خبر خجل بلا حدود – فهمي هويدي

خبر خجل بلا حدود – فهمي هويدي
خبر خجل بلا حدود – فهمي هويدي

خجل بلا حدود – فهمي هويدي

يتوارى المرء خجلا حين يقرأ أن بلجيكا أعلنت عن اعتزامها الدعوة إلى عقد مؤتمر لدعم غزة إنسانيا واقتصاديا.

 

 الخبر أعلنه وزير خارجية بلجيكا ديدييه رينديرس فى مؤتمر صحفى عقده يوم ١٠ مايو الحالى أثناء زيارته لحى الشجاعية الذى نال أكبر قدر من التدمير أثناء العدوان الإسرائيلى على القطاع فى صيف عام ٢٠١٤.

 

 لم يكن الإعلان عن الدعوة للمؤتمر السبب الوحيد للخجل لأن الرجل ذكر معلومة أخرى رفعت منسوبه، حين قال إن المشاركين فى المؤتمر سيكونون خليطا من رجال الأعمال الفلسطينيين والأوروبيين والإسرائيليين.

 

 وإذ يفترض أن يصيبنا ذلك بالدهشة لأول وهلة لأن العرب لم يذكروا ضمن الحضور.

 إلا أن تدهور مكانة القضية الفلسطينية ضمن أولويات الأجندات العربية خلال السنوات الأخيرة قلب أوضاعا كثيرة، فى ظلها أصبح اللامعقول معقولا وصار العبث واقعا ملموسا.

 

يتضاعف شعورنا بالخجل الذى يمتزج بالحزن حين نقرأ أن ثلاثة أطفال أشقاء احترقوا وهم نيام فى غزة بسبب اشتعال النيران فى حجرتهم جراء استخدام الشموع فى الإضاءة للتغلب على أزمة التيار الكهربائى فى القطاع الناشئة عن شح الوقود.

 

 الثلاثة من عائلة الهندى هم يسرى (٣ سنوات) ورهف (عامان) وتامر سبعة أشهر.

وهم من سكان مخيم الشاطئ الشمالى الواقع غرب مدينة غزة.

 

وهم ليسوا أول ضحايا كارثة أزمة الكهرباء، لأن مأساة عائلة ضهير التى تسكن حى الشجاعية أكبر،

 ذلك أن بيت الأسرة احترق بكامله الأمر الذى أدى إلى موت الأب حازم وزوجته سمر وأطفالهم الأربعة الذين تراوحت أعمارهم بين شهرين وسبع سنوات.

 

لا يفارقنا الشعور بالخجل حين تصدمنا تصريحات المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمى ارناين كوزين عن أعداد الجياع فى العالم العربى

 

 إذ نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» فى ١٠ /٥ حوارا معها ذكرت فيه أنه خلال العام الأخير أصبح فى اليمن ٣ ملايين شخص يعانون من الجوع بسبب الحرب الدائرة هناك.

 فضلا عن أن ٦ ,٧ من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات غذائية بما يعنى أن كل أربعة يمنيين بينهم ثلاثة أصبحوا يعانون من الفقر..

إلى جانب هؤلاء فثمة ٧ ، ٨ مليون سورى يحتاجون إلى مساعدات غذائية.

 

أدرى أن الصورة تبدو أكثر قتامة إذا طالعناها من زوايا أخرى

إذ قد يقول قائل إن الجياع والذين يعانون من الفقر حالهم أفضل من الذين قتلوا فى الحروب الأهلية والتفجيرات أو من نظائرهم الذين غرقوا فى عرض البحر هربا من الجحيم ولم تعرف أعدادهم بعد،

 

وهذه نقطة صحيحة إلا أن حزننا على الضحايا الذين فقدوا حياتهم لا ينبغى له أن يصرف انتباهنا عن ملف الذين يعانون من الجوع ومرشحون للموت البطىء،

 

 ذلك أنه إذا لم يكن بمقدورنا أن نفعل شيئا للذين فقدوا حياتهم، ولنا أعذارنا فى ذلك لأسباب مفهومة،

 إلا أننا نستطيع أن نفعل الكثير لإغاثة المحاصرين فى غزة أو الذين يعانون من الجوع فى اليمن وسوريا ولا عذر لنا إذا تقاعسنا فى النهوض بذلك الواجب.

