جنيف 2 : المهم أن تضع الحرب أوزارها ! ...بقلم: رجب أبو سرية

جنيف 2 : المهم أن تضع الحرب أوزارها ! ...بقلم: رجب أبو سرية
جنيف 2 : المهم أن تضع الحرب أوزارها ! ...بقلم: رجب أبو سرية

رغم ان انعقاد جنيف 2 يمثل أملا للسوريين ولكل العرب الذين ينتابهم الألم لاستمرار الحرب الداخلية / الأهلية في سورية الشقيقة والحبيبة، إلا أن الأمل بأن تتوقف هذه الحرب اللعينة وبأن يتوقف سفك الدماء والدمار لواحدة من روافع العرب القومية، لن يكون أمراً سهلاً، كما ان التوصل إليه لن يكون وشيكاً، وحتى لو توافقت الأطراف على حل، يتضمن برنامجاً محدداً بتوقيتات واضحة، فإن عودة سورية الى ما كانت عليه بات أمراً من الماضي!

بعد حرب استمرت ثلاث سنوات (عام آخر وتصل الحرب السورية الى الفترة التي أمضتها الحرب العالمية الثانية)، وبعد سقوط أكثر من مئة ألف ضحية، وتشرد ملايين السوريين، داخل سورية وفي دول الجوار، وبعد دمار مريع للاقتصاد والبنى التحتية لا مثيل له، تخلف بالبلاد سنوات طويلة الى الوراء، كل ما يمكن ان نأمل فيه هو التوصل لوقف لإطلاق النار وتوقف للعمليات العسكرية، وبدء لانتقال سلمي وفق حل سياسي متفق عليه بين الأطراف الداخلية والخارجية، يحفظ اولا وحدة البلاد السياسية، ويمنع عنها التفكك والتشظي، كما يتحول بها الى الديمقراطية السياسية والتعددية التي تنسجم مع التعدد الإثني والطائفي والسياسي الذي يشكل نسيج المجتمع السوري.
ولا شك ان الاهتمام الدولي بالحرب في سورية قد وصل حدودا بالغة، تعيد للأذهان الحروب العالمية وآخرها الحرب الباردة، فإضافة الى انه على الأرض هناك وجود عسكري لقوات ومجموعات غير سورية، سواء من إيران او حزب الله، او عناصر متعددة الجنسيات ضمن المجموعات المسلحة، وتحديدا بين صفوف داعش وجبهة النصرة، يدل حضور ممثلي نحو أربعين دولة ومنظمة دولية لجنيف 2، كذلك جلوس ممثلي الوفد الحكومي السوري الى جانب الوفد الروسي، وممثلي المعارضة الى جانب الوفد الأميركي، إضافة الى أن جنيف 1 تم في غياب ممثلي الوفدين الحكومي والمعارض، وان الاتفاق على الحل السياسي أنما جاء بعد اتفاق أميركي / روسي، كل ذلك يدل بما لا يدع مجالا لأي شك على الأبعاد الإقليمية والدولية لهذا الملف.
وخلال الأشهر الأخيرة، انتقلت آثار الحرب السورية بتأثيراتها الصعبة الى دول الجوار، ولم يقتصر الأمر على النازحين او اللاجئين السوريين الى تركيا، لبنان والأردن، بل انتقلت الحرب الى لبنان وحتى العراق، بما يهدد باحتمال نشوب اشتعال مباشر وعام للحرب لتشمل كل المنطقة، والتي قد تتحول الى حرب طائفية شريرة بين السنة والشيعة، وما وصول لهيب النيران الى لبنان والعراق، إلا لكون هذين البلدين يضمان وجودا متشابكا لهاتين الطائفتين فيهما.
مجرد انعقاد المؤتمر يمثل خطوة مهمة الى الأمام، لكن الأهم بالطبع التوصل لاتفاق يكون قابلا للتنفيذ، ينزع أولا مخاطر توسيع دائرة الحرب، ثم يقوم بوقفها، وبعد ذلك، يشرع في الانتقال بالبلاد الى رحاب إعادة البناء والتحول الى دولة ديمقراطية حديثة، ولعل صيغة انعقاد المؤتمر قد أثبتت، كما كان الحال على الأرض استحالة إلغاء الآخر، فلا النظام استطاع حسم الحرب عسكريا، وإعادة السيطرة على كل المحافظات والمناطق السورية، رغم كل ما دفع به من قوة عسكرية، وما اقدم عليه من قتل وتشريد، ورغم ما استعان به من قوة الحلفاء ( إيران، حزب الله وروسيا) على الصعيدين العسكري والسياسي، ولا المعارضة نجحت رغم ما حققته من "تحرير" ومن اختراق لمناطق واسعة في سورية، ورغم وصولها الى ضواحي العاصمة، وإدارتها لنصف البلاد، بإسقاط النظام ودخول العاصمة، وقبول الطرفين بالجلوس ضمن هذا المؤتمر الدولي يقول إن كليهما قد قبل بالآخر، وكل الحديث عن تخوين الطرف الآخر وعدم الإقرار بوجوده، ما هو إلا كلام زائد !
المشكلة تتمثل في التوافق على تشكيل الحكم الانتقالي، وإن كان هذا الحكم يتضمن وجود رأس النظام السوري (الأسد) ام لا، وحقيقة ان الطرف المعارض قد لفظ من صفوفه الجهة المتطرفة التي تلغي الآخر والتي شاركت في اللجوء الى القتل، أي داعش، كما نجح الوفد المعارض في إضفاء الصفة السياسية على نفسه، بعد ان تقدمت العناصر والجماعات السياسية المعتدلة والليبرالية صفوفه، فلم يشهد احد ممثلا للنصرة، ولا حتى للإخوان، لكن ما يزال الوفد الحكومي، ان كان من خلال خطاب وليد المعلم في الجلسة الافتتاحية او من خلال تصريحات وزير الإعلام، يصر على رفض صفقة " داعش مقابل الأسد "، والتي تفتح الباب واسعا للحل السياسي.
مطلوب من النظام السوري ( أي مؤسسات الدولة _ الجيش واجهزة الأمن وحتى الحكومة ) ان تضحي برأس النظام، حتى يصبح ممكنا التوصل للحل والشروع سريعا في عملية انقاذ سورية وانتقالها السلمي لتتحول الى دولة ديمقراطية، وبعد ان تراجعت المعارضة عن شرط تنحية الأسد لتقبل بالمشاركة في جنيف 2، مطلوب ضمانة فعلية_ على الأقل _ بأن يتمتع الحكم الانتقالي بالصلاحيات الكاملة لإدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية، وبعد ذلك الذهاب الى انتخابات عامة، شرط عودة كل اللاجئين السوريين، للمشاركة في إعادة بناء دولتهم، ومؤكد حينها أن أي رئيس قادم، حتى لو كان الأسد نفسه، لن يحصل على 99% ولن يكون مطلق الصلاحيات، ولا حاكما مطلقا، يحكم بفضل قوة أجهزة الأمن وعبر عمليات القمع المختلفة، ومن خلال التحكم بثروات البلاد والاستناد الى شريحة فاسدة، او حتى عبر التمييز الطائفي !

Rajab22@hotmail.com