خبر قم ياسر عرفات قليلا ...

خبر قم ياسر عرفات قليلا ...
خبر قم ياسر عرفات قليلا ...

السيد ياسر عرفات/ رئيس دولة فلسطين حفظه الله

 

تحية الثورة وبعد...

 

أعلم سيدي أنك تنام هناك منذ ثلاثة عشر عاماً، وأن عضلات روحك ربما تيبّست قليلاً من طول الرقدة، لكن أمراً جللاً يحدث يستدعي قيامك الآن، فاعذرني على إزعاجك في مثل هذا الوقت.

 

 

أولاً، أحب أن أقدم اعتذاري عن الوقت الذي كنا فيه نقول عنك أشياء لا تليق بنا ولا بك، كنا أطفالاً ولا نفهم السياسة جيداً، وأظننا ما زلنا كذلك، وهذا ليس جديداً علينا، نحن العاطفيون الذين لا نمر باختبارٍ إلا وفشلنا فيه، نهبُّ غاضبين كشعلةٍ سرعان ما تذوي برفق إلى أن تنطفئ، حتى يأتي حدث آخر ليشعلها من جديد، وتعود إلى الانطفاء.

 

 

أرسل إليك هذه الرسالة باسم أمهات الأسرى اللواتي كنت تقبّل أيديهن ورؤوسهن حين يأتين إليك متضرعات، كنت تبتسم في وجوههن وتقول لهم بلهجتك نصف المصرية: الله؟ دول أولادي، إنتو بتوصوني على اولادي؟ فيخرجن معبآت بالأمل، وعلى وجوههن ابتسامة متحفظة، لكنها ابتسامة على كل الأحوال.

 

 

تحب أن تعرف سبب كتابتي لهذه الرسالة بالطبع، فأنا أعرف أنك تعشق التفاصيل ولا تدع شيئاً يفوتك، ببساطة، وكل ما في الأمر، أن امرأةً تجلس في خيمة الاعتصام بالأمس، تنهدت تنهيدة طويلة وقالت بعدها: قوم يا أبو عمار، بس شوف شو بيصير فينا وارجع... فقررت أن أوصل تنهيدتها إليك.

 

 

قال لك محمود درويش مرةً: "يا سيد الجمرة، يا سيد الشعلة، ما أوسع الثورة، ما أضيق الرحلة، ما أكبر الفكرة،  ما أصغر الدولة"، وإنها تضيق يا سيدي، وحتى أحلام الناس هنا بدأت تضيق، وبدأوا يستعينون بالشهداء بعد أن فقدوا الأمل في الأحياء، إن العالم يتداعى علينا من الخارج كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وإسرائيل تتداعى علينا من الداخل، ونحن نتداعى على بعضنا، لم يعد لدينا خيط ناظم مثلما كنت أنت في أكثر الأوقات حلكةً، نحتاجك الآن، نحتاجك فكرةً تعلو بنا من هذا الحضيض الذي لا نرى له حافةٍ، إننا نغرق يا سيدي.

 

 

أولادك الأسرى مضربون عن الطعام منذ... أخجل أن أقول لك الرقم، أولاً لأنك بالتأكيد تعرفه، وثانياً لأنك ستصرخ في وجهي حين تسمعه مني: وانتو ازاي تسيبوهم لوحدهم كل الوقت دة... إنتو معندكوش دم؟ وانا قعدت أقول شعب الجبارين شعب الجبارين... باين كنت بتكلم على شعب تاني...

 

 

إنهم يفقدون لحمهم في الهواء، إنهم يتبخرون، وما زالوا يضعون صورك أو يتخيلونها في زنازينهم الضيقة، وبالمناسبة، اسمك ما زال يتردد كثيراً، خصوصاً هذه الأيام، وأعرف أن هذا ليس جديداً عليك، لكني قلته من باب الأمانة في نقل ما يحدث.

 

 

الفصائل والأحزاب، هذه نقطة لا أريد الخوض فيها لأنني أعرف أنك ستفقد توازنك حين تسمع عنهم...

 

 

الشهداء تكاثروا في الطرقات وفي المقابر، وأم أحد الأسرى يا سيدي كانت عمياء، وتعيش وحدها في مخيم الشاطئ في غزة، وممنوعة من زيارة ابنها، وكان راتب ابنها الأسير مقطوعاً، أعرف أنك ستفتح عينيك على وسعهما حين تسمع ذلك، ولن ينفع صراخك عليهم، لأنها ماتت يا سيدي، ماتت دون أن ترى ابنها لخمسة عشر عاماً، وحدثتك عنها كحالة، كنموذج ليس وحيداً، وربما أضيف شيئاً صغيرا، هل تعرف كيف عرف الناس أنها ماتت؟ لقد افتقدوها في يومها الأخير في خيمة الاعتصام.

 

 

الشهداء تكاثروا في الطرقات والمقابر يا سيدي، ولم تعد لدينا القدرة حتى على الرد إعلامياً على رواية أعدائنا، إنهم يصولون في كل مكان، من الإعلام حتى بيوتنا، ونحن نتفرج كأننا غيرنا، ولم نعد نملك القدرة على الصراخ، وإن صرخنا، فمن أجل هدف في مرمى فريق ليس لنا، من فريق ليس لنا.

 

 

أريدك أن تصحو قليلاً، ربما لسبع وثلاثين دقيقة فقط، وتنظر حولك، وتحاول أن تقول شيئاً، فالوقت يخزقنا الآن جميعاً، والأفق مسدود من كل جهة، وربما تعرف أيضاً أن أمريكا جاء لها رؤساء جدد، منهم هذا الأخير الذي يريد أن يسطو على بنوك العالم، ويصنفنا فرداً فرداً، لكن هذا موضوع آخر ربما نحكي فيه في رسالة أخرى.

 

 

أريدك أن تقوم لتصل آخر الممر الطويل المؤدي إلى نومك، وتقول للناس الذين لم تعد لديهم القدرة على الاحتمال: ترونها بعيدة وأراها قريبة، قل هذا فقط لهم وعد إلى موتك، وصدقني إنهم سيصدقونك إذا قلت هذا، لأن أحداً غيرك لم يقله منذ أن قررت أن تنام.

 

 

كتب: خالد جمعة