 

 وما الدعوة التى أطلقها وزير الخارجية البلجيكى إلا نموذجا لبعض ما يمكن فعله للدفاع عن إنسانية أهل غزة، أو لإغاثة ضحايا الجوع فى اليمن وسوريا.

 

أدرى أن السعودية تبذل جهدا إغاثيا فى اليمن، حيث قرأت أنهم اعتمدوا لذلك ١٤٢ مليون دولار،

كما أن قطر لها نشاطها الإغاثى فى قطاع غزة،

 

إلا أن ملاحظتى الأساسية أن العمل العربى المشترك الذى لا وجود له سياسيا واقتصاديا عجز أن يثبت حضوره على المستوى الإنسانى.

 

 فالدول غابت تماما عن المجال الإغاثى.

 أما منظمات المجتمع المدنى فى العالم العربى، إذا وجدت، فإن نشاطها يخضع للحسابات السياسية بأكثر من خضوعه للاعتبارات الإنسانية.

 

وكانت نتيجة ذلك أن التعامل مع المليونى فلسطينى المحاصرين فى غزة أصبح محكوما بطبيعة علاقة الأنظمة مع حركة حماس،

أما فى حالتى سوريا واليمن فإن ضلوع بعض الأنظمة العربية فى الصراعات الدائرة فيها أثر على أولوياتها، فضلا عن أن أداءها كان من بين أسباب الأزمة.

 

الخلاصة أن العرب بأنظمتهم وجامعاتهم وهيئاتهم الإغاثية وقفوا جميعا موقف المتفرجين إزاء «النكبة» الجديدة التى تمثلت فى عذابات أهل غزة ومجاعات الملايين فى اليمن، وسوريا،

 

 وكانت نتيجة ذلك أن الدول الغربية، والمنظمات الدولية التى باتت تمسك الآن بمفاتيح الحل السياسى للصراعات الراهنة. صارت هى المرشحة للنهوض بما هو إغاثى وإنسانى، حتى بدا وكأن العالم العربى تحول إلى عبء على المجتمع الدولى.

 

يلاحقنا الشعور بالخجل حين نطالع التسابق المثير والمدهش بين الدول العربية على عقد صفقات شراء السلاح من الدول الغربية.

 

وهو التسابق الذى تهدر فيه مليارات الدولارات (السعودية وحدها رفعت قيمة مشترياتها من السلاح فى العام الأخير من ٦٠ إلى ٩٠ مليار دولار)،

 

 ومن المفارقات أنه فى حين تتباهى بعض دولنا بتقديم ترتيبها فى مضمار القوة العسكرية، فإن الجميع يعرفون أنه إذا جد الجد فإن تلك الدول ستعتمد فى الدفاع عن نفسها على الحماية الغربية والقواعد العسكرىة الأجنبية المنتشرة على أراضيها.

 

لا أرى افقا فى الأجل المنظور لحل مشكلات المعذبين والجياع فى العالم العربى. التى هى من ثمار بؤس أوضاعنا السياسية المتردية.

 

 وهذا التشخيص إذا صح فإنه يدعونا إلى تصحيح أوضاعنا أولا إذا كنا جادين فى القضاء على تلك المشكلات،

 

الأمر الذى يضعنا أمام تحد أكبر وأكثر تعقيدا، ويعنى فى الوقت ذاته أن انتظارنا سيطول بحيث يلازمنا الشعور بالخجل والحزن إلى أن ياتى الله بفرج من عنده.