“الثورة” والظواهر غير التقليدية...عبدالزهرة الركابي

“الثورة” والظواهر غير التقليدية...عبدالزهرة الركابي
“الثورة” والظواهر غير التقليدية...عبدالزهرة الركابي

“الثورة” والظواهر غير التقليدية...عبدالزهرة الركابي

بدأ المراقبون لتمخضات وتداعيات وتطورات الثورة في مصر، ينظرون لمجموعات العنف الشبابية وغير التقليدية، بشيء من الخوف لوجود هذه الظواهر الغريبة على المجتمعات العربية اجتماعياً وسياسياً، وهذه المجموعات التي يُطلق عليها تسميات (الألتراس) و(البلاك بلوك)، نقلت المشهد المصري من مرحلة ما بعد الثورة، إلى مرحلة إطالة الثورة وتقسيمها إلى مراحل مفتوحة ومعلقة الحسم، بعدما استخدمت طرقاً غير تقليدية من العنف ضد السلطة وأجهزتها الأمنية، بحيث طغت حوادث العنف التي قامت بها هذه المجموعات على فعاليات سلطة (الإخوان المسلمين) وجبهة الإنقاذ المعارضة .

 

(ألتراس)، هي كلمة لاتينية تعني الشيء الفائق أو الزائد أو حتى الأمر المطلق، وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية المعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، وتتواجد بشكل أكبر بين محبي الرياضة في أوروبا وأمريكا الجنوبية، وانتقلت فكرة (الألتراس) إلى عدد من الدول العربية، ووصلت إلى مصر عام 2007 لتظل مجموعات غير مُسيسة، ومعادية للأمن والإعلام على خلفية رياضية بحتة . كما يعرفها مشجعو الكرة بأنها عبارة تدل على المجموعات (أشبه بالتنظيمات السرية) التي تعرف بانتمائها وولائها الشديد لفرقها وتتواجد في المدرجات لتصنع لوحات من الإبداع من خلال استعراض الألوان والأعلام والأهازيج، وبذل الغالي والنفيس من أجل الفريق والوقوف إلى جانبه في السراء والضراء داخل ملعبه وخارجه طوال 90 دقيقة كاملة من عمر المباراة .

 

ومع اندلاع الثورة، وانكسار حاجز الخوف، شاركت مجموعات (الألتراس) في الأيام الأولى للثورة، وانصبّ اهتمامها على حماية الميدان وأسر الشهداء والمصابين، وفي الضغط أثناء محاكمات الرئيس السابق، كما شاركت بمليونية 9 سبتمبر/ أيلول2011 التي انتهت باقتحام السفارة “الإسرائيلية” في القاهرة .

 

ومنذ مجزرة ملعب بورسعيد، التي راح ضحيتها 72 شخصاً، تصاعد النشاط السياسي (للألتراس)، وخاصة (ألتراس) النادي الأهلي، إذ راح أفراده ينظمون احتجاجات دورية للمطالبة بالقصاص، وبدءاً من 19 يناير/كانون الثاني 2013 كان (الألتراس) في مقدمة الصفوف ضد قوات الشرطة استعداداً للحكم في مذبحة بورسعيد في 26 من الشهر نفسه، وسُيرت عدة مظاهرات بمحافظات مختلفة، كما لجئ لطرق عنف غير تقليدية كقطع الطرق وتعطيل المترو والتهديد بالانتقام .

 

وبشكل عام، ظلت مجموعات الألتراس غير مُسيسة حسبما بفيد الدارسون لهذه الظاهرة، ولا تتبنى أيديولوجيات محددة، ولا يرتبط أعضاؤها بأحزاب سياسية، غير أن بعض مجموعات (الألتراس) في دول كإيطاليا وبولندا وأوكرانيا لها ميول يمينية متشددة، أما العامل المشترك بين هذه المجموعات فهو العداء الدائم لأجهزة الأمن التي تحاول دوماً أن تسيطر على هذه المجموعات، وأيضاً العداء الدائم لأجهزة الإعلام التي ارتبطت في أذهان (الألتراس) بأنها الحليف الطبيعي لأقطاب صناعة لعبة الكرة وسيطرة العقلية الرأسمالية عليها .

 

وأما بالنسبة لجماعات (البلاك بلوك)، فهي مجموعات ذات ميول (لا سلطوية) إذا صحت التسمية، تتميّز في التظاهرات بلباسها الأسود وأقنعتها بهدف إخفاء الهوية حتى بين أفراد المجموعة نفسها ، وتعتمد هذه المجموعات بإجادة رياضة أو ألعاب (الدفاع عن النفس والفنون القتالية) بالنسبة لمجمل أفرادها .

 

وقد اشتهرت (البلاك بلوك) في تظاهرات وأعمال شغب في الدول الأوروبية، إضافة إلى المشاركة الواسعة والعنيفة بالتزامن مع قمة (الدول الثماني الكبرى)، إلا أنها المرة الأولى التي تظهر هذه المجموعات في الساحة المصرية وتحديداً منذ بواكير الثورة، وبدت بشكل واضح أنها لا تتبع لأي قيادة في مصر . وصحيح أن وجودها أصبح ظاهراً في مدن ومحافظات مصرية عدة، بيد أن زخم وجودها الأكبر هو في الإسكندرية والقاهرة، حيث لجأت مجموعات (البلاك بلوك) في تظاهراتها إلى أساليب قطع أنفاق المترو والجسور المؤدية إلى ميدان التحرير وسط القاهرة، كما تميزت بتكتيكاتها ذات السياق العسكري، ويقول متابعو هذه الظاهرة، إن هذه المجموعات ارتبطت بحركات الاحتجاج اليسارية والفوضوية والحركات  الراديكالية بشكل عام، وتعود جذورها إلى نهاية الستينات بشيكاغو فيما عرف بأيام الغضب أثناء الحرب الفيتنامية، ثم في الثمانينات بألمانيا ضمن الحركات المناهضة للسياسة النووية وسياسات أخرى وقد نُسب لهذه المجموعات الكثير من أعمال الشغب والحرائق والتظاهر من دون تصريح وإتلاف ممتلكات الشركات متعددة الجنسية، ثم جذبت اهتمام العالم في المظاهرات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية أثناء مؤتمر بمدينة سياتل الأمريكية عام 1999 عندما تم إتلاف عدة محال تجارية تابعة لشركات متعددة الجنسيات .

 

وعلى كل حال، فإن هذه المجموعات المشاغبة التي تخللت المراحل المشتعلة في الثورة المصرية، يراها البعض من (البلطجية) الذين يريدون ثورة ضد حكم (الإخوان)، بينما يراها البعض الآخر ثواراً لجأوا إلى العنف لمواجهة من سرقوا الثورة، أو كما يقول هؤلاء، (نحن فوضى تمنع فوضى) .