من كان بلا خطيئة فليرجمني بحجر .. بقلم / د.مصطفى اللداوي

من كان بلا خطيئة فليرجمني بحجر .. بقلم / د.مصطفى اللداوي
من كان بلا خطيئة فليرجمني بحجر .. بقلم / د.مصطفى اللداوي

إنها حكمة قديمة ولكنها حقيقة، قالها الأولون، وحفظها من بعدهم الآخرون،
وهي زمانيةٌ ودينية، قالها الرسل والأنبياء، وآمن بها الفلاسفة والحكماء،
فليس فينا طاهرٌ بالمطلق، وصائبٌ على الدوام، وقادرٌ على مدى الزمان، ومقدسٌ من بني الإنسان،
كلنا خطاؤون، وعصاةٌ ومذنبون، وضالون ومنحرفون، وتائهون وحائرون، وقلقون ومضطربون،
تضعف نفوسنا، وتخور قوانا، وتزل أقدامنا، وتخوننا قدرتنا، ونفقد إرادتنا، فنحن لسنا إلا بشراً،
نجهل كثيراً، وننسى بسرعة، ونفقد الحكمة دائماً، ونخسر حلمنا وأناتنا وصبرنا، ونكون كالأطفال في تصرفاتنا،
ومن الطبيعي أن نخطئ، وألا نصيب دوماً، وأن نتعثر أحياناً، وألا ننجح في كل شئ،
الفشل ليس عيباً، والخطأ ليس آخر الدنيا، ولا يعني أن مرتكبه قد خسر الدنيا والآخرة،
بل النجاح ثمرة الفشل، والتفوق نتاج الخطأ، والوصول عاقبة التعثر،
فلا ندفع من أخطأ إلى الانتحار، ولا نقوده إلى اليأس والقنوط، بل ندعوه إلى التوبة، والتجربة من جديد،
ولا نشمت به ولا نهزأ، ولا نضحك عليه ولا نتهكم، ولا نجعله مضغة الحديث، ولا نتخذه سخرية المجالس،
ولا نفضحه ولا نشهر به، ولا نسمح لعابثٍ أن يسيئ إليه، ولا أن يعرض به، ويقلل من شأنه،
ولتكف ألسنتنا عن الغيبة، وأقلامنا عن الإساءة، ومجالسنا عن النميمة،
ولنكن على يقين، أن الزمان دول، وأن الدنيا محن، والحياة تجاربٌ واختبارات، وامتحاناتٌ وابتلاءات،
فلا نقسو على من زلت به القدم، فقد تزل أقدامنا، وفي الرمال تسوخ، والأوحال تغرق،
ولا نهزأ به إن سقط من علٍ، أو هوى من شاهقٍ،
فقد نسقط وتدق أعناقنا، أو تكسر ظهرونا، ولا تقوى أقدامنا على حملنا،
ولا نشدد على من تعثر، ولا نغلظ القول على من تعسر، ولا نعيب على من تراجع وتقهقهر،
فإننا وأولادنا، ومن كان لنا أهلٌ وولد، قد يصيبنا ما أصابه، وقد يحل بنا ما قد نزل به،
فلا نستخف به، ولا نجعله سخرية، فقد يتبدل الزمان ونصبح للأطفال أضحوكة، وللكبار تسلية ومتعة،
وليعلم الإنسان أن الزمان لا يستر على الإنسان مدى الدهر، ولا يجود عليه بالستر طول العمر،
اللهم إلا من كان ستراً لأخيه، وعوناً لغيره، وسنداً للضعيف، ورحمةً لمن كان لها محتاجاً، وعنها باحثاً،
والإنسان مع نفسه الأصدق، وبحاله هو الأعلم، وبأسراره هو الأدرى، وبعيوب نفسه الأعرف،
فلا يظنن نفسه مبرأ، وأنه من العيب خلواً، وعن الخطأ منزهاً، وعيون العالمين لا ترقبه،
فإياك أيها الإنسان أن تطغى وتغتر، وأن تقسو وتبطش، وأن تهزأ وتتهكم،
فلا تعجل بالرجم، ولا تسارع إلى الذم، ولا تبدأ بالخطأ، ولا تبادر بالشتيمة،
وتذكر دوماً أنك سابقٌ بالخطأ أو تالي، وأنك سلفٌ، وقد تكون خلفاً،
فإن أحسنت لمن سبقك، قيض الهأ من يحسن إليك، ويمد إليك يد العون، ويسبغ عليك نعمه، ظاهراً وباطناً،
ويكون لسانك المدافع في حضورك وغيابك، وحصنك القوي الذي لا يغزى ولا يدهم،
وإن أنت أسأت أو تشمت، وضحكت وتهكمت، وتعمدت الفضيحة والإهانة،
فإن غيرك قادم، ومن لحمك سيأكل، وعلى قبرك سيقف، وصحائفك سيمزق،
وشرفك سيلوث، ومن سمعتك سينال، وسيضيع اسمك، ويتوه مجدك، ويتمزق حلمك، وتذروا الرياح ماضيك، وسابق أمجادك ....
فاحذر وتذكر .... أنه من كان بلا خطيئةٍ فليرجمني بجحر