ما مصير المقاتلين الفلسطينيِّين الذين اعتُقِلوا في طوفان الأقصى؟

القسام
القسام

تدرس دولة الاحتلال إمكانية التنازل عن المحاكمات الجنائية ضد مئات الفلسطينيِّين الذين اعتُقِلوا في عملية "طوفان الأقصى" وفي العمليات البرية لجيش الاحتلال في قطاع غزة، ومحاكمتهم بإجراءات سريعة بناءً على توثيق تحقيقات شرطة الاحتلال الخاصة بهم، مع إبقائهم رهن الاعتقال الإداري والاحتجاز كونهم "مقاتلِين غير شرعيِّين"، حسب ما كشفته صحيفة "هآرتس" العبرية[1].

تسلِّط الورقةُ، من إعداد برنامج الرصد والتوثيق في مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، الضَّوءَ على القانون والمقترح "الإسرائيليَّين" بخصوص المعتقلِين الفلسطينيِّين الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتتناول مصطلحَ "المقاتل غير الشرعي" وتاريخَ القانون الخاص به في دولة الاحتلال، وأهدافَ الاحتلالِ الإجراميةَ من ورائه، وموقفَ القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ منه والتكييف القانوني الذي صممته دولة الاحتلال من أجل توفير غطاء لعمليات الإخفاء القسري والمصير المجهول للمئات من المعتقلين، ومعطياتٍ حول حملات الاعتقال منذ عملية "طوفان الأقصى".

معتقَلو قطاع غزة بوصفِهم "مقاتلِين غير شرعيِّين"

أصدَرَ وزير الجيش في دولة الاحتلال، "يوآف غالانت"، في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قرارًا بِعَدِّ الأسرى الفلسطينيِّين من قطاع غزة "مقاتلِين غير شرعيِّين"، بناءً على قانون مصدَّق عليه في العام 2002. ونصَّ الأمر 3 (أ -ب) على احتجازهم في معسكر جيش يدعى "سديت يمان" قرب بئر السبع، ويسري هذا الأمر لمدة 10 أسابيع من تاريخه[2].

يَحرم القانونُ المعتقلَ عمليًّا من حقه في الدفاع عن نفسه أمام المحكمة، ولا تصدر لائحة اتهام بحقه أو توجَّه له تهمة محدَّدة، ويمكن أن يستمر احتجازه دون نهاية محدَّدة، وفي بعض الحالات يمكن أن يبدأ عَدُّ المعتقَل "مقاتلًا غير شرعي" بعد انتهاء قضاء مدة حكمه في سجون الاحتلال على قضية سبق وأن حوكم عليها[3].

أصدَرَت سلطات الاحتلال تعديلًا على قانون "المقاتل غير الشرعي" في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تحت عنوان أنظمة الطوارئ، شمل كلًّا من النقاط التالية[4]:

يوسَّع نطاق من يحق لهم إصدار أوامر الاعتقال ليشمل اللواء ومن أقل منه برتبة.

يعطى اللواء مدة 21 يومًا لإصدار أمر الاعتقال، بدلًا من 7 أيام.

تُبدل مدة المراجعة القانونية لقرار الاعتقال من 14 يومًا لتصبح 30 يومًا.

تكون زيارة المحامي في خلال 21 يومًا قبل موعد المراجعة القانونية، بدلًا من 7 أيام.

المنع من لقاء المحامي على يد المسؤول عن إصدار قرار الاعتقال يصبح 28 يومًا من تاريخ الاعتقال، بدلًا من 10 أيام.

يمكن للقضاة تمديد المنع من لقاء المحامي مدة 45 يومًا، بدلًا من 21 يومًا.

تدرس دولة الاحتلال حاليًّا إمكانية التنازل عن المحاكمات الجنائية ضد مئات المعتقلين الذين اعتُقِلوا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ومحاكمتهم بإجراءات سريعة بناءً على توثيق تحقيقات شرطة الاحتلال الخاصة بهم، مع إبقائهم رهن الاعتقال الإداري والاحتجاز "كونهم مقاتلين غير شرعيين"، وفق "هآرتس". وناقشت وزارة العدل ومكتب المدعي العام في دولة الاحتلال أيضًا مؤخرًا الحاجةَ إلى إنشاء قسم مخصص يضم عشرات المحامين لإدارة القضايا الجنائية ضد عناصر المقاومة، وتخصيص معايير مخصصة لهذا الغرض[5].

