“النهضة” والهروب للأمام ... أمجد عرار

“النهضة” والهروب للأمام     ... أمجد عرار
“النهضة” والهروب للأمام ... أمجد عرار

 “النهضة” والهروب للأمام   

... أمجد عرار

في البلاد التي تحكمها الديمقراطية الغربية، إذا تصادم قطاران، قد يستقيل وزير المواصلات أو يقال . إذا انقطعت الكهرباء بضع ساعات، تنقطع صلة وزير الاتصالات بالحكومة . إذا هزمت البلاد في معركة، لا يخرج وزير الدفاع فائزاً ببقائه بمنصبه . إذا تراجعت حالة الأمن والاستقرار، لا يدخل وزير الداخلية مقر الحكومة إلا لتسليمه قرار إقالته .

في تونس التي أشعل شبابها انتفاضة سلمية عظيمة أطاحت نظامها المستبد، ثم أوصل غياب القيادة الحزبية للانتفاضة إسلامها السياسي للسلطة، يتدهور الوضع الأمني ويُغتال قائد سياسي كبير أمام منزله بالرصاص في قلب العاصمة، فلا تكتفي سلطتها السياسية الإخوانية بعدم مساءلة وزير الداخلية، بل بتصعيده إلى منصب رئيس الحكومة . هل هذه سياسة أم مناكفة؟

لم تكترث حكومة النهضة لمواقف الأحزاب المعارضة، وهي غير ملزمة بذلك، لكنها لم تعر انتباهاً لآلاف التونسيين الذين خرجوا محتجين على تعيين علي العريض رئيساً للحكومة، رغم أن أداءه لم يكن مقنعاً في وزارة الداخلية .

ببرودة أعصاب وانعدام الإمساك بالحلقة المركزية في مرحلة عصيبة، دفنت حركة “النهضة”، ولا ندري كم بقي من اسمها، محاولة رئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي، للنهوض الحقيقي بالحياة السياسية في تونس، وهو الذي استنتج من تجربته في رئاسة الحكومة أن مصلحة البلاد أهم وأولى من مصلحة أي حزب، حتى لو كان حركة “النهضة” التي يتبوأ فيها منصب الأمين العام .

الجبالي وضع يده على الجرح، مدركاً أن بلداً تعيش الوضع الذي تعيشه تونس، لا بد أن تتضافر في إعادة بنائه كل القوى السياسية والمجتمعية، كل الطبقات والشرائح الوطنية . وعندما فشل الجبالي في تمرير مطلبه بتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية تخرج البلاد من أزمتها الشاملة، لجأ لما فعله الفنان دريد لحام في فيلمه “التقرير” عندما استقال للضغط على مسؤوليه لقبول تقريره الإصلاحي، ومثلما تجاهله مسؤولوه تماماً، تجاهلت حركة “النهضة” محاولة الجبالي، وتعاملت مع استقالته على طريقة من ينتظرها . والغريب أنه رغم انتماء الجبالي ل “النهضة”، ورغم الاختلاف الذي عبر عنه حزب الرئيس منصف المرزوقي مع “النهضة” وحكومتها، ورغم الانتقادات المتكررة التي وجهها المرزوقي علناً لأداء الحكومة وتحذيره من تراجع الحريات وعود الاستبداد، لم يكف قادة “النهضة” عن الشكوى من أن حركتهم تواجه مؤامرة .

كل ما دق الكوز بالجرّة، وطالب أحد بالتوافق في مواجهة الأزمات، يخرج قادة إخوان تونس، كأشقائهم في مصر، بأن مثل هذا “التوافق” إذا تمت ترجمته لحكومة إئتلافية أو تكنوقراط، سيكون انقلاباً على الديمقراطية ونتائج صندوق الاقتراع، وكأن هذه الانتخابات التي كانت بنظر الإخوان طيلة عقود بدعة غربية، أصبحت فرض عين يكون القفز عنها إلى ما هو أوسع تمثيلاً في مرحلة خاصة، رجساً من عمل الشيطان . ولعل من المفيد تذكير من يريد أن يفرض هذه النغمة، أن الزعيم النازي أدولف هتلر فاز بالانتخابات وتحوّل إلى دكتاتور .

لا أحد يجادل مشككاً بفوز الإخوان في الانتخابات سواء في تونس أو مصر، لكن لا ينبغي تجاهل أن كلا البلدين يمرّان بظروف استثنائية يتطلّب تجاوزها آليات وحلولاً استثنائية، وهذه الآليات تستخدم على نحو مؤقت، وبعدما تتجاوز البلاد أزماتها ووضع قدميها على سكة الاستقرار، يصار بعدها لتفعيل الآليات الانتخابية وليحكم من يفوز بالانتخابات . أما سياسة امتصاص فرصة انعدام الوقت الكافي للقوى الأخرى في تنظيم صفوفها، فهذا هروب للأمام .