عامان على ثورة الخامس والعشرين من يناير ...د. صالح سليمان عبدالعظيم

عامان على ثورة الخامس والعشرين من يناير ...د. صالح سليمان عبدالعظيم
عامان على ثورة الخامس والعشرين من يناير ...د. صالح سليمان عبدالعظيم

عامان على ثورة الخامس والعشرين من يناير ...د. صالح سليمان عبدالعظيم

يصادف يوم الجمعة، «احتفال» المصريين بمرور عامين على ثورة الخامس والعشرين من يناير. لا ندري هنا مدى صحة الكلمة «احتفال» في توصيف هذا الحدث، الذي أصبح يرتبط بمشاعر مزدوجة تجمع بين السعادة والحزن، والتفاؤل والتشاؤم، والمقارنة بين الماضي القريب الذي اندلعت الثورة ضده، وما آلت إليه الأوضاع في ظل هيمنة الإخوان على مقاليد السلطة في مصر، من تدهور حاد وسريع ومتلاحق للحياة اليومية للمصريين.

وعموماً، يأتي هذا الموعد والمصريون قد وصلوا لأسوأ أحوالهم التي لم يروا مثيلاً لها منذ عقود طويلة، بما في ذلك هزيمة الخامس من يونيو 1967. وبجردة سريعة، يمكن القول إن المصريين يواجهون أوضاعاً متشابكة ومتراجعة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. ورغم اعتياد المصريين على سوء الأحوال الاقتصادية وتكيفهم المذهل مع تلك الأحوال.

فإن المخيف الآن أنهم لم يستطيعوا أن يتكيفوا مع الصراعات السياسية والتمزقات الاجتماعية، التي ترتبط بالأحاديث المخيفة عن احترابهم واشتعال العنف المدني المرتبط بفجاجة الإعلان عن تقسيم مصر ذاتها. وهي أحاديث كانت مصر في منأى عنها، ولم يكن من المتصور في يوم من الأيام أن يتم الحديث عن مثل هذه التصورات المخيفة في ما يتعلق بمصر، التي يرتبط ذكرها بالاستقرار والتوحد عبر التاريخ.

ويمكن توصيف الوضع الحالي لمصر بعد مرور سنتين من عمر الثورة، على النحو التالي الذي يرصد أبرز معالم المشهد، وأكثرها وضوحاً وتأثيراً:

1- التفكك الشديد لأركان الدولة المصرية؛ فلأول مرة عبر التاريخ المديد لأقدم دولة مركزية في التاريخ، يشعر المصريون بأنهم لا ينتمون لدولة موحدة مركزية، صارمة في التعامل في ما يتعلق بالأمن وتوفير الأمان لمواطنيها. والدلائل على ذلك عدة؛ من اعتصامات وتظاهرات وتجمعات ومشاجرات وغيرها من أشكال الرغبات الجامحة، خصوصاً في وجه القبضة الأمنية.

صحيح أن الجهاز الأمني يتحمل جزءاً من المشكلة، لكن الدولة ذاتها لم تقدم ما يخضع مواطنيها، ويلين توجهاتهم تجاهها. واللافت للنظر هنا أن تلك الحالة واضحة المعالم بشكل كبير في العاصمة، حيث الغليان والتوترات والعنف في كل ساعة وكل منطقة.

والأمر لا يتعلق فقط بالنشطاء السياسيين والمضربين والمعتصمين، لكنه يرتبط أيضاً بالباعة الجائلين الذين احتلوا شوارع القاهرة ومناطقها المختلفة، دون أن يستطيع الأمن التعامل معهم، كما لم تقدم لهم الدولة أية بدائل اقتصادية جديدة، تجعلهم في منأى عن مواجهتها وتكدير حالة الأمن العام. إن ألف باء التنمية والتحول، هو شعور الفرد بالدولة، وهذا الشعور لا يتأتى إلا بسيادة القانون، وهو أمر ما زال بعيداً عن ساحة الدولة المصرية، وعن جملة ممارساتها اليومية.

2- تؤدي الحالة السابقة إلى مستوى جديد وخطير لم يعهده المصريون بمثل هذا الشيوع وتلك الجرأة، يتمثل في أن كل فرد «بيعمل إللي على مزاجه»، دون خوف من قانون أو من جزاء، وهنا يستند الكثيرون إلى الحالة الثورية بشكل عبثي لا يمت بصلة للثورة والآمال المتعلقة بها. إن أكثر ما يخيف اليوم، يتمثل في افتقاد المصريين القدرة على الانصياع اليومي للقانون.

والشعور بالخوف من تجاوزه أو الاعتداء عليه. وهنا تتساوى كافة التيارات السياسية في هذا المجال، إسلامية أو ليبرالية أو غيرها. فالجميع يستخدم شعارات الثورة في تحقيق ما يعن له، بغض النظر عن الأضرار التي تحيق بالمجتمع وتؤثر فيه سلبياً.

3- يسود شعور عام بالإحباط بين المصريين، الذين ما كانوا يتصورون أن ينتهي الحال بثورتهم إلى ما آلت إليه. فمشاعر الفخار والوطنية والقدرة على التغيير، تبخرت إلى مشاعر إحباط عارمة، ربما وصلت لدى الكثيرين إلى الندم على القيام بالثورة من أساسه، وهو أمر أوصلنا إليه العديد من القوى الداخلية والخارجية على السواء، لكن يتحمل وزره الأكبر القائمون على سدة الحكم الآن.

4- وفي ظل هذا الوضع المخيف، لا تقدم السلطات السياسية الحاكمة في مصر أية تصورات مستقبلية داعمة للأمل، بقدر ما تقدم خطوطاً عامة غامضة، مرتبطة برغبتها العبثية في القبض على الدولة المصرية وسيادة مشروعها الإسلامي غير واضح المعالم، وغير المناسب للحالة المصرية الآن.

5- وحتى لو استطاع القائمون على سدة الحكم، أخونة الدولة، والسيطرة على مفاصلها الرئيسية، فالسؤال هنا هو: وماذا بعد؟ هل يقدمون حلولاً اقتصادية وسياسية واجتماعية ناجعة، تشيع أجواء من الثقة والطمأنينة في غد أفضل؟

العكس هو الصحيح، حيث تبدو المأساة الأكبر التي وصل إليها المصريون بعد عامين على ثورتهم المجيدة، ألا وهي التدهور الحاد للوضع الاقتصادي المصري، وهو تدهور يرتبط بارتفاع حاد لمعدلات الجريمة والإفقار المتواصل، وهو ما يرتبط بالتوقعات بالغة الخطورة، التي توفر تربة خصبة لسيناريو التقسيم، المرتبطة بثورة الجياع المقبلة.

فهل يحدث ذلك، أم أن الله يحمي مصر دائماً كما يتصور المصريون أو يتخيلون؟!