لماذا ينجح الحزب المهيمن في ماليزيا ويسقط في المنطقة العربية؟ بقلم : رغيد الصلح

لماذا ينجح الحزب المهيمن في ماليزيا ويسقط في المنطقة العربية؟   بقلم : رغيد الصلح
لماذا ينجح الحزب المهيمن في ماليزيا ويسقط في المنطقة العربية؟ بقلم : رغيد الصلح

لماذا ينجح الحزب المهيمن في ماليزيا ويسقط في المنطقة العربية؟   بقلم : رغيد الصلح

فيما يقترب موعد الانتخابات العامة في ماليزيا، يشتد التنافس الانتخابي بين التحالفين الرئيسين في البلاد: تحالف حاكم بزعامة “حزب المنظمة الوطنية لاتحاد الملاويين”، وتحالف معارض يقوده “حزب العدالة الشعبية” . ويتوقع أكثر المراقبين أن يحالف النجاح التحالف الحاكم . إذا نجحت هذه التقديرات، يبقى حزب المنظمة القومية في الحكم حتى العام ،2017 فيحق له عندها أن يحتفل باستمراره في الحكم لمدة ستين عاماً من دون انقطاع . وتكرس هذه الاستمرارية المتوقعة دور المنظمة بصفة حزب مهيمن في الحياة الماليزية، فهل هناك من قرابة فكرية وسياسية بين هذه التجربة وتجارب الأحزاب المهمينة في المنطقة العربية؟ وإذا كانت الأحزاب المهيمنة هنا وهناك تنتمي إلى الفصيلة السياسية نفسها، فما الذي سمح للحزب المهيمن الماليزي بالاستمرار في الحكم، بينما تعاني الأحزاب المهيمنة والأحزاب الطامحة إلى الهيمنة في المنطقة العربية المتاعب والتحديات؟

لو وجه هذان السؤالان إلى معارضي الحزب الماليزي الحاكم، لأجاب أنه لا فرق بين الحزب المهيمن في بلدهم، وبين الأحزاب المهيمنة في البلدان العربية . فالمؤسسات الدولية التي ترصد التطور الديمقراطي في ماليزيا وفي الدول العربية تضع دول الأحزاب المهيمنة في المرتبة ذاتها تقريباً، وتصنفها كدول تعاني عجزاً ديمقراطياً أو دول هي في مرتبة ما بين المرتبتين الاستبدادية والديمقراطية . أما من حيث الاستقرار فإن معارضي المنظمة القومية يقولون إن ماليزيا هي الأخرى لم تعرف الاستقرار، ولن تعرفه مادام حزب المنظمة ممسكاً بالحكم فيها . هذه الإجابات قد لا تكون بعيدة عن الحقيقة، فقضية الوزير الماليزي السابق أنور إبراهيم الذي كان أحد قادة التحالف الحاكم، والذي كان مرشحاً لوراثة الزعيم الماليزي التاريخي مهاتير محمد، أدت إلى تصدع في بنيان الحكم وإلى توجيه العديد من الانتقادات إلى التحالف وإلى الحزب الحاكم . وكثيراً ما عمدت السلطات الماليزية إلى اعتماد أساليب قاسية في معاملة المعارضين من أمثال أنور إبراهيم، وإلى التدخل في الانتخابات العامة لمصلحة مرشحي الحزب والتحالف الحاكمين . ولكن رغم ذلك، فهناك فوارق مهمة بين الأحزاب المهيمنة العربية، وبين حزب المنظمة القومية في ماليزيا ومن أهمها ما يلي:

* أولاً، إن الأحزاب الماليزية الممثلة في الحكم لها وزن شعبي وانتخابي حقيقي، فحزب المنظمة القومية يستند إلى تأييد قوي في الريف الماليزي، لأنه نجح في ضمان مصالح الفلاحين الملاويين وتحسين أوضاعهم بصورة ملموسة . وسعياً وراء تحقيق هذه الغاية، اعتمد الحزب الحاكم سياسة “التمييز الإيجابي” تجاه هذه الأكثرية العددية من سكان البلاد التي عانت إهمالاً تاريخياً . ولقد أثمرت هذه السياسة، إذ انتقل عدد كبير من الفلاحين الملاويين إلى مرتبة الطبقة المتوسطة بعد أن كانوا يعانون الفقر المدقع، وبادل هؤلاء الحزب الحاكم خدماته بالولاء الانتخابي والسياسي .

