حالة مصر الاقتصادية ... بقلم دكتور عبدالله جمعة الحاج

حالة مصر الاقتصادية  ... بقلم دكتور عبدالله جمعة الحاج
حالة مصر الاقتصادية ... بقلم دكتور عبدالله جمعة الحاج

حالة مصر الاقتصادية  ... بقلم دكتور عبدالله جمعة الحاج

بعد مرور سنتين على اندلاع الثورة، أصبحت مشكلة مصر الاقتصادية صعبة ومخيفة، فالأسواق العالمية تتنبأ بانهيار الجنيه بمعدلات قياسية تصل إلى 75 بالمائة من قيمته التي كان عليها قبل الثورة، وتتسبب عوامل من قبيل هروب النقد الأجنبي إلى الخارج والعجز في الميزان التجاري الخارجي في نضوب احتياطيات النقد الأجنبي لدى الدولة.

 وقبل كتابة هذا المقال بمدة وجيزة، كنت استمع إلى أحد أساتذتي السابقين من خبراء الاقتصاد المصري المرموقين، وهو يقول بأن الإنسان المصري يعيش هذه الأيام على دولار أميركي واحد في اليوم، نصفه ينفق على الغذاء، وهو أمر مخيف ويعكس تدهوراً في أسعار السلع الضرورية التي قد تصبح خارج متناول يد عشرات الملايين من الشعب، برغم من نظام دعم السلع الضرورية المكثف الذي تقوم به الدولة.

الأوضاع لا تبدو مطمئنة، فالمشكلة غير قابلة للاحتواء لو استمرت الحالة على ما هي عليه، فالمصرف المركزي المصري استنفذ جميع الأدوات المتاحة لديه للاقتراض من السوق المحلية، وهو يصارع مع المانحين المحتملين لضخ المزيد من العملات الصعبة القادمة من الخارج في الاقتصاد الداخلي. ونتيجة لذلك، وبغض النظر عن الأحاديث الفضفاضة والإنشائية التي تطلق فإن مصر مقبلة على انهيار مالي أسوة بما تمر به اليونان، مع فوارق جوهرية هي أن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو وتقوم بتصدير الغذاء، في حين أن مصر تستورد نصف استهلاكها الداخلي من المواد الغذائية.

ما أريد قوله إن مصر في وضع اقتصادي خطير وغير مسبوق ومقبلة على كارثة اقتصادية «مثالية»، فهي تستورد نصف استهلاكها من السعرات الحرارية، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم رغم أنها دولة زراعية. في فبراير عام 2012 ، قال أحد قياديي «الإخوان» المسلمين في مصر محذراً بأن الانهيار الاقتصادي القادم سيحول الثورة السلمية التي حدثت إلى ثورة جياع. وما يزيد الطين بلة، أن مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض عاجلة متعثرة، ولكن حتى تدخل صندوق النقد الدولي سيفعل القليل لطمأنة المستثمرين. ففي فبراير من العام الماضي قال وزير المالية المصري، إن بلاده في حاجة إلى ما يزيد على 11 مليار دولار تقريباً من الدعم الخارجي، وهو مبلغ قد يكون تضاعف هذا العام، فكيف سيتم توفيره؟

 من غير المحتمل أن تقوم أطراف خارجية كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون بتقديم هذا الحجم الضخم من المساعدات المطلوبة لمنع حدوث الانهيار الاقتصادي المحتمل، فعلى غير شاكلة الأقطار الأخرى المهددة بالمخاطر الاقتصادية والمجاعة، نجد أن حاجات مصر الاقتصادية ضخمة جداً لكي يتمكن العالم من تحمل أعبائها لفترة طويلة. ولتلخيص الحالة، مصر واقعة الآن في دوامة متصلة، فتعثرها الاقتصادي ومشاكلها الاجتماعية المتفاقمة تجعلها مكشوفة أمام أسعار السلع المستوردة وتوقف السياحة، وتساهم في عدم استقرارها السياسي للسنتين الماضيتين.

 وبدوره فإن عدم الاستقرار يفاقم من المشكلة الاقتصادية عن طريق عرقلة مصادر مفصلية من العملات الصعبة. وعلى مدى المستقبل المنظور يبدو بأن صناع السياسة حول العالم الذين توجد لدولهم مصالح في مصر مجبرون على تقبل مقولة، إن حالة التدهور التي تمر بها مصر اقتصادياً وسياسياً، تقع الآن خارج نطاق دائرة الحلول السريعة الناجعة.