منطقة الشرق الأوسط: الطبول التي تقرع عبدالله بن بجاد العتيبي

منطقة الشرق الأوسط: الطبول التي تقرع  عبدالله بن بجاد العتيبي
منطقة الشرق الأوسط: الطبول التي تقرع عبدالله بن بجاد العتيبي

منطقة الشرق الأوسط: الطبول التي تقرع

عبدالله بن بجاد العتيبي

كثيرة هي الطبول التي تقرع في منطقة الشرق الأوسط اليوم، إنها طبول كثيرة تنادي للحرب وللفوضى وللأصولية والإرهاب وللجهل وللطائفية، إنها طبول لا تنشر طرباً بل ضغائن، ولا تبشر بقدوم مستقبل زاه، بل تحرّض على الارتكاس في أوحال الماضي، وتستحث الهمم لمزيد من التخندق الصاخب والحماسة المؤدلجة.

طبول الحرب - على سبيل المثال- تقرعها إيران حين يتحدّث مرشدها عن تحدّي الولايات المتحدة الأميركية بخصوص مشروع بلاده النووي، وحين ترسل سفينةً محملةً بالأسلحة المتنوعة والصواريخ إلى جماعة "الحوثيين" في اليمن، وحين تنخرط قياداتها وضباطها وأتباعها المخلصون كـ"حزب الله" في حرب عفنة تجري على تراب الشام في سوريا ضدّ الشعب السوري بأسره، وقل مثل هذا في تحرّكاتها المدانة والعدائية تجاه دول الخليج العربي إن سياسياً كمحاولتها إدخال مملكة البحرين في قضية التفاوض تجاه الأوضاع في سوريا، وإن ميدانياً حيث اكتشفت البحرين قنبلةً معدةً لتفجير جسر الملك فهد الرابط بين مملكتي السعودية والبحرين الخليجيتين وهي قضية، وإنْ لم يكشف التحقيق مدبريها بعد، غير أنّه ليس عسيراً التنبؤ بمن يقف خلفها، والحوادث والأخبار لم تزل تتوالى وتتابع على تورّط إيران الجارة في أعمال كثيرة كهذه، ولسنا بحاجة في هذا السياق لاستحضار الماضي وتوثيق الأحداث، فذلك معلوم لدى الكثيرين، وقد سبق لكاتب هذه السطور الإشارة له في أكثر من مقالة.

أما طبول الفوضى، فإن قرعها صاخب الصيت في دول الانتفاضات والاحتجاجات العربية، فالكل منتفض ضدّ الكلّ والجميع يتظاهر ضدّ الجميع، والنخب انحدرت لمستوى الغوغاء، والغوغاء توهمّت نفسها نخباً، وكثير من المثقفين والإعلاميين والكتّاب قرعوا الطبول للجماهير وأقنعوها –كل بحسبه- بأنها تؤدي لحن السماء الخالد وتنفّذ قدر الإله الواحد، أو تعبّر عن إرادة الأمة المهدرة والضائعة في استعادة الكرامة والعزّة والوحدة المتوهمة، أو تنتصر للعدالة الاجتماعية بشتى مجالاتها، كما صنع الإسلامويون والقوميون واليسار بالتتالي، وقد بادلتهم الجماهير قرعاً بقرع فقرعت لهم طبول الاحتفاء والتقديم والتكريم والترميز، ولم تلبث الأطراف أن اتحدت على قرع واحد، هو قرع طبول الخصام الطويل والعداء المستطير والشتات المقيم.

لا يجب أن يكون مستغرباً في وضع فوضوي كهذا فيه لكل طبل قارعٌ أصمٌ، ولكل لحن توجه مختلف ذو طموح وخيال وفئة أن يصل لمرحلة الصدام الذي يتراوح بين الشرس والأشرس، وبخاصة حين تكون الطموحات فوق القدرات، والخيالات فوق الإمكانات، والفئات فوق المجموع كما هو ظاهر لمن يرصد التفاصيل، ويتمكن من ربطها والخروج منها برؤية لا تغفلها التناقضات عن التماسك، ولا تجبرها الاختلافات على التغير دون علمٍ واجب الاتباع أو وعي جدير بالتجديد.