ووفقًا للاقتراح، سيُعدَّل قانون سَجن "المقاتلِين غير الشرعيِّين" بطريقة تَسمح بإنشاء محكمة خاصة، مدنية أو عسكرية، من شأنها إجراء تحقيق سريع في قضية أولئك المعتقلين، بالاعتماد على الوثائق المكتوبة ومواد التحقيق التي جمعتها شرطة الاحتلال و"الشاباك"، المسؤولان عن التحقيق مع المعتقلين، ودون ضرورة سماع الأدلة في المحكمة كما هو متعارف عليه في القانون الجنائي. وستقرر المحكمة ما إذا كانت ترى أنه من الضروري استدعاء شهود معينين والاستماع إليهم، بينما يحق للمعتقلين المثول أمامها مرة واحدة قبل الفصل في قضيتهم. وسيُطلب من المحكمة تحديدَ ما إذا كان المعتقلون "متورطِين في جرائم حرب خطيرة سيحدِّدها القانون"، بما في ذلك "جريمة حرب تشمل القتل الجماعي"، وإذا اقتنع القاضي بارتكاب المعتقلين "جرائم حرب خطيرة"، يمكنه أن يأمر بسَجنهم إلى أجل غير مسمى. ويمكن إكمال مثل هذا الإجراء في غضون بضعة أشهر، على عكس الإجراء القانوني الجنائي العادي الذي يمكن أن يستمر لسنوات.

قانون "المقاتِل غير الشرعي" في دولة الاحتلال

يُعرِّف قانونُ دولةِ الاحتلالِ "المقاتلَ غيرَ الشرعي" على أنه شخص "شارك بشكل مباشر أو غير مباشر في أعمال عدائية ضد (دولة إسرائيل)، أو أنه منخرط في قوة ترتكب أعمال عدائية" ضدها. وينصّ على أنه يجب على المحاكم المدنية "الإسرائيلية" مراجعة الاحتجاز في غضون 14 يومًا، وبعد ذلك كل 6 أشهر، وأن تمنح المعتقَل حق الطعن في قرار محكمة المقاطعة أمام المحكمة العليا. ويقيِّد نصُّ القانون نطاقَ المراجَعةِ القضائيةِ بشكل يتجاوز نظام الاحتجاز الإداري التقييدي الذي تفرضه حكومة الاحتلال العسكرية في الضفة الغربية وقانون الاحتلال الجنائي على الفلسطينيين في الضفة والداخل المحتل[6].

ويَسمح هذا القانونُ، الذي صدَرَ في العام 2002، لحكومة الاحتلال باحتجاز "المقاتلِين الذين تصرَّفوا بشكل ينتهك قوانين الحرب الدولية" لفترة طويلة من الزمن، دون منحهم حقوق أسرى الحرب، أو المحتجَزين في الأراضي المحتلة، ودون تمكينهم من إجراءات الحماية المُتعلّقة بالمحاكمة العادلة[7]. وينصُّ على أن المحكمة تقبَل تلقائيًّا ما تتوصل إليه وزارة الجيش بأن مجموعة ما تُشكِّل قوة "معادية" وأن الانتماء لها يجعل المحتجَز "شخصًا قد يضر الإفراجُ عنه بأمن الدولة"[8].

جرى التصديق على القانون بعد عامين من قرار محكمة الاحتلال العليا بأنه من غير المسموح لجيش الاحتلال احتجاز الأسيرَين اللبنانيَّين مصطفى ديراني وعبد الكريم عبيد، اللذَين اختطفتهما دورية تابعة لجيش الاحتلال إلى داخل الكيان بوصفهم "ورقة مساومة" في الحرب مع لبنان في نيسان/أبريل 2000[9].

