عامان على الربيع العربي بين المخاطر والتحدِّيات بقلم الشيخ حماد ابو دعابس

عامان على الربيع العربي بين المخاطر والتحدِّيات  بقلم الشيخ حماد ابو دعابس
عامان على الربيع العربي بين المخاطر والتحدِّيات بقلم الشيخ حماد ابو دعابس

عامان على الربيع العربي بين المخاطر والتحدِّيات

بقلم الشيخ حماد ابو دعابس  

مع انقضاء عامين على ثورة تونس ومصر وليبيا واليمن واللاتي انتهيت بإسقاط رؤساء الدول الاربع ، وتأخر سوريا عنهنَّ قليلاً في الانطلاقة ثم في الحسم ، بات جلَّياً واضحاً ان اهداف الثورات العربية لم تكتمل ،وان التغيير المنشود يلقى تعقيدات وصعوبات ليست بالهيِّنة . التحديات ما تزال في ازدياد ، والمخاطر لم تنقشع بعد . والأطراف الداخلية والخارجية في كل دولة من دول الربيع العربي ، تعبث باستقرار هذه الدول وتهدِّد التجارب الديمقراطية الوليدة   فيها ، وكأنها تسعى لإيصال مواطني دول الربيع العربي وبقية دول المنطقة الى الاحباط وتمني البقاء على ما كان الامر عليه قبل الثورة .

ان ثورتي تونس ومصر اللتين اتسمتا بالسلمية وقصر امد الثورة وسرعة تحقيق النتائج باسقاط الرئيسين ابن علي ومبارك . عادتا الى مسرح العنف والمواجهات التي تغيب وتحضر بين الفينة والأخرى ، مما يثير القلق والترقُّب، والخوف على مصير هذين البلدين. ولقد اثار الاغتيال السياسي الاخير في تونس لرئيس احد احزاب المعارضة، ثورة من الغضب والقلق على مستقبل البلاد، قد تتجاوز تونس الى مصر وبلدان اخرى. اذ تتزايد الادلة على وجود تدخُّلات خارجية اضافةً الى مغرضين محليين، ورموز للأنظمة السابقة ممن يطمعون في تحقيق مكاسب سياسية وغيرها من خلال اثارة الفوضى وعدم الاستقرار في هذه الدول.

وإذا كان الامر كذلك في تونس ومصر رغم سلمية الثورة فيهما ،فمن باب اولى ان يستمر القلق والخوف على مصير الثورة في بقية دول الربيع العربي ، ليبيا واليمن وسوريا، واللاتي شهدن موجات من العنف والمواجهات الدموية خلال الثورة. ويبدو ان العقلية العربية ما تزال تتعامل بالرأس الساخن مع التوجُّه المخالف. ولذلك تنتقل الحوارات بين الفرقاء الى الشوارع والميادين، ثمّ تنزلق الى العنف بشكلٍ تصعب السيطرة عليه في بعض الاحيان.

 

لا بدَّ من التدرُّج والمرونة في السير نحو الاهداف

الشعوب العربية التي ثارت على الحكّام المستبدين ، فأسقطتهم وانتخبت غيرهم بديلا عنهم، وغيّرت المسار الديكتاتوري الى ديمقراطيّات وليدة ، يجب عليها ان تمنح الفرصة لحكّامها الجدد لإثبات جدارتهم ومحاولة النهوض ببلدانهم ، ويجب ان تغلب مصلحة البلاد كل المصالح الفئوية والحزبية الضيّقة لدى جميع الاطراف المشاركة في المشهد السياسي الجديد. وبالمقابل فان على المنتخبين الجدد من الرؤساء ورؤساء الحكومات ان يدركوا ، انه ليس بمقدورهم خلال اشهر معدودة تغيير كل شيء في البلاد وفق رؤيتهم هم، بل لا بد من التدرُّج، وتعزيز الشراكة مع الاطراف السياسية المختلفة لإشعار الجميع ان الثورة ثورتهم، وان النتائج الايجابية للثورة هي من نصيب جميع الشركاء في صناعتها.

ولقد بات جليّاً ان عامين من عمر الامم ليست فترةً كافيةً لتقييم نجاح ثورة او نقلة تاريخية كبرى. بل لربما تحتاج الى عقد كامل من الزمن ليتمّ التحوّل الحقيقي في العقليات والممارسات حتى ترسو سفينة البلاد العربية على برّ الامان والاستقرار والنموّ. فأيدينا وقلوبنا ومشاعرنا مشدودةً تترقّب ، وألسنتنا تلهج بالدعاء لربيعنا العربي الّا يخيّب الآمال، وان يتجاوز المخاطر ويتغلّب على كلّ المعوِّقات.

