خبر القرار الذي غير وجه التاريخ... إعداد: أطلس للدراسات

الانسحاب من غزة
الانسحاب من غزة

القرار الذي غير وجه التاريخ

 إعداد: أطلس للدراسات 

هذا العام هو المتمم لعشرة أعوام على خطة الانفصال الإسرائيلي أحادية الجانب عن قطاع غزة، والذي جرى في أغسطس - سبتمبر 2005، في ذروة الانتفاضة الثانية، وتم بموجبها إخلاء قطاع غزة من التواجد الإسرائيلي، واعتبر ذلك بديلًا عن الانتظار حتى تجدد المفاوضات السياسية مع منظمة التحرير والانسحاب من قطاع غزة من خلال اتفاق معها.

كيف تبدو النتائج اليوم؟ وهل كانت بمستوى الآمال والتوقعات التي توخاها صانعو القرار في الكيان الإسرائيلي على المجالين الأمني والسياسي؟

خلال متابعتنا لمركز دراسات الأمن القومي، نقدم قراءة تحليلية لدراسة إسرائيلية صدرت مؤخرًا عن المركز، أعدها أحد الباحثين المرموقين في المركز، خلصت الى خطأ القرار، الدراسة الإسرائيلية بحثت في خطة الانفصال، وتفحصت مدى نجاحها بعد مرور عشرة أعوام، وذلك وفق منهجية عرضت للأهداف والتوقعات كما ورد في وثيقة خطة الانفصال التي حظيت بمصادقة حكومة الاحتلال في حينه (يونيو 2004) وقارنتها بالنتائج، أي الوضع الراهن، ثم ختمت الدراسة بالعبر المستقاة للمستقبل بشأن الاستراتيجية الإسرائيلية أحادية الجانب كخيار على الساحة بالضفة الغربية.

والنتيجة كما تقول الدراسة "قطاع غزة أخلي من التواجد الإسرائيلي، ولكنه عمليًا ما يزال مرتبطًا بإسرائيل، ومازالت غزة صامدة، تمثل عبئًا أمنيًا وسياسيًا ثقيلًا على كاهل الاحتلال"، وهذا يشهد ببراعة المقاومة ونجاحها في قلب السحر على الساحر، وجعل غزة ساحة رئيسية في مواجهة المشروع الصهيوني.

نتائج الانفصال – كما تقول الدراسة - تثير الشك حول الافتراض الشائع بأن الجيش الإسرائيلي عرف كيف يوفر لإسرائيل دفاعًا كافيًا من كل خط تقرر دولة الاحتلال الانسحاب منه، وتزيد الشكوك حول جدوى عملية أحادية الجانب مشابهة في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) في حال طرح مستقبلًا على جدول الأعمال.

وقبل ان نستعرض تفاصيل الدراسة؛ نشير - في مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية - إلى خطأ الافتراض الأساسي الذي وقع فيه الباحث وبنيت عليه الدراسة، حيث يفترض الباحث أن شارون كان في وضع يسمح له بالاختيار بين الانسحاب أو الانتظار، انتظار التوصل الى اتفاق مع السلطة، الباحث يتجاهل حقيقة الظروف التي أجبرت شارون وحكومته على الهروب من غزة بأي ثمن بعد أن أصبح عاجزًا عن توفير الحماية، ليس للمستوطنين الذين أصبحوا صيدًا ثمينا لقوى المقاومة الفلسطينية فقط؛ بل لمقرات ومواقع الحكم العسكري وقوات الجيش، فلم يعد مفر أمام شارون وجيشه إلا الفرار بجلده، وحتى المآخذ التي سجلتها الدراسة على عدم مواصلة السيطرة على محور فيلادلفيا أو إعادة احتلاله لمنع تهريب السلاح والوسائل القتالية، فهذا الافتراض يبدو أيضًا متعذرًا، فالسلاح والعتاد جرى تهريبه وبكثافة، حتى مع تواجد قوات الجيش وأذرع الأمن في غزة، وموضوع إعادة السيطرة على محور فيلادلفيا بحث طويلًا في دوائر الجيش، ولو كان من الممكن التنفيذ العملاني للخطة لما تردد الجيش الإسرائيلي الذي اكتفى بمحاولات تدمير الأنفاق ومنع التهريب عبر سلاح الطيران والضربات الجوية، والتي ثبت فشلها.

الفكرة أن الانسحاب كان بسبب العجز وانعدام الحيلة، ولم يكن كما أراد شارون والحكومة تسويقه على انه خيار الواثق والمناور، وكل المبررات والفرضيات التي وردت في سياق الخطة في الأغلب فقط لرد الاعتبار لهيبة الجيش وخداع المجتمع الإسرائيلي وحفظ وجه القائد الأسطوري "شارون"، وحتى إشارة الدراسة الى معارضة بعض المستويات العسكرية للخطة فهو أيضًا من قبيل الحديث الدعائي؛ إذ لم يكن بمقدورها تقديم أي بديل، والتعويل بأنه كان يجب التنسيق مع السلطة الفلسطينية  فهو أيضًا محل نظر، إذ ان السلطة كانت مضعضعة وفي أضعف مراحلها ولم يكن بمقدورها أن تقوم بأي وظيفة أمنية، وهذا ما كان يدركه قادة الأجهزة الأمنية.

صحيح أن شارون ظن أن التعامل مع غزة وإمكانية إخضاعها من الخارج أكثر سهولة بعد أن فشل في كسر إرادتها من الداخل وحطمت قلب كيانه، وهي المعادلة التي نجحت المقاومة في نسفها. المسألة الأخيرة التي تغفلها الدراسة ويغفلها الإسرائيليون أن تقوي المقاومة الفلسطينية المناوئة للاحتلال ليس مرتبطًا بالانفصال أو عدمه؛ وإنما ببقاء الاحتلال ذاته، وما جرى في غزة سيجرى في الضفة وباقي فلسطين المحتلة بهذا الشكل أو ذاك، والمسألة مسألة وقت ليس أكثر، فكما ان شرارة الانتفاضة واندلاع المقاومة من غزة كانت مباغتة ومفاجئة حد الذهول لأجهزة الأمن وقوات الاحتلال في حينه ولم تكن تخطر أبدًا على بال أحد؛ فكذلك الحال في بقية الأرض الفلسطينية، ورغم كل الجهود الاستشعارية على مدار الساعة، يظل من الصعب التنبؤ بالانفجارات والتحولات الكبيرة أو رصد مساراتها.

القرار الذي غير وجه التاريخ