طبَّقت دولة الاحتلال هذا القانونَ على معتقلِي قطاع غزة لاحقًا، في أعقاب خطة فك الارتباط أحادي الجانب التي نفَّذه الاحتلال في أيلول/سبتمبر 2005، واعتُمِد القانون في التعامل مع معتقلِي القطاع الذين احتُجِزوا في خلال عملية "الرصاص المصبوب" ضد قطاع غزة[10].

ويَمنَح القانونُ المعدَّلُ في 30 تموز/يوليو 2008 لرئيس أركان جيش الاحتلال الحقَّ في اعتقال أي شخص بناءً على "شكٍّ معقول" لديه للاعتقاد بأن الشخص المعني قد يشكِّل تهديدًا أمنيًّا وأنَّ إطلاق سراحه قد يمس بـ"أمن الدولة"، ويجيز اعتقاله لفترة غير محدَّدة زمنية ودون تهمة محدَّدة[11].

أهدافُ الاحتلالِ الإجراميةُ من هذا القانون

يزعم الاحتلالُ بأنَّ القانون يًستهدِف عناصر المقاومة، إلا أن تطبيقه الاحتلالُ طال كل معتقلِي قطاع غزة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 من نساء ورجال وأطفال، مقاومين وغير مقاومين، بوصفِه إجراءً انتقاميًّا واسعًا.

ولجأت سلطاتُ الاحتلالِ إلى هذا القانون بعد عجزها عن إدانة الأسرى الفلسطينيِّين بـ"ارتكاب مخالفات يعاقِب عليها القانون الإسرائيلي"، واستَخدمَت القانونَ مع تعديلات "غالانت" ستارًا لممارسة جرائم الخطف والإخفاء القسري والتعذيب وحتى الإعدام بحقِّ معتقلِي قطاع غزة.

ويخفِّف تجنُّبُ الإجراءِ الجنائيِّ العادي، بالنسبة لدولة الاحتلال، "العبءَ" عن الشرطة وجهاز الأمن في دولة الاحتلال، ويقلِّل من "المخاطر الأمنية" التي تنشأ بسبب الحاجة إلى نقل وتأمين مئات المتهمين إلى جلسات استماع عديدة في المحاكم، ويساعد الاقتراح، بالنسبة إلى الاحتلال، في حل مسألة التمثيل القانوني، ومن الممكن ألا يجري تمثيل المعتقلِين على الإطلاق.

موقفُ القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ من هذا الإجراء

يشير مصطلح "المقاتلون" في سياق المنازعات المسلحة الدولية إلى حق الاشتراك المباشر في الأعمال العدائية[12]. ولا يمكن محاكمة المقاتلِين (الشرعيِّين) عن الأفعال المشروعة في الحرب التي يقترفونها في سياق العمليات الحربية، حتى وإن كان سلوكهم يمثِّل جريمةً خطيرةً في وقت السِّلم، غير أنه يمكن مقاضاتهم فقط عن انتهاك القانون الدولي الإنساني، ولا سيَّما جرائم الحرب. ومتى وقع المقاتِلون في قبضة العدو فإنه يحقُّ لهم التمتع بوضع أسرى الحرب، والاستفادة التي من الحماية التي تكفلها لهم اتفاقية جنيف الثالثة[13]. ويمثِّل المقاتِلون أهدافًا حربيةً مشروعة. ويمكن استخلاص الشروط اللازمة للتمتع بوضع المقاتِل/أسير الحرب من المادة 4 من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادتين من 43 و44 من البروتوكول الإضافي الأول الذي طور المادة 4 المذكورة[14].

يُعَدُّ مدنيًّا كل شخص لا ينتمي إلى أي من الفئات المشار إليها في المادة 4 أ (1)، و(2)، و(3)، و(6) من الاتفاقية الثالثة، والمادة 43 من البروتوكول الأول (انظر البروتوكول الأول، المادة 50). وبموجب القانون الدولي العرفي، يحقُّ للمدنيِّين التمتع بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات الحربية، ولا يجوز بوجهٍ خاص جعلهم هدفًا للهجوم. وفيما عدا الحالة النادرة نسبيًّا للهبَّة الشعبية للدفاع، لا يحق للمدنيِّين الاشتراك بشكل مباشر في الأعمال العدائية. وإذا شاركوا فيها على الرغم من ذلك يصبحون أهدافًا مشروعةً طوال مدة طوال مدة اشتراكهم فيها[15].

