قراءة في الموقف الأردني تجاه خطة كيري د. مصطفى يوسف اللداوي 1+4/2

قراءة في الموقف الأردني تجاه خطة كيري  د. مصطفى يوسف اللداوي  1+4/2
قراءة في الموقف الأردني تجاه خطة كيري د. مصطفى يوسف اللداوي 1+4/2

قراءة في الموقف الأردني تجاه خطة كيري

د. مصطفى يوسف اللداوي

1+2/4

تخشى المملكة الأردنية الهاشمية منذ سنواتٍ طويلة من فكرة الوطن البديل، وهو المشروع الذي نادى به قادة إسرائيليون ومنهم أرئيل شارون، الذي نادى بجعل الضفة الشرقية وطناً للفلسطينيين مع الأردنيين، وعلى أن تشكل الضفة الغربية لنهر الأردن، بالإضافة إلى الأرض المحتلة عام 1948، أرض الدولة العبرية.

لم تتوقف المخاوف الأردنية من مشروع الوطن البديل منذ أن نشأت الدولة العبرية حتى اليوم، وقد كانت حاضرة بقوة في ظل الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، وبقيت على حالها بنفس القوة في ظل الملك عبد الله الثاني، خاصةً أن الكثير من الوثائق التي واكبت تشكيل المملكة الأردنية الهاشمية، كانت تتحدث عن الدور الوظيفي للمملكة، الذي كان مشاعاً ولم يكن سرياً، بأنها أُنشأت من أجل مهمة خاصة، وهي متعلقة بالشأن الفلسطيني، وبمستقبل الدولة اليهودية المنوي إنشاؤها فوق الأرض الفلسطينية، ولا يمكن للمملكة أن تنأى عن هذا الدور، أو ترفض الوظيفة التي على أساسها قامت.

ولهذا بقي لدى الحكومة الأردنية هاجسٌ دائمٌ من مشاريع التسوية الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، مخافة أن يكون الحل على حساب الأردن، وأن تلزم المملكة بتحمل تبعات ونتائج تأسيس الكيان الصهيوني، على أساس الوطن البديل.

بمعنى أن للفلسطينيين وطناً شرقي النهر، وعددهم فيه يفوق عددهم داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، ولهذا ينبغي أن يكون وطن الفلسطينييناً جميعاً في الأردن، وعليه يجب البحث عن صيغةٍ ما مع الحكومة الأردنية، لخلق صيغة توافقية لاستيعاب الفلسطينيين في الأردن، ومشاركتهم في الحكم، بموجب صيغ ومقترحاتٍ عديدة، يمكن التفاوض عليها، والإتفاق على أفضلها للطرفين، شرط أن تحقق الصيغة المتفق عليها الأمن للكيان الصهيوني، وألا تلحق به ضرراً، بل يجب أن تخلق الصيغة الجديدة دولةً صديقة، تربطها بالكيان إتفاقياتٌ ومعاهدات، تلتزم بها وتنفذها، لا أن تكون كياناً معادياً، تستخدم أرضها للانطلاق منها لتنفيذ أعمالٍ عسكرية ضد المصالح الإسرائيلية.

وقد نصت اتفاقية وادي عربة، الموقعة بين الحكومة الأردنية والإسرائيلية في سبتمبر من العام 1994، على أن يلتزم الطرفان سيادة بلديهما، وألا يقوما بأي أعمالٍ عدائية ضد بعضهما، كما لا يدخلان في أي تحالفٍ أو تكتلٍ يضر بمصالحهما.

وهنا كانت عيون المملكة الأردنية على الجانب الفلسطيني، خوفاً من أن يشهد المستقبل اتفاقياتٌ مع الإسرائيليين، بعلمهم أو بدون علمهم، تكون على حساب الأردن، ولهذا فإن الحكومة الأردنية تذكر من حينٍ لآخر، أنها لا تقبل بأي حل أو إجراء يتناقض مع بنود الإتفاقية الثنائية الموقعة بينهما، وإن كان تذكيرها يحمل صفة التهديد والرفض، لأنها بدأت تشعر أن في الأفق أشياء لا تعرفها، وأن خطة كيري تتضمن بنوداً سرية قد تضر بها، أو قد تكون على حسابها.

·       التحفظات الأردنية على بنود خطة كيري ...

