المثقفون ضمير الشعب وحُماة الهوية والثقافة الوطنية
أ-د/ إبراهيم أبراش
إن أردت أن تتعرف على الواقع الحضاري والأخلاقي لمجتمع من المجتمعات واستشراف مستقبله ،فأبحثفي واقع الثقافة وحال المثقفين والإبداع الفكري ، من حيث حرية الرأي والتعبير و من حيث شبكة الحمايةالتي توفرها لهم المنظومة القانونية والدستورية . نعم المجتمع يحتاج للجيش ورجال الأمن ورجال الأعمالوالمال وللمزارعين والتجار والمهنيين والأطباء والسياسيين الخ ، ولكن هؤلاء لوحدهم لا يؤسسون حضارةولا يستنهضون أمة ، ولو تمعنا في تاريخ وواقع المجتمعات المتطورة والمستقرة لوجدنا تلازما ما بينالنهضة العمرانية الاقتصادية للأمة من جهة والإبداع الثقافي وقوة حضور المثقفين والمبدعين والمفكرين منجهة أخرى .
المثقفون الفلسطينيون ضمير الأمة والمحافظون على ثقافتها وهويتها وكرامتها . بدون المثقفين ما كانللمجتمع ثقافة وهوية تميزه عن غيره من المجتمعات،وما كُتِب التاريخ الفلسطيني الحقيقي ، وما تم نقل الثقافة والهوية عبر الأجيال ، وما استطاع الشعب ،المنشغل بهموم حياته اليومية ، توصيل همومه ومشاكلهلأولي الأمر وللرأي العام المحلي والدولي ،والتعبير عن قضاياه ومشاكله الحياتية في مواجهة السلطةوالفساد والمفسدين ، وفي مواجهة خصومه وأعدائه الخارجيين .
المثقفون الفلسطينيون : المذيع وراء المذياع ،مقدم البرامج التلفزيونية ومعدو التقارير،كُتاب الدراسات والمقالات السياسية والثقافية والاجتماعية ، الأدباء والشعراء والمؤرخون ، الفنانون بكل ابداعاتهم الخ ، هؤلاء هُم الذين يعبرون عن هموم الشعب وقضايا الوطن ، فإن صمتوا نفاقا ورياء أو خوفا ورهبة ،مَن يكتب ويُعَبِر عنقضايا الوطن وهموم الشعب ؟.
لا يجوز أو يحق لأي كان أن يتطاول على أو يبتز أو يُرعب مثقفي ومفكري الشعب الفلسطيني والذينكانت لهم مساهمات مميزة في الارتقاء بالثقافة العربية بل والإنسانية ، كما أنهم موضع احترام وتقديرعلى مستوى العالم العربي بل والعالم كله ،وكثيرون منهم – ومن الأطباء والمهندسين والخبراء في كلالتخصصات - تركوا مواقعهم الاكاديمية والفكرية المتميزة في جامعات ومؤسسات عربية ودولية وعادواللوطن ،ليس بحثا عن راتب أفضل أو حياة مريحة أكثر ،بل تلبية لنداء الواجب الوطني ، وبالتالي لنيقبلوا أن يكونوا شهود زور على تدمير الوطن على يد ثلة من الفاسدين الذين تسللوا لمواقع حساسةفي السلطة والنظام السياسي ، ولن يقبلوا أن يكونوا على هامش الحياة السياسية والثقافية .
أن يمارس المثقفون ،والمواطنون عموما ، حقهم في انتقاد الفساد والمفسدين وتسليط الضوء على الأخطاءوالتجاوزات في النظام السياسي الفلسطيني ، أو اختلافهم في الرأي مع أية من الحكومتين والسلطتين أو أيجهة كانت ،فهذا أمر طبيعي لأن المثقف ناقد اجتماعي ، هذا الأمر لا يبرر الصمت عن ما يتعرضون لهمن إساءات ومضايقات من جهات سلطوية ، وخصوصا إن كان هؤلاء المتَطاولون شخصيات قميئةوضعتها الصدفة أو العلاقات المشبوهة في موضع المسؤولية.
المثقفون الفلسطينيون كالجبال الشوامخ لا يُرهبهم تهديدات الأقزام والموتورين والفاسدين ، ولا يوجد شيءليفقدوه إن خاضوا معارك ضد الفساد والفاسدين ، ثروتهم كرامتهم ورأيهم الحر وحب الشعب لهم ،وتاريخهم مُشرف حيث أغلبهم كانوا مقاتلين ومناضلين وخريجي سجون الاحتلال . وسيفشل المتسلطون على وزارة الشؤون المدنية في تحويل الكُتاب وأصحاب الرأي الحر في قطاع غزة لجبناء من خلال تحكم الوزارة بتصاريح الخروج من قطاع غزة .
لذا نتفهم ونعذر صمت البعض أو التأييد الخجول وغير المُعلن لِما تعرضت له من قذف وتشهير رخيص من صغار في الشؤون المدنية ،لأن المثقفين والكُتاب كجميع أهالي قطاع غزة مسجونون في غزة ويراهنون على السفر للعلاج أو للعمل أو للدراسة لهم أو لأبنائهم ، وبوابة السجن الوحيدة معبر بيت حانون ومفتاحها عند إسرائيل والشؤون المدنية ، فكان ألله في عون أهالي غزة ومثقفيها وكُتابها .
إن قلقا ينتابنا بأن المثقفين وكل أصحاب الرأي الحر ، سيواجهون محنة شديدة وقد يُقدَمون كقرابين على مذبح تحالف الفاسدين ومصالحة إدارة الانقسام . وإن لم يتضامن ويتكاثف الوطنيون الشرفاء مع المثقفين بكل اطيافهم في مواجهة الفساد والمفسِدين ، فقد نصل إلى مرحلة ينطبق عليها قول الشّيخ محي الدّين ابن عربي "هذا زمن السّكوت وملازمة البيوت والاقتصار على القوت والتّوكل على الحيّ الذّي لا يموت".