اعتذار كاذب ومخادع كما الطبيعة اليهودية ... مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

اعتذار كاذب ومخادع كما الطبيعة اليهودية ... مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية
اعتذار كاذب ومخادع كما الطبيعة اليهودية ... مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

اعتذار كاذب ومخادع كما الطبيعة اليهودية

مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

حكومة الاحتلال ظلت تمانع الشرط التركي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية؛ المتمثل في اعتذار علني للشعب والأمة التركية عن المجزرة التي ارتكبتها اسرائيل بحق أسطول الحرية قبالة شواطئ غزة، والتي أدت الى مقتل تسعة مواطنين أتراك. جرت مباحثات سرية لتسوية الخلاف كلها تعثرت أمام الموقف الاسرائيلي الرافض بصرامة لموضوع الاعتذار؛ وبالذات من قبل كل من رئيس وزراء الاحتلال، ووزير خارجيته ليبرمان، ووزير الدفاع الحالي موشي يعلون، واعتبرت اسرائيل ذلك "مساً بكرامتها الوطنية واستسلاماً - لما وصفته - بالإرهاب".

فجأة وبدون مقدمات؛ تخلت اسرائيل عن نظرتها الاستعلائية في التعامل مع تركيا، وبدون نقاشات سياسية أو قانونية؛ انقلب الموقف الاسرائيلي رأساً على عقب حين اتصل رئيس وزراء الاحتلال برئيس الحكومة التركية وقدم اعتذاراً رسمياً، ووافق على تعويض الضحايا، والمباشرة في رفع أو تخفيف الحصار عن غزة. في السياسة لا ثبات في المواقف ولا مكان للمبادئ، فكل شيء يمكن أن يتغير وفقاً لما تقتضيه المصالح، فالتراجع الاسرائيلي خطوة تنطوي على دلالات هامة؛ سيما أنه جاء لحكومة أنقرة - حزب الحرية والعدالة - الذي لا ينظر إليه الاسرائيليون بارتياح، ودأبت وسائل اعلامهم على التشهير به، وتخويف الغرب من أيديولوجيته، ووصفها بأنها عثمانية جديدة تطمح الى توسيع دوائر نفوذ تركيا الى مناطق كانت جزءاً من تركيا القديمة، فضلاً عن البغض والكراهية الشديدة التي تطفح بها الصحافة الاسرائيلية لزعيم الحزب رجب طيب أردوغان، ولا تتوقف عن التنديد به وآخرها تصريحاته المتعلقة بالصهيونية على أنها جريمة ضد الانسانية، ويتابعون سياساته في المنطقة بقلق كبير. لكن المصلحة القومية الاسرائيلية اقتضت ابتلاع الضفدع، فالوضع في الشرق الاوسط وموجة عدم الاستقرار الاقليمي سيما في سوريا - بحسب الصحفي دوري غولد من صحيفة اسرائيل اليوم - أوجد أساساً لسعي الطرفين الى هذه المصالحة.

المحلل الاسرائيلي دان مرغليت من صحيفة "اسرائيل اليوم" يشير إلى ما يجمع تركيا - أردوغان بـ اسرائيل - نتنياهو رغم هوة الخلاف الأيدلوجي، ويفسر الأمور على النحو التالي: "أردوغان ظل يرى في الأسد عميلاً إيرانياً يجب ضعضعته كجزء من المواجهة بين أنقرة وطهران على الهيمنة في الشرق الأوسط، اسرائيل من جانبها لا تعرف ما هي الامكانية الأقل سوءاً بين الامكانيتين: فمن جهة حكم الأسد، عميل ايراني يؤدي دوراً في تعزيز حزب الله، ومن جهة أخرى فإن الحكم في دمشق يحرص على وقف النار مع اسرائيل منذ حزيران 1974، وهذا أمر لا يستهان به، فما الاسوأ؟ اذ ان الفرضية أن نظام الأسد سيسقط. الولايات المتحدة، الدول الاوروبية قلقة من علاقة الأسد مع ايران"، ويضيف: "واشنطن، اسرائيل، أنقرة علقت في أزمة، هذه الأزمة هي أساس للفهم الذي تحقق بين أردوغان ونتنياهو"، ويختم مقالته بالقول "غير انه بدأت تظهر مؤشرات مقلقة، لقد بدأ أردوغان يدعي بأن تنفيذ دوره في الالتزامات منوط بخطوات اسرائيلية، وعلى حد قوله تعهدت اسرائيل بأن تلغي او تقلص الحصار على غزة".

ينبغي أيضاً ملاحظة المرونة التي أبداها الاتراك في قبول الاعتذار، والسبب في تقدير الكثيرون عائد أيضاً الى قلق تركيا من تردي الوضع في سوريا وانعكاساتها المستقبلية مما دفعها الى القبول بصفقة "المصالح المشتركة"، فشروط المصالحة حسب صحيفة يديعوت كانت أشد ملاءمة لمواقف اسرائيل منها لمواقف تركيا، فرئيس وزراء اسرائيل لم ينشر اعتذاراً مكتوباً، ولم يقف امام عدسات التصوير؛ بل أجرى مكالمة هاتفية وسرية، وفي مقابل ذلك وافق الأتراك على الغاء الدعاوي القضائية على جنود الجيش  الاسرائيلي وعلى تطبيع العلاقات، وتخلوا عن طلبهم اسقاط الحصار عن غزة مقابل وعد غامض بـ "تسهيلات انسانية" ستمنح أو لا تمنح حسب تقديرات اسرائيل.