لا يوجد أي نص رسمي صادر عن الخارجية الأمريكية يحدد طبيعة خطة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، كما لا يمكننا الاعتماد على التسريبات الصحفية في تقدير الموقف الأردني، وربما أن الحكومة الأردنية نفسها لا تعرف التفاصيل الدقيقة والحقيقية للخطة، بدليل أنها تصدر مواقفَ متفرقة، بناءً على ما يصلها من أخبار، فليس هناك موقف محدد إزاء قضايا معينة بنفسها، في الوقت الذي يغيب الرد الشامل والموقف الرسمي القاطع تجاه الخطة، خوفاً وقلقاً، وهو الأمر الذي يجعلها في حيرةٍ تامة من أمرها.

 

وفي هذا السياق أكد وزير الخارجية الأردنية ناصر جودة، بما لا يخفي القلق والخوف، إلى أنه لا توجد لغاية الان أية صيغ أو وثائق مكتوبة تتعلق بالطروحات الامريكية التي يتم إنضاجها، إلا أننا مطلعون كباقي الأطراف على التفكير الأمريكي العام حول هذا الموضوع، مثلما أن الأطراف كافة تقوم بإطلاعنا بشكل منتظم على مختلف المقاربات والأفكار والصيغ المقترحة التي يتم تطويرها، والأطراف كافة تعرف - بشكل واضح وموثق ورسمي- بأننا نحتفظ لأنفسنا بحق التصرف قبولاً ورفضاً وتحفظاً، لأية صيغ تتعارض مع مصالحنا العليا، ومع ثوابتنا الوطنية فيما لم نكن نعلم عنها.

وكشفت مصادر قريبة من وزارة الخارجية الأمريكية، أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كان قد قدم احتجاجا قوياً لجون كيري، حول بنود الأمن المقترحة ضمن إطار الإتفاق المزمع إعلانه قريباً، لأنها لم تعالج القضايا المؤثرة على المستقبل السياسي للمملكة الأردنية، ولإهمالها النصوص السابقة للمعاهدة الأردنية الإسرائيلية الموقعة عام 1994.

ويقول وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، بذات النبرة القلقة وإن بدت مهددة، أن الأردن طرف مركزي ومحوري وأساسي في العملية التفاوضية برمتها، وأننا معنيون بمضامين القضايا الجوهرية التي تعالجها، وبنتائجها كذلك، وبالطروحات الخاصة بسبل حلها، لأن قضايا التفاوض كلها هي قضايا لها مساس مباشر بمصالح أردنية عليا وحيوية، يجب أن تصان بشكل كامل.

وأكد بأن بلاده تساند الفلسطينيين في هذه المرحلة الهامة من نضالهم لتجسيد حل الدولتين، ونيل حقوقهم المشروعة، الا أننا لن نقبل بأي مخرجات أو نتائج لا تلبي بالكامل مصالحنا الوطنية العليا.

ويضيف وزير الخارجية الأردني "يعرف الجميع بأننا في الأردن، ولارتباط كل القضايا الجوهرية بمصالح عليا لنا، في مجالاتٍ لها مساس بأمننا القومي، فإن لنا رأياً أساسياً وقولاً فاصلاً في كل ما يطرح، ولنا موقف واضح من كل مساعي السلام، ينطلق من ثوابتنا الوطنية، وهناك كتب مودعة لدى الجانب الأمريكي ومحاضر اجتماعات موثقة مع كل الاطراف، تعبر بمجملها عن الموقف الأردني الثابت في مختلف القضايا".

لا يمكن إخفاء نبرة الخوف والقلق الأردنية من خطة كيري، إلا أن سرية البنود تحول دون إطلاق موقف رسمي واصح ومحدد منها، لذا فإننا بالاستناد إلى ما رشح من خلال العديد من التعليقات والردود الأردنية على خطة جون كيري، التي وصفت أحياناً بأنها ملاحظاتٌ عنيفة، فإننا نستطيع ملاحظة بعض التحفظات والملاحظات ومنها ...

o     مخالفة أصول وبنود إتفاق وادي عربة ...

تعترض الحكومة الأردنية على مقترحات جون كيري للسلام، كونها تتجاهل معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية الموقعة في عام 1994 بين الملك الراحل الحسين بن طلال ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق اسحق رابين، الذي اعترف بوضع خاص للأردن في القدس، وخاصة الحرم القدسي الشريف.

وقد جاء الإعتراض الأردني استناداً إلى نقض وتعارض وثيقة التفاهم التي وقعها الرئيس الفلسطيني محمود عباس العام الماضي مع الملك عبد الله، مع نصوص ومقترحات خطة كيري، والتي تضمنت إقراراً بوضع خاص للأردن في المقدسات الإسلامية بالقدس، وقامت على أثرها عمان بتغطية نفقات في القدس، ولإدارة الأوقاف الإسلامية، وصيانة المسجد الأقصى منذ ذلك الحين.

·       الاعتراض على ترتيبات منطقة الأغوار ...