على الرغم من أنَّ القانون الدولي الإنساني لا يعترف بصفة "مقاتل غير شرعي"، فإنَّه يرى ضمنيًّا أنَّه لا ينبغي أن تُمنَح "للمقاتلِين غير الشرعيِّين" الحمايةُ ذاتها كأسرى حرب، ولا جميع أشكال الحماية الممنوحة للمدنيين "المسالمين"، لكن ينبغي أن يكون لهم الحق في المعاملة الإنسانية، وألا يتعرضوا للإعدام دون محاكمة، ويحدِّد الحمايةَ ضمنيًّا للمدنيِّين المشارِكِين في القتال في "اتفاقية جنيف الرابعة[16]"، والتي تنطبق على الفلسطينيِّين من غزة المحتجَزِين بموجب قانون "المقاتلِين غير الشرعيِّين".

وتنص الاتفاقية على أشكال ومستويات مختلفة من الحماية الأساسية الممنوحة للمقاتلين غير الشرعيين تتوقف على الحالة التي وجدوا أنفسهم فيها في قبضة الطرف الآخر[17]. من تلك المستويات قواعد تتعلق بالمعاملة الإنسانية؛ والحماية الخاصة للنساء؛ وعدم التمييز؛ وحظر استخدام الأشخاص المحميين كدروع بشرية؛ وحظر الإكراه والعقاب البدني والتعذيب، الخ؛ والمسؤولية الفردية؛ وحظر العقاب الجماعي وأعمال النهب والانتقام واحتجاز الرهائن، ومنها ما يتعلق بالتحديد بالأشخاص المحميين في الأراضي المحتلة، ومنها الترحيل والنقل؛ والأطفال؛ والعمل؛ والإمدادات الغذائية والطبية للسكان؛ والنظافة والصحة العامة؛ وعمليات الإغاثة؛ والتشريعات الجنائية؛ والإجراءات الجنائية؛ ومعاملة المحتجزين؛ والتدابير الأمنية. أما قواعد معاملة المحتجزين، فمنها أماكن الاحتجاز؛ والغذاء والملبس؛ والنظافة والرعاية الطبية؛ والأنشطة الدينية والثقافية والبدنية؛ والممتلكات الخاصة والموارد المالية؛ والإدارة والنظام؛ والعلاقة مع العالم الخارجي؛ والعقوبات الجنائية والتأديبية؛ ونقل المحتجزين؛ وحالات الوفاة؛ والإفراج، والإعادة إلى الوطن والإيواء في بلدان محايدة.

من المقبول في القانون الدولي الإنساني عمومًا إمكانية ملاحقة المقاتلِين غير الشرعيِّين قضائيًّا لمجرد مشاركتهم في الأعمال العدائية حتى وإن احترموا جميع قواعد هذا القانون، على أن التشريع الوطني يجب أن ينص أولًا على هذه الإمكانية. وإذا ارتكب المقاتلون غير الشرعيِّين انتهاكاتٍ خطيرةً للقانون الدولي الإنساني، أصبح من الممكن مقاضاتهم على ارتكاب جرائم حرب، ولهم الحق في أثناء هذه الإجراءات في ضمانات المحاكمة العادلة التي تكفلها اتفاقية جنيف الرابعة في حالة انطباقها، أو على الأقل الضمانات المنصوص عنها في المادة 75 من البروتوكول الأول التي تندرج في القانون الدولي العرفي. ويوجَد اتفاق على أنه عندما يقعون في أيدي العدو لا يجوز إعدامهم/معاقبتهم دون محاكمة قانونية[18].