كما لا يجب أن يكون مستغرباً أن يكون صوت وصخب طبول الأصولية التي تعبّر عن جماعات الإسلام السياسي أو جماعات العنف الديني أعلى من الآخرين، وأن يكون له الحظ الأوفى من مسرح منطقة لم يزل يعيث فيها الجهل بمعناه العام وتسيطر على عامتها الانتماءات الأعمق في تشكيل هويتها وقناعتها وتوجهها. ومن هنا فحين جرت في نهر الفوضى ما يمكن تسميتها جرائم سياسية وثقافية واجتماعية تتراقص على تناقضات المشهد لا تفتيشاً عن حل بل بحثاً عن فائدة بدأ البعض في محاولة إعادة ترتيب الأوراق وتشكيل قراءة المشهد من جديد، وذلك أمر معروف.

واحدة من أهم المشكلات الآنية في دول الانتفاضات والاحتجاجات العربية أنّه قد أصبح لكل شخص طبل، ولكل مجموعة طبلٌ أكبر، ولكل توجة طبل أكبر وأكبر، وهكذا دواليك، دون وجود أي قائد من دستور أو قانون يكون قادراً على خلق سمفونية تجمع تلك الطبول وتنسق بينها لتؤدي لحناً واحداً يمكن أن يكون شيئاً يذكر في عالم السياسة أو الاقتصاد أو الإعلام أو المجتمع أو التنمية، فقد أصبحت الفوضى هي الأساس والتشتت هو الأصل.

إن أصوات هذه الطبول الصاخبة والمتناقضة لم تزل تصل لآذان الدول الغربية تباعاً منذ لحظة مسابقتها للشارع الهائج وللجماهير الصاخبة، حين كانت الولايات المتحدة تطلق عبارات "الآن" و"فوراً" في طلب رحيل الأنظمة السابقة والأنظمة الأوروبية تساندها وتقف معها وصولاً لتصريحاتٍ مناقضة لم تزل تطلق علامات الاستغراب والاستنكار تجاه ما يجري ضدّها وضدّ سفاراتها، وكل ما تمثله وأكثر من هذا حين اكتشفت في مالي أن الإرهاب لم ينته وأنها يجب أن تواجهه، وأن تتخذ موقفاً منه، وأن له ذيولاً شديدة الخطورة وأن الإرهابيين آخذون في التعاون والتكامل ورص الصفوف من جديد.

هذا مع التأكيد أن الأنظمة السابقة كانت لها علّتها السقيمة وأدواؤها المقيمة، ولكن الحديث يكمن في أن الخيارات كان يجب أن تكون واعيةً بين الإصلاح والتطوير من جهة وبين الانقلابات من جهة أخرى، تلك التي كما تسمّت سابقاً عبر العسكر بالثورات فإنها تتسمّى اليوم عبر الجماهير والجماعات المؤدلجة بنفس الاسم.

من الطبيعي أن تكون الدول الغربية مفتونةً بنموذجها الذي صنعته إن بسياقها الحضاري العام، وإن بتفاصيله التي يمكن رصد كثير منها في مجالات متعددة بين أوروبا من جهة وأميركا من جهة أخرى، ولكن ليس من الطبيعي أن تعتقد تلك الدول أنّه نموذج ناجز ومكتمل، وممتد الصلاحية، لكل الأزمنة والأمكنة، فذلك ما لا يجدر ادعاؤه إلا للأديان العامة والآيديولوجيات المطلقة في لحظات معينة من التاريخ والجغرافيا، ففي الشرق نماذج جديرة بالاهتمام وتجارب تستحق المراعاة والمقارنة، حيث اليابان والصين، وحيث سنغافورة وكوريا الجنوبية.

إن صخب الطبول وتناقضها الدائم ونشوزها المستحكم لا ينبغي أن يحول دون عاقل وعقله وقارئ وفهمه وراصد وحكمه أياً كان توجهه أو انتماؤه أو مكانته، وكلّما عظمت المكانة عظمت معها المسؤولية في التعامل مع الضغوطات والتحديات ببصر نافذ وبصيرة حادة في وعيها، وبالتالي قراراتها التي تقود خياراتها.