المسارات المجهولة بقلم : عبدالزهرة الركابي

المسارات المجهولة  بقلم : عبدالزهرة الركابي
المسارات المجهولة بقلم : عبدالزهرة الركابي

المسارات المجهولة

بقلم : عبدالزهرة الركابي

لا مناص من القول، إن المنطقة بحوادثها المشتعلة وتداعياتها المعطلة لجوانب عدة على مختلف الصعد، بات من الصعب تحديد مساراتها على المدى الاستراتيجي بل وعلى المدى المنظور، بعدما تفاقمت الأحداث في أكثر من بلد، الأمر الذي يجعل المراقبين في هذه المرحلة، يدلون بانطباعات مشوبة بالتشاؤم والإحباط، خصوصاً أن المسارات في هذا الوقت، راحت تتجه الى أفق مجهول .

وأخطر هذه المسارات، هي التي تتعلق بالصعيد الداخلي، من حيث اشتداد الصراع السياسي بين القوى الحاكمة والقوى المعارضة، الى حد ساده الاضطراب أمنياً وسياسياً واقتصادياً، في حين امتد هذا الإضطراب الى أسلوب التعامل في العلاقات الخارجية، وفي هذا الجانب، نستطيع القول إن النظم التي وصلت إلى الحكم في أعقاب ثورات وأحداث ما يسمى “الربيع العربي)، بدت علاقاتها الخارجية أو على الصعيد الدبلوماسي، متوترة ومأزومة وفاترة مع أكثر من دولة

ولو أخذنا جوانب الصراع، نرى أن هذا الصراع المعهود، الصراع العربي “الإسرائيلي” انتقل الى صراع داخلي وفي البلد العربي الواحد، وتنّوع هذا الصراع الداخلي، وأخذ ينزلق الى منعرجات طائفية ودينية ومناطقية وانفصالية وإرهابية وكذلك سياسية، بيد أن الهم الأكبر في هذا الصراع ولا نقول هذا الانزلاق، هو في عدم قيام السياسات في المنطقة، بمحاولات جدية ومؤثرة، من خلال إيقاف المسارات التي لا يعرف المراقبون آفاقها واتجاهاتها في هذا الوقت، بقدر ما يراها هؤلاء تتجه الى المجهول، وربما تنحدر الى اتجاهات ضارة ومؤذية على صعيد العمل العربي المشترك مستقبلاً وحتى على صعيد العلاقات الثنائية، وإن كان هذا العمل في حال لا يُحسد عليه .

 

ولو استقرأنا الفترة الوجيزة من حكم الإسلاميين في أكثر من بلد في المنطقة تبعاً لما يراه المحللون، فحتى الآن لا يوفر أداء الإسلاميين في الحكم إمكانية لترجيح أي احتمال، لكن المؤكد أن وجودهم على رأس السلطة سيكون له تبعات هائلة على المشهد الإقليمي، وقد نكون إزاء حقبة من المغامرات الجديدة التي تستمر لفترة مديدة تترك بصماتها على المنطقة دولاً ومجتمعات .

إن حلول أيديولوجيا إسلاموية في الحكم واستمرارها سوف يترك آثاره على المشهد الداخلي والإقليمي بشكل كبير وعلى التفاعلات الدولية للإقليم العربي . فعلى المستوى الداخلي فإن حلول الأيديولوجيا الإسلامية سيدخل دول المنطقة في حقبة من الصراعات الداخلية الجديدة حتى تستقر تركيبة الحكم، ليس فقط مع الطوائف المجتمعية مختلفة الديانة، ولكن أيضاً مع التيارات الليبرالية والقومية واليسارية، وهو أمر يبدو أنه لن يجري حسمه سريعاً، وأنه من الصعب التوصل إلى توافقات داخلية بشأنه، ويعني ذلك أن مزيداً من الدول العربية ستكون عرضة لمرحلة من عدم الاستقرار على نحو يهدد بمزيد من التراجع وبطول حقبة اللانظام في الإقليم العربي، وإلى ما يشبه القلاقل والفوضى وتردي الأمن .

بموازاة الصراعات النظامية المحتملة التي تطرحها حقبة الحكم الإسلاموي الأيديولوجي على النظام العربي، تشير بعض المؤشرات على الصعيد المجتمعي، إلى احتمالات دخول النظام العربي حقبة من الصراعات غير النظامية، وعلى مستوى أدنى من الدولة بين فاعلين وشبكات إقليمية إسلاموية وامتداداتها الشبكية عبر الإقليم، وهو أمر طرحت الأزمة السورية مقدمات له ومؤشرات عليه، حيث تجري ممارسات “جهادية” تشير إلى تبلور نمط جهادي جديد هو “الجهاد المذهبي”، كنمط جديد من الجهاد القائم على أساس المذهب، فهو ليس جهاداً إسلامياً ضد دولة غازية على نحو ما جرى في أفغانستان في السبعينات والثمانينات، وإنما جهاد لأجل حماية أهل المذهب من أنصار وجهاديي المذهب الآخر، الأمر الذي يشير الى إرهاصات وملامح تحوّل استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، عنوانه العريض “بداية معركة الاستقطاب المذهبي الإقليمي المسلح”، الذي يشكل بداية حقبة من الصراعات بين القوى الأدنى من الدولة -  والعابرة للدول - التي تحارب بالوكالة عن الدول .

لهذا، فإن كل هذه الأحداث وما أنتجته وما خلفته وبلورته من مسارات هوجاء، لا تحجب بعض استنتاجات المحللين، حيث يمكن القول، إن المشهد العربي سيبقى خلال عام 2013 امتداداً لمرحلة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في بلدان ما يسمى “الربيع العربي”، وقد يكون العام الحالي هو عام الحسم بشكل أو آخر للأزمة السورية، فرغم تواتر التقديرات الغربية بشكل خاص عن قرب انهيار نظام الحكم في سوريا، فإن المعطيات الميدانية لا تشير بأي شكل من الأشكال إلى هذا التنبؤ المتعجل، رغم أن الأزمة الاقتصادية أصبحت أكثر ألماً، لكن استمرار الجيش على موقفه سيُبقي النظام قادراً على الصمود، إذ إن كل التحولات التي جرت في الدول العربية خلال أعوام 2011 -2012 كانت المؤسسة العسكرية هي العامل الحاسم في ترجيح كفة المتصارعين .