نعم .. دفاعاً عن «الأونروا» !! هاني حبيب

نعم .. دفاعاً عن «الأونروا» !! هاني حبيب
نعم .. دفاعاً عن «الأونروا» !! هاني حبيب

كلما مرت وكالة الغوث بأزمة مالية، تذكرت وثيقة «لندسي»، أكثر من مرة كتبت حول هذه الوثيقة في «الأيام»، والآن لا بد من استعادتها باختصار للإطلال على بعض أسباب أزمة الأونروا المالية، لندسي هذا عمل مستشاراً قانونياً في وكالة الأونروا بين عامي 2000 و2007، وقد قدم تقريراً بعد انتهاء عمله نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يشير التقرير إلى أنه لم تعد هناك حاجة لوكالة الأونروا، بعدما بات للفلسطينيين وطن حسب اتفاق أوسلو، إذ يجب على اللاجئين العودة إلى «هذا الوطن» وتنتفي صفة اللاجئين عن هؤلاء الذين هُجِّروا عام 1948، أو على الأقل وكحد أدنى يجب إلغاء صفة لاجئ عمّن لديه جنسية أخرى، وهذا يعني معظم اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، ومئات الآلاف في لبنان، وتقدم الوكالة خدماتها ليس لكل لاجئ ممن تبقوا حسب المعايير السابقة، بل لمن هو بحاجة لها، بصفة خيرية فردية وليس بصفته لاجئاً، وعلى الوكالة التدخل في المناهج التعليمية بمدارسها وفقاً لسياستها، في هذا السياق، أشار تقرير «لندسي» إلى أن الوكالة لم تعكس أهداف السياسة الخارجية الأميركية باعتبارها أكبر متبرع لها!!


كانت الولايات المتحدة، في ذلك الوقت المتبرع الأكبر للوكالة وتغطي حوالي 75% من ميزانيتها، إلاّ أنه ومنذ العام 2013، فإن الاتحاد الأوروبي ودوله بات المتبرع الأكبر بما يعادل 42.7% من دخل الوكالة المقدر بـ 1.18% مليار دولار، تراجع التبرعات الأميركية هو شكل من اشكال العقاب للوكالة التي رفضت تقرير لندسي، وفندته واعتبرته مخالفاً لطبيعة إنشاء الوكالة من قبل الأمم المتحدة، الوكالة هي التي تصدت بالقول والفعل، لمحاولات وضع مقترحات وتوصيات لندسي موضع التنفيذ، وهذا يجب وبالضرورة أن يقودنا إلى نتيجة بالغة الأهمية في هذه الفترة العصيبة والحساسة، الأونروا ليست مشاركة في مؤامرة إنهاء قضية اللاجئين، بل هي حريصة على بقاء هذه القضية وتقف في وجه كافة المؤامرات الداعية إلى إنهائها، خلافنا كفلسطينيين يجب أن لا يكون في مواجهة مع الوكالة، بل مع المتبرعين والمقصّرين. 

متبرعون البعض منهم يتردد فيدفع ما تعهد به لأسباب اقتصادية، وآخرون، بهدف إخضاع الوكالة لسياساتهم والضغط على الشعب الفلسطيني للاستجابة لسياساتهم، ومقصرون، دول عربية في الغالب، تعبوا من دعمهم المحدود وربما أرادوا الشعب الفلسطيني للاستجداء والإعراب عن الولاء لهم، في كل الأحوال، يجب أن يكون واضحاً أن ما يقال عن مؤامرة، هي مؤامرة على الأونروا وليس من الأونروا، ويجب الوقوف خلفها في مواجهة هذه المؤامرة، وفي إفشال مخططات الولايات المتحدة وإسرائيل لإنهاء عمل الوكالة، كبداية وشرط لإنهاء ملف اللاجئين، إن الفلسطينيين بحاجة إلى الأونروا، حاجتهم إلى الإبقاء على قضية اللاجئين كجوهر للقضية الفلسطينية على اختلاف تفرعاتها.


ولدى كل أزمة مالية تعاني منها الوكالة، والإعلان عن الاضطرار لتقليص خدماتها في هذا الجانب أو ذاك، ترتفع الأصوات ضد الوكالة، وكأنها الخصم والعدو، وفي كل مرة، تطرح مسألة رواتب موظفيها الدوليين، الذين يبتلعون ميزانيتها، وبالفعل، فإن رواتب موظفيها الدوليين، كبيرة بمقياس الدخل الفلسطيني، لكنها تتوازى مع هيكلية رواتب المنظمة الدولية الأم، وبالقياس، فإن رواتب موظفي الوكالة المحليين، هي أعلى من مستويات الدخل المحلي.. هل هذا صحيح أم لا؟!


مع ذلك، ولذلك، سارعت الوكالة، هذه المرة على الإعلان عن أن 85% من إجمالي عدد موظفيها الدوليين البالغ عددهم 137 موظفاً، والذين يعملون بعقود قصيرة الأجل، سيفصلون من العمل، وعلى مراحل تنتهي نهاية الشهر القادم، أيلول.


الأخطار المباشرة جراء الأزمة الحالية، تتعلق بملف التعليم، وهو الملف الأهم، لدى الوكالة، ولدى اللاجئ الفلسطيني الذي لم يعد لديه أي استثمار بعدما خسر الأرض والوطن، إلاّ الاستثمار في تعليم الأجيال المتعاقبة، وهذا يطال نصف مليون طالب فلسطيني، إلاّ أن هذه الأخطار المباشرة، تنطوي على أخطار غير مباشرة، أشد خطورة، فالطفل الفلسطيني الذي لا يذهب إلى المدرسة، ستفتح أمامه آفاق الفصائل الإرهابية كخيار تسعى هذه الفصائل لاستثماره ولديها من الأدوات والوسائل كل ما من شأنه إلحاق أعداد كبيرة من العاطلين عن التعليم إلى صفوفها، وهذا خطر على الفلسطينيين، كما هو خطر على السلم الدولي، ولعلّ في ذلك، ما يدعو الدول التي تقول إنها تحارب الإرهاب، إلى الوفاء بالتزاماتها وتزيد من دعمها لوكالة الغوث، إذا أرادت حقاً أن تحارب الإرهاب وهو في المهد، على الأقل في الساحة الفلسطينية.


الأزمة الحالية، مالية في الأساس، ولكنها، أيضاً، أزمة افتعلتها الدول المانحة، وليس الأونروا، مقدار العجز مائة مليون دولار، وهو مبلغ أقل من بخس بحسابات الدول، وحتى «الشركات الصغرى» وهو مبلغ يعتبر «بقشيش» أكثر منه عجزا في ميزانية، لكنه مبلغ كاف، لدرء أخطار التجهيل لنصف مليون طالب فلسطيني ومئات آلاف الموظفين خاصة المعلمين منهم، من هنا فإن الشعب الفلسطيني، جمهوراً وقيادة، عليه أن يساند الأونروا في مسعاها لسد العجز المالي، وبدلاً من التظاهر ضد الوكالة، يجب التظاهر ضد الدول المانحة والعربية منها على وجه الخصوص.