خيارات مصر الصعبة بقلم : محمد السعيد ادريس

خيارات مصر الصعبة  بقلم : محمد السعيد ادريس
خيارات مصر الصعبة بقلم : محمد السعيد ادريس

خيارات مصر الصعبة

بقلم : محمد السعيد ادريس

مصر تدخل حافة الخطر، وللأسف لا يولي من يسيطرون على السلطة ولا من يقفون خلفهم ويدعمونهم أي اهتمام أو اكتراث لكل ما يحدث من انهيار في مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة الأمن، في ظل ما يمكن اعتباره عصياناً مدنياً غير مسبوق لضباط وضباط صف وجنود جهاز الشرطة . يوم السبت الماضي كان يوماً عصيباً مع نطق المحكمة حكمها في قضية استاد بورسعيد، حيث انطلق عشرات الآلاف من الشباب المدربين على العصيان ممن يسمون أنفسهم “ألتراس أهلاوي” يعيثون فساداً وتدميراً وحرقاً لكل ما له علاقة بالشرطة المصرية واتحاد كرة القدم اعتراضاً على تلك الأحكام التي لم تشف ما في صدورهم من غل جراء ما تعرض له زملاؤهم من قتل وغدر في استاد بور سعيد العام الماضي . وفي المقابل أعلن العشرات من أقسام الشرطة في عدد من المحافظات إغلاق المقار والانسحاب، وفعلت معسكرات قوات الأمن المركزي الأمر نفسه وانسحب الجميع من أماكن وجودهم إما اعتراضاً على سياسة وزير الداخلية بإجبارهم على المواجهة مع الشعب ضمن صراع سياسي يرفضونه، وإما لاعتراضهم على موقف وزير الداخلية من رفض تسليحهم بأسلحة تكفيهم الدفاع عن أنفسهم وعن المؤسسات التي يحرسونها ضد أي اعتداء .

 

عصيان الشرطة جاء امتداداً لدعوة العصيان المدني التي بدأت في مدن قناة السويس وعلى الأخص في بور سعيد التي يشعر أهلها أنهم مستهدفون من حكم الإخوان، وأن الأحكام الصادرة ضد أبنائهم أحكام ظالمة، كما يشعرون بالاضطهاد والتهميش والتنكيل، بعد تجاهل النائب العام التحقيق في مقتل أكثر من 40 من أبناء بورسعيد يوم خروج المدينة في تظاهرات رفض أحكام محكمة قضية استاد بورسعيد وأيام تشييع جثامين الشهداء الذين تساقطوا أثناء تلك التظاهرات .

 

هذا العصيان يمتد إلى الإسكندرية بعد مدن القناة وإلى محافظة الدقهلية وخاصة مدينة المنصورة بعد سقوط شهداء في مواجهات مع قوات الشرطة . والخطر يتفاقم أمام تحول العصيان إلى موقف شعبي يهدد السلطة والحكم ويمتد لتهديد مصر كلها .

 

وفي المقابل لا توجد أية حلول جادة للخروج من مأزق الأزمة، حيث يتجه البعض إلى عمل توكيلات تطالب الفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع بإدارة البلاد ونزول الجيش لحماية البلاد والسيطرة على الموقف، في حين يطالب كثير من جماعة الإخوان المسلمين الرئيس بإعلان حالة الطوارئ لمواجهة الفوضى اعتقاداً منهم أن ما يحدث مؤامرة من فلول نظام مبارك وعدوان مدبر ضد الشرعية .

 

دعوة عودة الجيش إلى الحكم مرفوضة من أغلبية المصريين الذين يعتبرون أن كل ما يحدث الآن في مصر ليس إلا نتيجة للحكم الرديء للمجلس العسكري وتسليمه السلطة للإخوان مقابل خروج آمن لقادة المجلس العسكري، كما أن دعوة إعلان الطوارئ لم تستطع أن تحقق الأمن في مدينة بورسعيد بل إن تفاقم الأزمة كان النتيجة المباشرة، ما يعني أن الفشل مسبقاً يلوح في الأفق أمام كل الخيارات الأمنية لسبب أساسي هو أن أزمة مصر ليست أزمة أمنية بقدر ما هي أزمة سياسية وبالتحديد أزمة فشل سياسي لحكم الإخوان، وأزمة شهوة السلطة عندهم ورفضهم مبدأ “الشراكة الوطنية” لمرحلة انتقالية تقود البلاد إلى بر الأمان .

