسمع انهم ضغطوا على القيادة الفلسطينية وعملوا على إضعافها .

ومن قال كذلك أن رئيس الوزراء الأسرائيلي " ناتنياهو " وبمجرد سماعه لرئيس الوفد الأسرائيلي ورجل الأعمال " يوسي فاردي" والسيد "منيب المصري "يتحدثان بألم وحرقة عمّا الم بالوضع الفلسطيني والأسرائيلي من عثرات إقتصادية وسياسية ، بأنه سيأمر على الفور بتلبية جميع المطالب والشروط الفلسطينية ، فنحن جميعاً ندرك أن ذلك لن يحدث وأن المفاوضات إذا ما بدأت فأنها لن تكون نتائجها كما أردناها أو نريدها، لأن إسرائيل دخلت عيونها فينا نحن معشر الفلسطينيين وفي أبناء يعرب جميعاً ، وكل ما في الأمر أنها محاولة لفضح الممارسات الأسرائيلية وكشف المستور منها أمام حشد من ألاف الأقتصاديين والعلماء وغيرهم اللذين التقوا في مؤتمر " دافوس " وهذا ما حدث فعلا بنجاح .

لقد إختلفنا كثيراً على العديد من القضايا منذ أن كانت القضية الفلسطينية ولا زلنا كذلك ، والأصل هنا أن الخلاف في الرأي لا يُفّسد في الود قضية ، إلا أن ما نسمعه هذه الأيام يؤشر الى غير ذلك ، فكانت النتيجة أن وصلنا الى ما نحن عليه من أوضاع لا تسرُّ الصديق ، فقد آن الأوان أن نتقبل الرأي والرأي الأخر وأن نسمع الصوت والصوت الأخر ، ودعونا نبتعد ولو تدريجاً عن كلمات التشكيك والتخوين ، بعد أن إعتدنا على سماع هذه العبارات منذ سنوات، ودعونا نتقبل محاولات أولئك اللذين صمتوا طويلا لكنهم لم يشككوا ولم يخوّنوا أحداً رغم الكثير من التحفظات والملاحظات ، لأن فلسطين ومنذ أن كانت لم ولن تكون حكراً على تنظيم أو حزب بعينه ، كما انها ما كانت ولن تكون بقرة حلوب يشرب من حليبها البعض بينما الأغلبية الصامتة تتفرج وتصفق للنجاح والفشل وللأنتصارات والهزائم قبل أن تصفق للدولة الفلسطينية رغم تواضعها ، فنحن أبناء فلسطين عشنا ايامها الصعبة ولياليها العجاف بكامل تفاصيلها ومرارتها وقساوتها منذ أيام النكبة مرورا ً بالنكسة وما بينهما وما بعدهما من مأسي وويلات ، ونحن أصوات مستقلة لا يمكن لنا أن نرى ونسمع دون أن نقول رأينا بالفم المملوء بالحزن والأسى وبالصوت المرتفع ، لأن فلسطين تستحق منا جميعا أن نصرخ من أجلها وأن نتحرك في سبيلها ، حتى لا نجد أنفسنا وقد غرقنا في دهاليز السياسة المتعثرة ومستنقعات الفوضى الخلاقة التي فرضها علينا الربيع العربي الجائر .

بقي أن نقول أن المطلوب في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شعبنا الفلسطيني أن نقف في وجه كل المحاولات الهادفة الى تجويع شعبنا في قطاع غزة المحاصر، ولنجّمع أنفسنا ونلمّلم قوانا وجهودنا من أجل إنهاء الأنقسام بين حركتي " فتح " " وحماس" لأعادة اللحمة بين شقي الوطن ونرصّ صفوفنا مع أهلنا وأحبتنا ابناء قطاع غزة الحبيب من أجل فلسطين فهي تستحق منا اكثر بكثير من الخلافات والمناكفات والقيل والقال وكيّل التهم ورفع الشعارات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع.