"ثورة" في ذكرى الثورة / بقلم أحمد عبد الملك

"ثورة" في ذكرى الثورة / بقلم أحمد عبد الملك
"ثورة" في ذكرى الثورة / بقلم أحمد عبد الملك

"ثورة" في ذكرى الثورة / بقلم أحمد عبد الملك

حلّت الذكرى الثانية للثورة المصرية التي اندلعت في 25 يناير 2011 بما يُشبه «ثورة» جديدة رُفعت خلالها نفس الشعارات التي رفعها الثوار قبل عامين ومن أشهرها «الشعب يريد إسقاط النظام»! وعاشت العديد من المدن المصرية حالة من أحداث العنف، بدلاً من إقامة السرادقات وتوزيع «الشربات» احتفاءً بزوال حكم الديكتاتورية التي مثلها نظام مبارك لأكثر من ثلاثين عاماً. وعرفت المدن المصرية والقاهرة بالذات حالة من الترقب لما يمكن أن تؤدي إليه أعمال العنف والعنف المضاد من قبل رجال الأمن والجيش، بعد أن دفع الجيش المصري أعداداً من المدرعات عند مداخل المحافظات الحيوية والطرق الرئيسية في القاهرة الكبرى والسويس وبورسعيد وسيناء ومرسى مطروح والطرق المؤدية إلى أسوان. وكان متحدث باسم القوات المسلحة قد نفى وجود عناصر تابعة للقوات المسلحة على مداخل القاهرة، في إشارة لعدم تحرك الجيش ضد المتظاهرين، مشيراً إلى أن وجود تلك العناصر إنما هو لتأمين المحاور والطرق الرئيسية وحماية المتظاهرين، وهو إجراء احترازي لتأمين البلاد.

والمظاهرات الأخيرة -خلال الأسبوعين الماضيين- انطلقت في معظم المدن المصرية ورفعت شعارات عدة! ففي السويس كانت هنالك احتجاجات على «أخونة الدولة»، ومطالبة بإسقاط الدستور الذي وُضع بواسطة لجنة لم تضم كل القوى السياسية، وبذلك لم تمثل الشعب بشكل واقعي.

وفي سيناء احتشد المئات أمام مسجد الرفاعي في مدينة العريش يطالبون بإسقاط النظام، وهتفوا ضده وضد «الإخوان المسلمين»، وأكدوا أن أهداف الثورة لم تتحقق، حيث وقعت مناوشات بين مجموعة «التيار الإسلامي» والمتظاهرين، لكنها لم تصل إلى حد المواجهة.

وفي الإسماعيلية قام محتجون بحرق مقر حزب «الحرية والعدالة»، وهو الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين»، كما اقتحم محتجون مقر الموقع الإلكتروني للجماعة في القاهرة، وموقع «إخوان أون لاين» في التوفيقية، ونشبت صدامات بين أهل التوفيقية وبعض «الملثمين» الذين أحرقوا الموقع.

وفي يوم 27/1/2013 أعلن الرئيس المصري حالة الطوارئ في محافظات القناة لمدة 30 يوماً؛ بعد تواصل أعمال العنف في بورسعيد، أثناء تشييع 30 قتيلاً سقطوا في المواجهات التي اندلعت بعد صدور أحكام بالإعدام على 21 شخصاً اتهموا بقتل مشجعي النادي الأهلي ببورسعيد بعد مباراة في كرة القدم. وربط مسؤولون بين ما حدث في بورسعيد، وما حدث إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

وسجّل أيضاً يوم 27/1/2013 سقوط 41 قتيلاً وإصابة 1029 شخصاً بعد قرار المحكمة المذكور، بعد اشتباكات متعددة حدثت في كل من الإسماعيلية والزقازيق والمحلة الكبرى والقاهرة. وأوردت قنوات فضائية مصرية حالات لإطلاق الشرطة قنابل الغاز المسُيل للدموع ضد المعارضين لحكم «الإخوان» في ميدان التحرير. وطالب المتظاهرون بتحقيق أهداف الثورة التي قالوا إن الإسلاميين«خانوها». وزحف متظاهرون نحو مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي عزز الجيش تواجده على مداخله. كما قاومت الشرطة محاولة متظاهرين اقتحام منزل الرئيس في الشرقية (حسب قناة الميادين يوم 25/1/2013 ).

بعيداً عن المواجهات وثقافة العنف التي شوّهت وجه مصر الجميل، فإن حالة فقدان الأمن لم تسمح للحكومة -قصيرة العمر- بمعالجة تركة النظام السابق والمتمثلة في الفساد الإداري والمالي، وجمود بعض المؤسسات، وحالة الالتباس بين حتميات الأمن وضرورات بناء الدولة الجديدة، وكذلك ضرورة الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة. وهنالك انفلات إعلامي -على رغم قرارات حكومية بتوقيف بعض الفضائيات المعارضة للحكم- جذر الخلافات وغذى الاتهامات بين الحكم والمعارضة، وهذا الانفلات يصوّر مدى حجم «الفوضى الإعلامية» ويشوّش الرأي العام المصري والعربي، ويصب الزيت على النار بين الحكم والمعارضة.

وهنالك أيضاً 80 مليون رئيس في الشارع المصري! ما شكّل ظاهرة «الأنا» الأصح والأهم والأقوى!؟ وأوجد ظاهرة «البلطجية» التي لا تعترف بقوة رجل الأمن أو قوانين الدولة، ما يؤدي إلى إرهاب الشارع وتعثر الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون. كما أن عدم استقرار الثورة قد أدى إلى تصرفات سلبية لا تتلاءم مع المرحلة الجديدة والحرجة التي تمر بها مصر.

وكان النظام قد اتخذ قرارات رآها كثيرون على أنها مخالفات دستورية، مثل قراره في 9/7/2012 بعودة مجلس الشعب المنحل الذي واجهته المحكمة الدستورية برفض حاد، ما اضطر النظام قبول قرار المحكمة. ثم واجه حتمية إقالة رئيس جهاز المخابرات ومحافظ شمال سيناء وقائد الحرس الجمهوري وبعض العسكريين في 9/8/2012 على خلفية مقتل 17 جندياً مصرياً في هجوم مسلح على الحدود الشمالية الشرقية في 5/8/2012. وفي 12/8/2012 ألغى الرئيس إعلاناً دستورياً كان قد أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في شهر يونيو من ذات العام، وإحالة المشير طنطاوي وكبار قادة الجيش إلى التقاعد، وتعيين المستشار محمود مكي نائباً للرئيس.

وتوجت القرارات الرئاسية في 13/12/2012 بقرار بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود، بعد صدور حكم ببراءة جميع المتهمين في «موقعة الجمل»، لكن النظام تراجع عن قراره؛ نظراً لموقف المعارضة المخالف لوجهة نظره. وعلى رغم إقرار مشروع الدستور بنسبة 63,8 في المئة وموافقة وتوقيع الرئيس عليه، إلا أن الشارع المصري لم يهدأ، وأعمال العنف لم تتوقف!

وعلى إثر الأحداث المؤسفة في مصر دعا الرئيس المصري يوم 28/1/2013 أحدَ عشر حزباً وأربع شخصيات عامة إلى حوار وطني يوم الثلاثاء 29/1/2013؛ إلا أن جبهة الإنقاذ الوطني رفضت تلك الدعوة. كما وقعت القوى السياسية بمختلف توجهاتها في مصر الأسبوع الماضي وثيقة لنبذ العنف وجدول الحوار الوطني في مشيخة الأزهر، ما اعتبر ضربة قوية للرئيس بعد أن رفضت المعارضة دعوته للحوار. ووقع على الوثيقة قادة جبهة الإنقاذ الوطني، الائتلاف الرئيس للمعارضة المصرية، وهم البرادعي وصباحي وعمرو موسى، مع سعد الكتاتني رئيس «حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، وممثلين عن الكنائس المصرية وأحزاب مصرية أخرى. وخلص الاجتماع إلى ضرورة الالتزام بالمبادئ الوطنية والقيم العليا لثورة 25 يناير وحرمة الدماء. وواجب الدولة في حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة.

فهل تحتاج مصر إلى «ثورة» على الثورة التي يُعلن المعارضون أنها لم تحقق أهدافها؟ أم هل سيستمر الكرُّ والفرُّ بين 80 مليون شخص حتى تسقط حكومة «الإخوان» وتبدأ مرحلة جديدة تكون المعارضة الحالية في نفس القارب التائه الذي تركبه الحكومة الآن؛ ويخرج مؤيدو «الإخوان» إلى الشوارع مطالبين بـ«إسقاط النظام الجديد» من جديد؟