 

تعترض الحكومة الأردنية حول ما رشح من أنباء عن نية الولايات المتحدة الأمريكية نشر معداتٍ وآلياتٍ أمنية خاصة، ومنها أجهزة إنذار مبكر، ومحطات رصد وتنبيه وتصوير وغير ذلك، مما يجعل المنطقة بأكملها تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، خاصة أن المعدات والتجهيزات المقترحة متطورة جداً، وذات إمكانياتٍ كبيرة.

ويبدو أن الملك الأردني قد أبلغ جون كيري خلال استقباله له في عمان، اعتراضه على مقترحاته بشأن الأغوار، مما حدا بكيري إلى إصدار أوامر إلى مساعديه، لإعادة النظر في الترتيبات الأمنية المقترحة على جانبي الحدود الأردنية الإسرائيلية، وفعلاً فقد قام الجنرال الأمريكي جون ألين، وهو أحد مساعدي جون كيري، بإعادة النظر في التصور الأمريكي، بعد أن أخذ بالملاحظات الأردنية، وكذلك الإسرائيلية التي وصفت أيضاً بأنها شديدة وكثيرة ودقيقة، وتمس جوهر الخطة الأمريكية.

وقد استجاب كيري لهذه الملاحظات التي جاءت مع انتقادات أخرى من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وطلب من الجنرال جون ألين، وهو قائد قوات الناتو السابق في أفغانستان، إعادة تقييم الخطة بمساعدة فريق من 50 خبيراً في الأمن والإستخبارات، يعملون من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وتتمحور خطة الأمن في الأغوار، حول استبدال وحدات إسرائيلية حدودية بنظام تكنولوجي حديث، بما في ذلك استخدام كثيف لطائرات بدون طيار، والأقمار الصناعية وغيرها من وسائل تأمين الحدود.

تعترض الحكومة الأردنية بشدة على الترتيبات الأمنية المقترحة، بالاستناد إلى أن نظام المراقبة الإلكتروني سيكشف الأجواء الأردنية بالكامل لأجهزة المراقبة الأمريكية، وينطبق ذلك أيضاً على قوات حلف شمال الأطلسي، التي اقترح انتشارها الرئيسُ الفلسطيني محمود عباس.

ورغم سرية الخطة الأمريكية إلا أن الخطوط العريضة المتسربة، ستسمح بوجود عدد محدود من أفراد الجيش الإسرائيلي يصل إلى 1500، وسيمكثون لمدة تصل الى 15 سنة قابلة للتمديد، بدعمٍ من أجهزة المراقبة الأمريكية، في حين ستقوم قوات الأمن الأردنية بمهمة حماية وحراسة الحدود من الجانب الأردني، بالضبط كما كانت تقوم به سابقاً.

كما تتضمن الخطة وجوداً غير مرئيٍ للإسرائيلين على المعابر الحدودية مع الأردن، والتى ستقوم بحراستها قواتُ أمنٍ فلسطينية، وهو ما اعترضت عليه الحكومة الأردنية، على أساس أنه يمس السيادة الأردنية وينتقص منها.

·       قلق الأردن من الموقف المصري ...

تشعر الحكومة الأردنية بقلقٍ شديد من العزوف الرسمي المصري عن مجريات وتفاصيل خطة جون كيري، خاصة بعد أن تنامى إلى علم الحكومة الأردنية رفض وزارة الخارجية المصرية لطلب جون كيري بدعم جهوده بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومساعدته في تذليل العقبات بينهما، الأمر الذي أشعر الأردنيين بالخوف نتيجة سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها القيادة المصرية، مع علمها بأن المشاكل الداخلية المصرية لا تمنع الحكومة من الإنشغال بالملف الفلسطيني، الذي هو أحد أهم ثوابت السياسة القومية المصرية، والذي لم تتركه أو تتخلَ عنه في مختلف العهود السابقة، بما يدل على عدم الرضا المصري عن الخطة الأمريكية للسلام، وهو أمرٌ يقلق الحكومة الأردنية، ويثير الهواجس والمخاوف لديها.

·       الغموض وعدم الوضوح ...