وفي الوقت الذي حققت هذه السياسة لحزب المنظمة القومية نجاحاً ملموساً في كسب تأييد قطاع واسع من الملاويين، فإنه قدم للأقليات الأخرى، وخاصة تلك المتحدرة من أصول صينية وهندية خدمات موازية، إذ إنه ضمن لهم ميزات لم يحظَ بها الصينيون والهنود في أي بلد آسيوي آخر، مثل “الرعاية الواسعة لحق هؤلاء في النشاط الاقتصادي والتجاري، ورعاية مصالحهم في الداخل والخارج، المساواة في المواطنة، والمشاركة الواسعة في الحياة العامة، والاحترام الكامل لحرية هذه الأقليات في كل ما يتعلق بأمور الدين واللغة والمؤسسات الثقافية”، كما يقول ا .ج .ملتون في كتابه “الإدارة والتنمية في ماليزيا” .

هذه السياسية لم تفد حزب المنظمة القومية فحسب، وإنما ساعدت أيضاً على إضفاء مصداقية عالية على حليفي حزب المنظمة القومية في الحكم، وقد استفاد هذان الحليفان وهما “رابطة الملاويين الصينيين” و”المؤتمر الملاوي الهندي”، إذ شعر الملاويون من أصل صيني أو هندي بأن الحزبين يمارسان دوراً حقيقياً وفاعلاً في شؤون البلاد وفي تمثيل القواعد الشعبية التي تساندهم في الانتخابات . هذه المصداقية كانت تترجم بنجاحات انتخابية مستمرة حصدتها الرابطة والمؤتمر .

خلافاً لهذا الواقع، فإن الأحزاب العربية المهيمنة والأحزاب الحليفة لها في الحكم لا تحظى بمثل هذا التأييد، ولا نجحت في الدفاع عن مصالح الناخبين والمؤيدين بما يوازي نجاح الحزب الماليزي المهيمن على القياد بذلك الواجب، بل اندفعت إلى خدمة مصالح شرائح صغيرة من المقربين إلى الحكم على حساب أكثرية المواطنين . وهذا أدى بدوره إلى عزلة هذه الأحزاب ومن ثم إلى المبالغة في استخدام مؤسسات الدولة، وخاصة الأمنية، من أجل الحفاظ على الحكم وعلى الأوضاع الراهنة .

* ثانياً، حقق الحزب المهيمن نجاحاً باهراً على الصعيد التنموي، فانتقلت ماليزيا خلال جيل واحد تقريباً، من بلد نام من بلدان العالم الثالث إلى نمر آسيوي ينافس دول العالم الأول في شتى المجالات، ويشق الطريق أمام نمور بازغة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . فخلال العقد الأخير من القرن العشرين احتلت ماليزيا المرتبة الخامسة بين بلدان العالم من حيث معدل نمو الناتج القومي فيها . وخلال العام 2010 احتلت ماليزيا جنباً إلى جنب مع السويد المرتبة السادسة والعشرين بين دول العالم من حيث حجم إنتاجها الصناعي .

النجاح هنا لم يقتصر على النمو الاقتصادي البحت، وإنما رافقه أيضاً اهتمام التحالف الماليزي الحاكم بضمان التقدم على صعيد تقديم الخدمات الاجتماعية للسكان والرعاية الإنسانية لحاجاتهم ومطالبهم . هذا ما دعا تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام 2010 عن ماليزيا وأهداف التنمية الألفية إلى النظر إلى تطور التنمية في ماليزيا منذ العام 1970 كقصة نجاح حقيقية . ولقد استند هذا التقييم إلى نجاح الحكومة الماليزية في تحقيق تلك الأهداف التي ركزت على وضع حد للفقر المدقع والاهتمام بأوضاع المهمشين والفقراء .

بالمقارنة مع قصة النجاح هذه، فإنه من الصعب العثور على قصة نجاح مماثلة حققها أي بلد من البلدان العربية التي حكمتها الأحزاب المهيمنة . على العكس من ذلك فإننا نجد أن أغلب هذه التجارب أفضت إلى أوضاع اقتصادية واجتماعية وأمنية متدهورة .

* ثالثاً، من أجل ضمان استمراره في الحكم، لجأ التحالف الماليزي الحاكم إلى الاستخدام الواسع للهندسة السياسية والانتخابية، وهذا ما كان موضع انتقادات داخلية وخارجية . ولكن التحالف الحاكم كان يلجأ إلى هذه الأساليب مع ترك هامش للمعارضين لكي يشاركوا في لعبة الحكم . وهذا ما عبّر عنه مهاتير محمد عندما قال إن ماليزيا بحاجة إلى حكومة قوية، ولكن هذه القوة إذا ما خرجت عن حدها المعقول فإنها سوف تتحول إلى ضرر كبير .

 

الأحزاب العربية المهيمنة، الراحلة والبديلة، خرجت بالقوة عن حدها المعقول فأوقعت نفسها وأوقعت المنطقة في الهاوية . وحتى تخرج المنطقة العربية من هذه الهاوية فإنها تحتاج إلى أحزاب تمتلك التأييد الشعبي والقدرة على القيادة، ولكن في الوقت نفسه تحترم صندوق الاقتراع وتترك له أن يقرر من هو الأولى بالحكم والأجدر بالسلطة .