اغتيال الامام البنّا علامة فارقة في تاريخ الامّة

الامام حسن البنّا رحمه الله ، مؤسس جماعة الاخوان المسلمين ومجدِّد القرن العشرين ، الذي اسس الجماعة الاسلامية الاكبر في العالم الاسلامي بعد سقوط الخلافة العثمانيّة. احدث اثراً لا يمكن ان يتجاهله عاقل ، وترك بصمته الواضحة في تاريخ الصحوة الاسلامية المعاصرة. فبعد نيّفٍ وستين عاماً على استشهاده وأكثر من ثمانين عام على انطلاقة دعوته، ها هي الحركة الاسلامية العالمية تقطف ثمار جهوده وفكره ودعوته المباركة ، من خلال الحضور أللافت، والثقل النوعي للحركة الاسلامية وجماعة الاخوان المسلمين في جميع دول الربيع العربي وغيرها من الدول العربية.

امّا اغتياله الذي خطط له الانجليز بعناية فائقةٍ ، وفرح له الامريكان والأوروبيون وأعداء الامّة في كلّ مكان ، فقد كان جزءاً من مشروعٍ الاجهاز الكامل على آمال المسلمين في استعادة كيانهم ومكانتهم. ولا شكّ ان هؤلاء المتآمرين نجحوا الى حدٍّ بعيد في ايذاء الصحوة المباركة ، والتنفير منها ، والتخويف والتشكيك فيها. وكان لا بدّ من ستة عقود على التمام بعد استشهاده حتّى ينتفض العرب على طواغيتهم ويستعيدوا حريتهم وكرامتهم التي تتوافق مع مشروع الامام البنّا رحمه الله.

ان الدعوة التي قدّمت الرعيل الاوّل من قادتها الى ميادين الشهادة ،  في مواجهة الطغيان والاستبداد، لتستحقُّ ان تظلَّ جذوةً متقدةً تجتمع عليها قلوب الملايين ، للتضحية والفداء حتّى تتحقّق الاهداف العظام التي رسمها اولئك القادة الافذاذ. انه المشروع الرباني الضخم الذي يقيّض الله تعالى له الصفوة من عباده ليحملوا أعباءه ، وينهضوا بتبعاته ، ويبلّغوه من بعدهم ، لتظلّ الراية خفّاقة حتى يأذن الله بنصره ، وبأتي بأمره.

النقب شقيق القدس..... يستنهض الشَّعب والأمَّة

ما يزال النقب يتصدّر الأحداث، ويتعرض لأشرس المؤامرات واخطر التحدّيات، التي تستهدف البشر والحجر والشجر. انها صورة للتغوّل الصهيوني المفترس الذي لا يرقُب في فلسطيني ولا عربي إلّاً ولا ذمّة. وبذلك يصبح النقب رديف القدس الشريف في تعرضّة للمخاطر والمؤامرات،والجشع الصهيوني تجاه الارض الفلسطينيّة المرشّحة للمصادرة والمنازل المهدّدة بالهدم. ويبدو ان هذا الجشع والحقد الصهيونيين لن ينفكّا عن كاهل هذه الارض وأهلها وتلك البيوت وسكّانها ، إلا حين تحدث ردّة فعل مزلزلة، ووقفة شعب جادّة، تُحدث صرخةً مدوّية في انحاء المعمورة.

ونحن اذ نستنهض همم ابناء النقب جميعاً ، ومن خلفهم وسطنا العربي بكل اطيافه وأحزابه وقياداته وكوادره، نطالب الجميع بان تكون وقفتهم الجادة واستعدادهم للتحدّي متناسباً مع الحملة الشرسة والخطورة الداهمة التي يتعرّض لها النقب في الارض والمسكن.

قد آن لليل الظلم ان ينجلي عن قدسنا وعن نقبنا، عن ارضنا وعن وطننا عن شعبنا وعن امتنا. ان هذه العربدة الصهيونية الوقحة لتستفزُّ كلَّ غيورٍ من ابناء شعبنا ان يقوم بدوره من اجل شعبه وأرضه وقضيته. فمعاً نحو الصمود والرباط والمصابرة وإعلاء الصوت في وجه الطغيان والعدوان حتّى  يرحل مذءوماً  مدحوراً.

والله غالب على امره