تعترض الحكومة الأردنية على خطة جون كيري أنها غامضة وغير واضحة، وأن بعض القضايا الهامة ما زالت معلقة، وخاصةً فيما يتعلق بالقدس الشرقية، والمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، بالإضافة إلى وجود فترات زمنية طويلة تمتد إلى خمس عشرة سنة، قد تجري فيها تغييرات وتجهيزات قد يصعب في المستقبل التراجع عنها أو تغييرها، خاصةً فيما يتعلق بنشر قوات دولية، أو بقاء قوات عسكرية إسرائيلية، وغيرها من المقترحات التي تعتمد نظام المراحل الزمنية، والتي تفقد فيها الحكومة الأردنية زمام المبادرة والقرار، فضلاً عن استجابة الإدارة الأمريكية المتكررة للملاحظات الإسرائيلية، التي تمس جوهر الأمن الوطني الأردني، وتضر بمصالح البلاد العليا، فضلاً عن وجود ملاحق سرية قد لا تطلع عليها عمان، إلى جانب الضمانات الأمريكية التي تقدمها من طرفها لإسرائيل.

·       موقف العسكريين الأردنيين ...

يبدو أن كبار الضباط والعسكريين المتقاعدين، وعلى رأسهم الفريق أول عبد الهادي المجالي وغيره من كبار الضباط العسكريين والأمنيين، الذين عملوا في مؤسسة الجيش والمخابرات العامة الأردنية، يرفضون خطة كيري، ويرون أنها تهدد الهوية الوطنية الأردنية، وأنها تضر بالقضية الفلسطينية، ولهذا فقد عزمت مجموعة العسكريين إصدار موقفٍ معلن، بعد مشاورة بعض المرجعيات السياسية لرفض مشروع كيري، وقد يكون لتحركهم أثر فاعل، خاصة أنهم أصحاب الخبرة وأهل الإختصاص، ومما لا شك فيه أن الحكومة الأردنية تخشى هذا التحرك، وتدرك عواقبه.

ويرى تجمع العسكريين والأمنيين الأردنيين، أن حكومة النسور ضعيفة أمام الهجمة الأمريكية والإسرائيلية، وأنها لا تملك العزم ولا الإرادة على المواجهة والتصدي، ويبدو أنها ستنساق وراء خطة كيري، ولذا وجب الوضوح في مواجهة الخطة والتحذير منها، كما صدرت أصوات تطالب حكومة النسور بالاستقالة إن رأى أنه غير قادر على صد هذه الهجمة، وتجاوز الضغوط المفروضة عليه.

ويرون أنه لا مجال للقبول بالهوية اليهودية للدولة العبرية، ولا قبول بتمرير مشروع التوطين والتجنيس للفلسطينيين حيث هم، وتعويض بعض الدول المستضيفة، كما لا قبول بالكونفدرالية الأردنية الفلسطينية إلا بعد سنواتٍ من تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة، وبعد إجراء استفتاء شعبي في البلدين على مشروع الوحدة، على أن يصادق عليه من هيئات الدولتين الشرعية، وفق الأصول وحسب الإجراء.

·       عدم الثقة في الجانب الفلسطيني ...

لا تثق حكومة المملكة الأردنية الهاشمية في الجانب الفلسطيني، سواء المفاوض أو السلطة الفلسطينية نفسها، وتعتقد بأنهم ليسوا صريحين معها، وأنهم يتعمدون إخفاء أشياء خاصة بهم، كما أنها لا تستبعد قيام السلطة الفلسطينية بالإتفاق الأحادي مع الجانب الإسرائيلي، دون إبلاغ الأردن، أو التنسيق معه، ولو تعلق الأمر بما يخص الأردن وحده.

وتخشى الحكومة الأردنية من قيام السلطة الفلسطينية بنكث اتفاقياتها معها، والتنصل من التزاماتها الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالمسجد الأقصى والمقدسات الدينية، وإدارة الأوقاف وغيرها، وما يعزز عدم ثقة الأردنيين في الجانب الفلسطيني، حجمُ التسريبات الفلسطينية عن خبايا وخفايا المحادثات والتعهدات التي تقدمها السلطة الفلسطينية للراعي الأمريكي أو للجانب الإسرائيلي المفاوض.

·       إتهام الأردن في وطنيته وقوميته ...

أبدت الحكومة الأردنية غضبها واستياءها من محاولات تشويه الوجه الوطني والقومي للأردن، معترضين على محاولة تصوير الأردن على أنه الضامن للأمن الإسرائيلي، والحامي لحدوده، وأنه صمام الأمان العربي بالنسبة لخطة كيري في حال تنفيذها، ذلك أن الإسرائيليين يثقون في الحكومة الأردنية في الوقت الذي يخافون فيه من أي سلطة فلسطينية، وهذه الإشادة والمديح الإسرائيلي، هو في عرف العرب سبة وشتيمة، وهو إهانة وانتقاص من الكرامة الوطنية الأردنية، ولهذا فإن الأردن لا يريد أن يظهر وكأنه هي سياج الأمان الإسرائيلي، وضابط الحدود، وحارس المصالح الإسرئيلية.

يتبع 3/4 ...