صحيفة "زمان" التركية الاسلامية الصادرة في 25 مارس الحالي كتبت "ان الحكومة التركية لا تجد فائدة في وضع مواجهة دائمة مع اسرائيل، وان الأحداث في سوريا وفي العراق ومع الأكراد أجبرت تركيا على أن تفتح على الأقل قنوات تشاور مع اسرائيل".

وبحسب الصحفي افيعاد كلاينبرغ من "يديعوت" فإن الأتراك قبلوا الموقف الاسرائيلي كاملاً "ان انهيار سوريا يضعف ايران، ويمكن الأتراك من التفكير بمفاهيم الهيمنة، ويمكن لإسرائيل التي لا يحبها أردوغان أن تساعد على ذلك".

رئيس وزراء الاحتلال كان أكثر وضوحاً في تبريره لمقتضيات الاعتذار بالقول "ان تفاقم الأوضاع في سورية شكلت دافعاً رئيسياً لاعتذار اسرائيل لتركيا، وان زيارة الرئيس الأمريكي أوباما ووزير خارجيته جون كيري الى اسرائيل شكلت فرصة سياسية لإنهاء الأزمة"، وأوضح: "ان الواقع المتغير من حول اسرائيل يحتم باستمرار بإعادة النظر بعلاقاتها مع دول المنطقة، وان تفاقم الأزمة في سورية كان دافعاً رئيسياً لإعادة العلاقات مع تركيا"، مضيفاً: "ان سوريا تتفكك وترسانة الأسلحة المتطورة العملاقة المتواجدة فيها باتت تقع بأيدي عناصر مختلفة، ومن المهم أن تركيا وإسرائيل اللتان تشاركان حدوداً مع سوريا تستطيعان التواصل مع بعضهما البعض، وهذا الأمر مرغوب به أيضاً ازاء تحديات كبيرة".

المحلل الاسرائيلي المعروف البرفسور إيال زيسر يعزز ما ذهب اليه نتنياهو في مقال له في "اسرائيل اليوم" تحت عنوان "تركيا.. المصالح حسمت الأمر"، فكتب يقول: "دُرة التاج في تطبيع العلاقات بين اسرائيل وتركيا بالطبع قد تكون في المجال السياسي، وفي برنامج عمل الدولتين قضيتان ساخنتان: الاولى سوريا، فالثورة في هذه الدولة التي راهن أردوغان عليها لا تنتقل الى أي مكان، وأصبحت هذه الدولة مستنقعاً مُغرقاً أخذت تركيا تغرق فيه، وهو لا يعرف كيف يفضي الى اسقاط بشار الاسد، ولا يعرف كيف يعالج تهديد السلاح المتقدم الذي قد يقع في أيد غير مسؤولة، ولا يعرف كيف يعالج اليقظة الكردية في سوريا، ولا يعرف آخر الأمر كيف يمنع سقوط سوريا في أيدي مجموعات جهادية متطرفة اذا انهار نظام بشار الأسد آخر الأمر، والثانية هي ايران، فالربيع العربي والزعزعة التي أصابت الشرق الأوسط على أثره كشفا، بل عمقا الهاوية الفاغرة فاها بين تركيا وايران، وتتصارع هاتان على التأثير وعلى السيطرة في العراق وسوريا والساحة الفلسطينية، بل في لبنان أيضاً".

اذاً بيت القصيد من وراء هذا الاعتذار بات واضحاً؛ بالنسبة للطرفين فرغم الفجوة الايدلوجية وتباين الرؤية بشأن القضية الفلسطينية فقد التقت مصالحهما حول سوريا، أما من وجهة النظر الاسرائيلية والأمريكية فان أي عمل عسكري مستقبلي ضد ايران أو حزب الله أو كليهما يتطلب علاقة طبيعية مع دولة محورية ومهمة كتركيا وعلاقاتها القوية مع الحركات الاسلامية الموصوفة بالعقلانية والاعتدال وقدرتها على التأثير على قطاع غزة وحركة حماس تحديداً، ومن المهم الاشارة الى أن الاعتذار تم بوساطة أمريكية، وفي أثناء زيارة الرئيس الامريكي أوباما الى دولة الاحتلال محادثات مكثفة تناولت ثلاث ملفات رئيسية: النووي الايراني، الازمة السورية، التسوية مع الفلسطينيين، وفي هذا الصدد من المهم الاشارة الى المساعدات المالية التي تعهد أوباما بتقديمها للسلطة الفلسطينية.

كلمات رئيس وزراء الاحتلال على صفحته على الفيس بوك تلخص المشهد كله من وجهة نظر اسرائيل: "من المهم لتركيا واسرائيل، اللتين تشتركان في الحدود مع سورية، أن تكونا قادرتين على التواصل، وذلك لمواجهة تحديات إقليمية أخرى"، فالاعتذار ليس تقديراً لتركيا أو حباً فيها، وهو اعتذار مخادع وكاذب كما الطبيعة اليهودية التي لا تفارقهم على امتداد الزمان والمكان، وينطوي على أهداف دراماتيكية خطيرة تخدم اسرائيل بالدرجة الاولى والأخيرة، وقد تظهر في القريب في ظل استعدادات هائلة ومكثفة يجريها الجيش الاسرائيلي منذ أمد تحديداً على الجبهة الشمالية.