 

فالرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين باتوا رهناً لصندوق الانتخابات، فهم يدافعون عن شرعية جاءت برئيس عن طريق صندوق الانتخابات، وهم يطالبون بانتخابات برلمانية لفرض شرعية جديدة أخرى عبر صندوق الانتخابات أياً كان الثمن، حتى لو كان عبر قانون انتخابات وطعون في شرعيته، ومن خلال دستور مطعون أيضاً في شرعيته وجرى تفصيله ليحقق كل ما يحلم به الإخوان من هيمنة وسيطرة على الحكم حتى لو كان عبر تهميش القضاء ودور الرقابة القضائية .

 

لم يستمع الرئيس لمطالب المعارضة ممثلة في “جبهة الإنقاذ الوطني” للدخول في حوار حقيقي . طالبت المعارضة بحكومة توافق وطني للإشراف على الانتخابات، وبإقالة النائب العام وتعيين نائب بديل من اختيار المجلس الأعلى للقضاء وبتشكيل لجنة خبراء محايدة لمراجعة الدستور وتصحيح ما به من أخطاء وإكساب أعمال هذه اللجنة شرعية إما من خلال طرح التعديلات على استفتاء شعبي أو من خلال تعهد بإلزام مجلس النواب الجديد إقرارها،  كما طالبت المعارضة بتفعيل العدالة الانتقالية للقصاص للشهداء ومحاكمة كل من تورط في قتلهم، لكن بدلاً من قبول هذه المطالب أصدر الرئيس قانون انتخابات مجلس النواب قبل أن يعيده للمحكمة الدستورية العليا لمراجعته بعد أن كانت اعترضت على معظم بنوده، فما كان من جبهة الإنقاذ إلا إعلان مقاطعة انتخابات مجلس النواب .

 

إعلان الجبهة مقاطعة الانتخابات كانت له ردود فعل رافضة ليس فقط من جانب الرئيس وجماعته ولكن من جانب الحليف الأمريكي على نحو ما جاء على لسان وزير الخارجية جون كيري في زيارته الأولى لمصر بعد توليه منصبه رسمياً . فقد وصل كيري إلى مصر وهو يحمل معه ملفين أولهما سياسي مطالب جبهة الإنقاذ بالتراجع عن قرار مقاطعة انتخابات مجلس النواب وعدم التقيد بالشروط التي وضعتها للقبول بالمشاركة، وثانيهما اقتصادي يتعلق بضرورة قبول مصر بالشروط المطلوبة من صندوق النقد الدولي للحصول على القرض المطلوب .

 

الذين تابعوا زيارة وزير الخارجية الأمريكي للقاهرة أدركوا أنها كانت زيارة دعم ومساندة ل “الحليف المصري الجديد” أي جماعة الإخوان المسلمين، هذا ما قاله ديفيد إغناتيوس نائب رئيس تحرير صحيفة “واشنطن بوست” (الخميس 7 مارس الجاري)، فبعد أن أقر بأن “مصر تنزلق نحو الخراب، وأن حكومة جماعة الإخوان المسلمين تتجه نحو الهاوية، قال إن أمريكا تدعم الرئيس محمد مرسي وتريد إنجاحه خوفاً من أن يكون البديل هو الحكم العسكري أو الفوضى” .

 

قبل الثورة كان نظام حسني مبارك يروع المصريين ويروع حلفاءه وأولهم الحليف الأمريكي بأن البديل له هو: “إما الإخوان وإما الفوضى”، والآن يروج الأمريكيون ما يقوله الإخوان: “إما الإخوان أو حكم العسكر أو الفوضى” .

 

الآن لم يعد ممكناً أن تستمر الأمور على ما هي عليه، فحكم الإخوان يتداعى فعلاً إن لم يكن سياسياً وأمنياً فهو محكوم عليه بالتداعي اقتصادياً واجتماعياً . فوفقاً لما ذكره الكاتب الأمريكي اغناتيوس في مقاله المشار إليه في “الواشنطن بوست” فإن “الحقائق الاقتصادية أصبحت صارخة للغاية، فالاحتياطات الرسمية من العملة الصعبة تدنت في شهر فبراير/شباط الماضي إلى مجرد 5 .13 مليار دولار، وهي لا تكفي أكثر من الوفاء بحاجات الواردات الخارجية ثلاثة أشهر من في أحسن تقدير، ما يعني في نظر الكاتب أن “البلاد تتجه نحو الخراب” .

 

لذا، ليس أمام المصريين إلا خياران مأمونان وثالثهما هو الخراب والحرب الأهلية . الخيار الأول أن يقبل الرئيس بمطالب المعارضة والانخراط في شراكة وطنية واسعة تنقذ البلاد والدخول في الانتخابات التشريعية، وإما أن يرفض وتتفاقم الأوضاع وتصل إلى نقطة الخطر ما يدفع الجيش إلى النزول لحماية البلاد بتأسيس مجلس رئاسي مدني يحكم البلاد لمرحلة انتقالية جديدة لا تزيد على عام واحد يراجع فيها الدستور وتجرى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة .