أسئلة مطروحة أمام المشروع الإسلامي بقلم : عبد الزهرة الركابي

أسئلة مطروحة أمام المشروع الإسلامي         بقلم : عبد الزهرة الركابي
أسئلة مطروحة أمام المشروع الإسلامي بقلم : عبد الزهرة الركابي

أسئلة مطروحة أمام المشروع الإسلامي       

بقلم : عبد الزهرة الركابي

أظهرت بواكير حكم قوى الإسلام السياسي في مصر وتونس وربما ليبيا تحديداً، أن المشروع الإسلامي الحاكم، بدا متردياً و(مهلهلاً) في مهده، على الرغم من أن منظري هذه القوى راحوا يخففون من هذا التردي والإخفاق المبكرين، بمسوغات التعثر والارتباك وقلة الخبرة في معترك الحكم .

 

وهي مسوغات وتبريرات، كان من الممكن الأخذ بها، لو أن الفئات الشبابية التي فجرت وصنعت الثورة أصلاً، هي من تسيد الحكم في الخواتيم المتحركة، بيد أن قوى الإسلام السياسي على مختلف تسمياتها وصنوفها، لها باع طويل في المعارضة والأداء السياسي المحترفين، الأمر الذي يتيح لها إعداد المشروع السياسي المناسب والمنفتح على القوى الأخرى في مرحلة ما بعد الثورة أو مرحلة الحكم العملية، وهي مرحلة انتقالية تتطلب المرونة والانفتاح وعدم التقوقع في الإطار الحزبي، من حيث إن هذه القوى باتت في إطار الدولة الحاكم .

 

من أعلاه راح المراقبون يتساءلون بإحباط ومرارة عن النواتج الأولية لهذه التجربة في الحياة اليومية، هل حقق الإسلام السياسي وقواه ما كان يصبو إليه المواطن المُتطلع إلى فضاء أرحب من الحرية والعدالة الاجتماعية والرأي الآخر والعبور إلى شاطئ الأمان؟

 

وقد كان الجواب بتقدير هؤلاء المراقبين واستناداً إلى ما تشهده الدول المشار إليها، كلا،  والسبب هو أن المراهنين على القوى الصاعدة بفعل (الربيع العربي) أُصيبوا بخيبة أمل من جراء تردي المشروع الإسلامي في مسار الأحداث، وإخفاقه في خطواته الأولى في تعاطيه مع موجبات العصر والحياة المدنية .

 

وهذا التردي في الأساس لم يتأتَّ من قلة الخبرة السياسية والتجربة الاحترافية في ممارسة الحكم، أو لوجود قوى مناوئة لحكم الإسلاميين، وإنما يعود الى إسلوب الضبابية المتبع أو سياسة عدم الوضوح على الصعيد الداخلي، ولا سيما في الشعارات التي تم ترويجها في المرحلة الأولى من الثورة، وهي التي تتعلق بقاعدة الالتزام بمبدأ الشراكة السياسية والسلم الاجتماعي ومدنية الدولة .

 

وإذ يرى المراقبون في هذا المشهد الساخن إلى حد العنف والاضطراب والفوضى، أن المواطن في بلدان ما يسمى (الربيع العربي) ومن خلال المرحلة الانتقالية الراهنة أو مرحلة ما بعد الثورة، قد اقتنع إن لم نقل تيقن بعد اختبار البداية لتجربة صعود الإسلام السياسي إلى سدة الحكم، أن هذا التيار الذي تموضع وتمترس خلف الشعارات الدينية، ليس هو الحل الذي كان ينشده ويتطلع إلى أن يساعده على تحقيق آماله في وطن آمن ومستقر، يُضاف إلى ذلك أن قوى الإسلام السياسي أخفقت في أدائها السياسي لعدم استيعابها متغيرات العصر وحاجاته بمشروع وطني عابر للطائفة والعرق، وانغلقت على مشروعها الذي لم يلامس حاجات وتطلعات الشباب الذين كانوا المحرك الأساس للربيع العربي وثوراته .

 

لم تستفد قوى الإسلام السياسي من الآلية الديمقراطية التي أوصلتها إلى سدة الحكم، من خلال تعزيزها روحاً وممارسة، وبالتالي يكون بمقدور هذه القوى إشاعة أجواء الثقة بينها وبين القوى المنافسة على مسار تداول السلطة سلمياً وعبر النهج الديمقراطي، بيد أن المؤشرات الأولية لعملية الانتقال الديمقراطي في بلدان (الربيع)، أخذت تنحو منحى انعدام اليقين كبداية لهذا العهد، بعدما راحت هذه القوى الحاكمة تمعن في التكتيكات الحزبية والضيقة .

 

ومن الطبيعي أن مثل هذه الخطط الحزبية وبمساحاتها المحدودة والضيقة، لا تتوافق مع روح وسياسات الدولة ورحابة أفقها، على صعيد الانفتاح والمشاركة وتغليب روح الوطنية والدولة على نوازع التحزب والانغلاق والتقولب، الأمر الذي لا يضمن أي نجاح لعملية الانتقال أو التحول الديمقراطي بمؤشراتها المختلفة .

 

وعلى كل حال، يشير الباحث الأمريكي جوناثان برودر في دراسته الأخيرة، إلى أن التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط لم تصل إلى منتهاها بعد، وأن تدفق الاضطرابات سيستمر في مصر وتونس، ولكن لا يعرف أحد على وجه الدقة الشكل الذي ستنتهي إليه، ونظراً إلى لأهمية الاستراتيجية لاحتياطي النفط والغاز في المنطقة، فإن مثل هذا التغير سيؤثر حتماً في أنحاء العالم، وبنطاق أوسع بكثير، إذا اندلعت حرب جديدة .

 

فالثورات في الشرق الأوسط هي مجرد بداية فقط، وبناء أي نظام سياسي جديد وتطوره قد يستغرق سنوات، أو حتى عقوداً، إضافة إلى المستقبل المجهول للصراع الفلسطيني - “الإسرائيلي”) في المنطقة، والتهديدات الأخرى .

 

ولهذا، تظل جملة من الأسئلة المطروحة عن مستقبل التحول الديمقراطي في مصر بلا أجوبة: هل سيتم نقل البلاد من حكم الحزب الواحد إلى حكم القانون؟ وهل سيضمن الدستور الحقوق الفردية لكل من الرجال والنساء على السواء، فضلاً عن حماية حقوق الأقليات؟ وكيف سيتصرف الحزب الحاكم في الانتخابات التالية؟ وهل سيسلم السلطة سلمياً، إذا خسر في تلك الانتخابات؟