مهرجان "الشعبية": حجر في مياه غزة الراكدة!...بقلم: رجب أبو سرية

مهرجان "الشعبية": حجر في مياه غزة الراكدة!...بقلم: رجب أبو سرية
مهرجان "الشعبية": حجر في مياه غزة الراكدة!...بقلم: رجب أبو سرية

المصادفة وحدها جعلت من ثلاثة أسابيع، هي آخر أيام العام، إطاراً زمنياً تمر خلاله مناسبة انطلاقة ثلاثة فصائل سياسية فلسطينية، هي على التوالي: حماس، الجبهة الشعبية، وفتح، بما يوفر فرصة لحشد الجماهير الفلسطينية، على طريق الكفاح الوطني، وفي الوقت نفسه، مناسبة لتعيد هذه الفصائل ومعها أغلب الفلسطينيين حساباتها في "جردة" سياسية، لتقف عند حدود الإنجاز والإخفاق، حتى تكون أفضل حالاً في العام التالي عما كان عليه حالها ومجمل الحال الوطني في العام المنصرم.

واعتادت الفصائل أن تقيم المهرجانات والاحتفالات بالذكرى، على مدار أسابيع، تسبق يوم ميلادها، ثم تقوم بتتويجه بما يسمى بالمهرجان المركزي، والذي عادة ما تقيمه في يوم جمعة يكون أقرب ليوم انطلاقتها، قبله بأيام أو بعده بأيام، وحيث إن حركة حماس، قد اعتذرت عن إقامة مهرجانها المركزي هذا العام، والذي دأبت على أن تقيمه، منذ أن استولت على قطاع غزة، في مقر الكتيبة، فإن مهرجان انطلاقة "الشعبية" يبدو انه يحوز على اهتمام خاص، هذا العام - على الأقل في غزة - لأكثر من سبب، لعل أهمها، أنه يجيء في وقت، تذهب فيه غزة، إلى حالة من الإهمال والعزلة والحصار، أكثر مما كان عليه الحال، من قبل، حيث إن أهل القطاع، يرغبون في أن يسمعوا كلاماً عن المصالحة والوحدة الوطنية، لم تعد تقول به القوى الوطنية، خاصة حركتي فتح وحماس، منذ وقت.
وعلى مدار عقود أربعة مضت، كانت مناسبة انطلاق الجبهة الشعبية تمثل حدثاً سياسياً بالغ الأهمية، على الصعيدين الفلسطيني والعربي، حيث كان "الحكيم" جورج حبش، القائد التاريخي للجبهة، يلهب صدور، عقول وقلوب الناس، من خلال خطبه التي كان يلقيها ويقدم فيها مجملاً عاماً لسياسة الجبهة التي كانت مؤثرة جداً وفاعلة للغاية في صنع السياسة الفلسطينية، من حيث إنها كانت تحدد تخوم الوحدة والخلاف بين قطبي الموقف الفلسطيني، وكانت لها تأثيراتها على الشعوب العربية، حين كانت الجبهة بامتدادها الفكري والتنظيمي تمتد من ظفار إلى موريتانيا، وتمثل صوتاً لشعوب عربية مغيبة عن الفعل السياسي.
أما في غزة، فإن حماس دأبت على الانفراد بمقر الكتيبة وعدم السماح للفصائل بعقد مهرجاناتها فيها، نظراً الى أن المكان مفتوح، ويتسع لأكبر عدد من المشاركين، فكانت تحرص على أن تكون هي "واجهة" غزة، وعلى أنها اكبر فصيل على تلك الساحة، حتى لا تظهر بمظهر القوة التي تحكم استنادا الى القوة أكثر من الجماهيرية، لكن سماحها للشعبية بإقامة مهرجانها في الكتيبة هذا العام، يدل على أن نظرة حماس قد تغيرت، ربما لأنها باتت تدرك صعوبة أن تستمر في حكم غزة منفردة، أو أنها باتت تشعر "بالثقة" الآن بعد مرور سبع سنوات، على سلطتها، وقد كانت الجماهير تناكف حماس، وتشارك في كل انطلاقات الفصائل، وخاصة جمهور فتح، وهو أكبر جمهور فصائلي في القطاع، دون شك، بحيث تتحول انطلاقات الفصائل الأخرى، باستثناء انطلاقة حماس، الى أعراس وطنية تشارك فيها جماهير كل الفصائل.
المهم انه بالنظر الى حالة القنوط التي تجتاح سكان القطاع، حيث تتعمق المشاكل المعيشية، بعد إغلاق الأنفاق، ومع استمرار الانقسام، وتفرد حماس في حكم غزة، في الوقت الذي تبدو فيه الاتصالات السياسية منقطعة بين فتح وحماس بشأن المصالحة، فإن حجم المشاركة الشعبية في انطلاقة الشعبية بغزة، سيدل على مستوى توق الناس للوحدة، وحيث انه ليست هناك أوهام تنتاب أحدا، بأن كلمة الجبهة ستكون "مسموعة" أو كافية لإغلاق بوابة الانقسام، ومع استمرار انسداد الأفق بوضع حد للاحتلال في الضفة الغربية، فإن مبادرة سياسية يمكنها فقط أن تضع حداً لحالة التآكل في الحالة الفلسطينية.
تتمثل هذه المبادرة بتقديم الأخ إسماعيل هنية استقالة "حكومته" فوراً للرئيس أبو مازن، حتى يكون ذلك اعترافاً، أولا بوجود رأس واحد للسلطة الفلسطينية، وثانياً، حتى يجبر حكومة السلطة، على المجيء إلى غزة، والقيام بواجبها نحوها، على كافة الأصعدة السياسية والمعيشية، وحتى يجبر ذلك الجانب المصري على العمل فوراً وفق اتفاقية المعابر، وفتح معبر رفح للمواطنين وللبضائع وفق الاتفاق الدولي، ويجبر أيضا إسرائيل على فك الحصار عن غزة، والالتزام وفق اتفاقيات جنيف بمسؤوليتها الإنسانية عن حياة السكان وفتح المعابر التجارية بينها وبين القطاع، وعدم تهديد غزة بالاجتياح.
بذلك تتكامل أركان الحالة الفلسطينية بين حكم ومعارضة وتعود حماس لممارسة دورها الوطني كحركة مقاومة وحتى كمعارضة سياسية إيجابية، تقوم بكبح جماح السلطة تجاه احتمالات التنازل السياسي بالمفاوضات، كما كان حال الشعبية والديمقراطية طوال عقود مع قيادة (م.ت.ف)، والأهم أن تعيد مكانتها بين جمهور الناخبين، حتى تحسّن من فرصتها بالفوز في الانتخابات القادمة.