الفوضى... واللعبة الصهيونية ... محمد الباهلي

الفوضى... واللعبة الصهيونية ... محمد الباهلي
الفوضى... واللعبة الصهيونية ... محمد الباهلي

الفوضى... واللعبة الصهيونية

محمد الباهلي

إن اللعبة المزدوجة التي تحاول إسرائيل أن تتحرك من خلالها في المشهد العربي بكل أحداثه وتطوراته خطيرة جداً، حيث إن هذه اللعبة ستعمق حالة عدم الاستقرار في الدول العربية، وتزيد من تنامي حالة الإرهاب والتوتر والتطرف والطائفية في المنطقة، بل وتعمل على دفع الدول العربية إلى الدخول إلى مرحلة التفتت والتقسيم، لأن مثل هذه الأبعاد والأهداف الاستراتيجية تحمل في داخلها أمرين مركزيين:

الأول: إحداث حالة من الفوضى الدموية المستمرة في المنطقة العربية، لأن استمرار مثل هذه الحالة يعوق سير الاستقرار والتنمية الذي يصب في مصلحة الشعوب العربية، ويخدم الهيمنة والتوسع الصهيوني، وقادة إسرائيل لا يخفون هذه الحقيقة، بل يجاهرون بذلك في وسائل الإعلام، حيث نشرت صحيفة "هآرتس" الصادرة في 5-2-2013 تصريحات للواء عاموس ياديلين رئيس معهد بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب يقول فيها: "إن الحرب الأهلية في سوريا شطبت من جدول الأعمال التهديد العسكري التقليدي الأخطر الذي يحدق بإسرائيل، فالجيش السوري لم يتبق منه سوى ظل قدرته الأصلية".

وهذا ما حدث للعراق، بعد أن تعرض للغزو الأميركي، والصحافة الإسرائيلية هي الأخرى كانت منشغلة بما يحدث في مصر بين السلطة والمعارضة، وما حدث للاقتصاد المصري، وهي فرحة لأن هذا سيضعف الدولة المصرية، وبالتالي سيصب في مصلحة أهداف إسرائيل ويقوي شوكتها في المنطقة، لأن الحركة الصهيونية تراقب هذا الحراك الذي حدث في دول التحول العربي. وقد كان الكاتب الإسرائيلي أوري هايتنر واضحاً في مقاله "إصلاح أوباما" الذي نشر في صحيفة "إسرائيل اليوم" بتاريخ 10-2-2013 عندما قال: "يدرك أوباما جيداً أن الديمقراطية في الشرق الأوسط توجد، وستوجد في المستقبل المنظور في إسرائيل فقط، وهو يدرك أن إسرائيل هي الحليفة الوحيدة للولايات المتحدة في هذه المنطقة المهمة لا غير، والحلف مع إسرائيل مصلحة أميركية حيوية وذخر استراتيجي".

الثاني: تغييب القضية الفلسطينية.. وهذا أمر يندرج بقوة في الأهداف الاستراتيجية المسمومة التي تتبناها الحركة الصهيونية في سياستها الاستعمارية منذ أن تكونت في المنطقة، وهي تحاول اليوم وبكل الوسائل والإمكانيات المباشرة والخفية تحقيق مثل هذا الهدف، وذلك بالاستعانة بالأحداث في الوطن العربي لإبعاد القضية الفلسطينية من الذاكرة العربية، ومسح ذهن وفكر العالم العربي من الاهتمام والتفكير في هذه القضية. فمسألة أن ينشغل العقل العربي والشارع العربي والإعلام العربي بمتابعة الثورات وما يحدث فيها من حراك وأحداث وينتقل اهتمامه إلى التعاطي مع هذه الأحداث دون غيرها يعتبر خطوة مهمة في نظر إسرائيل لتغييب العقل العربي عن قضيته المركزية "فلسطين"، التي شغلت الوجدان العربي والإسلامي لأكثر من 60 سنة. وقضية فلسطين ليست فقط قضية عربية وإسلامية، بل لقد أصبحت أيضاً قضية أممية.

وما يحدث في فلسطين اليوم هو مؤشر لما أقول، حيث أشار الدكتور ناجح بكيرات مدير المسجد الأقصى في الحوار الذي أجرته معه جريدة "الأهرام" الصادرة في 11-2-2013 إلى استفحال حالة التهويد في مدينة القدس، وبيّن أن الحفريات التي يقودها جنرالات عسكريون والمستمرة في القدس منذ عام 1971 أدت إلى خلق واقع جديد، حيث تسببت في مصادرة العديد من الأراضي في داخل المدينة، وهددت معظم المباني الإسلامية القديمة، وخلقت ممرات داخلية في اتجاه المسجد الأقصى المبارك لزعزعة كيان المسجد، وأدت أيضاً إلى تلاشي العمارة الإسلامية في القدس وظهور الكنيس اليهودي الفسيفسائي، حيث بلغ عدد تلك الكنُس الحالية 71 كنيساً يهودية في محيط المسجد الأقصى المبارك، وهناك كنيس أنشئ على أنقاض الجامع العمري، وسلطة الاحتلال تقوم بإحلال مهاجرين يهود محل المقدسيين، وقد أحيطت المدينة المقدسة بأطواق استيطانية تضم آلاف الوحدات السكنية للمستوطنين، وهي تحاول الآن فرض سيادتها المطلقة على القدس.