غرائب السياسة المصرية !! ... هاني حبيب

غرائب السياسة المصرية !! ... هاني حبيب
غرائب السياسة المصرية !! ... هاني حبيب

غرائب السياسة المصرية !! ... هاني حبيب

في موقف ما كان يجب أن يكون عابراً، أو هامشياً، أو تائهاً بين "مانشيتات" الصحافة اليومية على اختلاف وسائلها السمعية والبصرية والإلكترونية، تحدث الرئيس المصري محمد مرسي إلى صحيفة "نيويورك تايمز" قبل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي إطار هذا الحديث المطوّل، تناول مرسي مسألة تمسك مصر باتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، وفي هذا السياق أورد عبارة ما كان لها أن تمر دون أن يلاحظها أحد، فقد قال: إذا كانت واشنطن تطالب مصر بأن تحترم اتفاقية السلام مع إسرائيل، فإن عليها أن تفي بالتزاماتها في كامب ديفيد "بإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين".
 ويبدو أن الرئيس المصري "يتجاهل" أن الفلسطينيين قد نالوا حكمهم الذاتي من خلال اتفاقية أوسلو، وان سقف المطالب الفلسطينية والعربية والأميركية والدولية، باتت تتعلق بحل على أساس "دولتين لشعبين" أي دولة فلسطينية إلى جانب الدولة العبرية، وليس مجرد حكم ذاتي، عبرت عنه بقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، و"خارطة الطريق"، الأميركية المنشأ، تجاوزت الحكم الذاتي للفلسطينيين إلى دولة فلسطينية، سعت إليها الإدارات الأميركية المتعاقبة من خلال الحثّ على مفاوضات ثنائية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، هذه المفاوضات التي فشلت حتى الآن كما هو معروف بسبب التعنت الإسرائيلي وخاصة في سياق العملية الاستيطانية الإسرائيلية، التي باتت وكأنها بديل واقعي عن أي عملية تفاوضية بين الجانبين.
 لكن حديث مرسي يذهب أكثر من ذلك، إذ انه لم يجر في سياق المقابلة مع "نيويورك تايمز" أي حديث عن "تعديل" اتفاقية السلام، بل ربط احترام الاتفاقية من جانب مصر، بوفاء أميركا بإقامة حكم ذاتي للفلسطينيين!!
 وكان من اللافت، أيضاً، موقف مواز ـ تقريباً ـ عندما امتنعت كافة الدول العربية عن المشاركة في مؤتمر في الأمم المتحدة حول قضية اليهود الذين قدموا إلى إسرائيل من الدول العربية، باستثناء مصر التي شاركت من خلال "مندوب عادي". هذا المؤتمر الذي هدف إلى التشويش على قضية اللاجئين الفلسطينيين وصرف أنظار العالم عنها، علماً أن الدول العربية كانت قد اجتمعت وقررت مقاطعة هذا المؤتمر، وحضور مصر، رغم ان هذا القرار يستوجب أكثر من سؤال!!
 وإذا ما أضفنا ما أشارت إليه صحيفة "هآرتس" مؤخراً، مستغربة أنه وبعد أن تم تعيين اللواء رفعت شحاتة مديراً للمخابرات المصرية خلفاً للواء مراد موافي الذي أحيل إلى التقاعد بقرار من الرئيس مرسي فإن "التنسيق بين مصر وإسرائيل أصبح الأفضل نسبياً منذ سنوات طويلة إن لم يكن منذ توقيع معاهدة السلام.. قد يبدو هذا غريباً ـ تضيف "هآرتس"، لكن التنسيق الأمني بين الجانبين هو الأفضل في عصر سيطرة "الإخوان المسلمين" على مصر ["هآرتس" 24/9/2012].
 قد يبدو الأمر بالغ الغرابة، مع أنه ليس كذلك بالضبط إذا عرفنا ما هو أغرب، إذ ان مصر مرسي، وحتى الآن، لم تتحدث رسمياً عن تعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل، رغم أن مستشار الرئيس المصري محمد سيف الدولة أعرب عن عزمه على تقديم مقترح للرئيس المصري بتعديل اتفاقية كامب ديفيد، لكن الغريب أن من تقدم بهذا المقترح هو رئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست روني براون، عندما نصح حكومة نتنتياهو بضرورة النظر بعين الاعتبار، والجدية للمطالب المصرية التي تنادي بضرورة تعديل اتفاقية كامب ديفيد من أجل إعادة سيطرتها على شبه جزيرة سيناء، يقول براون مبرراً موقفه: "لا بد أن ذلك سيفتح حواراً مباشراً بين مصر وإسرائيل وهذا سينعكس إيجاباً على مستقبل العلاقات بينها، خاصة مع جماعة "الإخوان المسلمين" حيث سيكون هو النظام السياسي الإسلامي الأول الذي يجري مباحثات سياسية مع إسرائيل".
 ويتضح من "نصيحة" رئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست، أن إسرائيل لا تتوقف عند التنسيق الأمني، كما يجري في سيناء، فهي تريد، أيضاً، وهو الأهم، تنسيقاً سياسياً، من خلال المشاورات والمداولات والمباحثات بين أطقم سياسية مصرية ـ إسرائيلية، ربما لا تنتهي إلى شيء في نهاية الأمر، لكنها حققت علاقات سياسية تنشدها الدولة العبرية.
 ومع أن وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان قد رفض أي بحث في تعديل الاتفاقية، وفي أية ظروف، ناصحاً المصريين بألاّ يخدعوا أنفسهم أو غيرهم، بأن هناك إمكانية واقعية لبحث أي تعديل في اتفاقية السلام، خصوصاً البنود المتعلقة بالأمن، إلاّ ان العديد من كتّاب الرأي الإسرائيليين، لم يجدوا أي جديد في تقليعات ليبرمان الصحافية المعهودة "الرافضة دوماً" إلاّ أنهم مع ذلك ربطوها بالحديث المتداول عن انتخابات برلمانية مبكرة، الأمر الذي يدفع بليبرمان، أكثر من المعتاد، الى اتخاذ مواقف تميزه عن باقي الأحزاب الإسرائيلية!
 وقبل البحث عن غرائب أخرى في السياسة المصرية، أوردت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الحكومة رحّبت بتصريحات مرسي في واشنطن، إثر اجتماعه مع وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون، عندما أوضح أن مصر ستحترم التزاماتها الدولية وهي تتعاون مع إسرائيل لاحتواء الإرهاب في سيناء.. لكن وجدت هذا الخبر، هو أقل الغرائب في هذا السياق!
 
Hanihabib272@hotmail.comwww.hanihabib.net