ويُستخدم مصطلح "مقاتل غير قانوني"/مقاتل غير شرعي" ("Unlawful combatant") للإشارة إلى فرد ينتمي إلى جماعة مسلحة، في سياق لا يستوفي فيه الفرد أو المجموعة شروط وضع المقاتل. واستَخدَمت إدارةُ الرئيس الأمريكي "جورج بوش" في "حربها العالمية على الإرهاب" هذا المصطلحَ لوصف الأشخاص الذين، في نظرها، ليسوا مقاتلين ولا مدنيين بل ينتمون إلى فئة ثالثة من الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا للهجوم في أي وقت ويمكن احتجازهم إلى أجل غير مسمَّى دون محاكمة[19].

إنَّ معايير قانونُ دولةِ الاحتلالِ تضع عبئًا على المحتجَز لإثبات أنه لا يشكِّل تهديدًا، بدلًا من وضع عبء الإثبات على عاتق سلطات الدولة، كما ينصّ على ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان. تجعل سريّة الأدلة من المستحيل على المحتجَز الاعتراض الفعلي على هذه المزاعم. ويقتصر نطاق جلسة مراجعة المحكمة لتمديد الاعتقال على تحديد ما إذا كان استخدام السلطات التقديرية معقولًا، ما تقيده افتراضات القانون تقييدًا أكبر. وإنَّ "كل ما يمكن قوله، نظرًا إلى سرية المعلومات المقدَّمة أنَّ صنَّاع القرار كانوا مطَّلِعِين على المواد التي يمكن، إلى حد معقول، أن تُثبِت قرارَ أن الأمن القومي يبرِّر الإبقاءَ على قرار الاحتجاز". وتمنَع معايير قانونُ دولةِ الاحتلالِ المحكمةَ من مراجَعة قرار الحكومة بأن الشخص بمفرده يشكِّل تهديدًا، كما يقتضيه الاحتجاز الإداري بموجب القانون الدولي الإنساني.

في العام 2016 أثارت "لجنةُ الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" قضيةَ أحد المعتقلِين من قطاع غزة على هذا البند، وحثَّت دولةَ الاحتلالِ على "اتخاذ التدابير اللازمة لإلغاء الحبس بموجب قانون المقاتلِين غير الشرعيِّين"، وأعربت عن قلقها من أن الاحتجاز الإداري وقانون المقاتلِين غير الشرعيِّين قد يحرمان "المحتجَزِين من الضمانات القانونية الأساسية ضمن أمور أخرى، ويمكن أيضًا رهن احتجازهم دون تهمة إلى أجل غير مسمى، وذلك على أساس أدلة سرية لا تتاح للمحتجز ذكرًا كان أو أنثى أو لمحاميه"[20].

يشكِّل قانونُ "المقاتلِين غير الشرعيِّين" في دولةِ الاحتلالِ مساسًا خطيرًا باتفاقية جنيف الرابعة، إذ يجرِّد الأفرادَ من الحقوق والحمايات المكفولة في القانون الدولي الإنساني للسجناء والمعتقلين، بما فيه وضع الأسرى أو المعتقلِين المدنيِّين، بموجب الاتفاقية. وأكدت مؤسسات حقوقية، مثل "هيومن رايتس ووتش"، في تقارير سابقة، أن قانون "المقاتل غير الشرعي" مخالفٌ للقوانين الدولية الخاصة بالأسرى وينتهك حقوقهم ويمنعهم من الحقوق المفروضة لهم[21].

وتجدر الإشارة، إلى جانب ذلك كلِّه، إلى أنَّ الفلسطينيِّين، حسب القانون الدولي الإنساني، في "مناطق محتلة"، وإن نفَّذوا "أعمالًا عدائيةً" ضد المحتل أو "تضرُّ بأمنِه"، فإنهم يخضعون إلى نظام خاص حسب أحكام اتفاقية جنيف الرابعة[22].

معطياتٌ حول حملات الاعتقال بعد السابع من أكتوبر

لم يُعرَف حتى اللحظة عدد المعتقلِين من قطاع غزة الذين اعتقلهم الاحتلال منذ بداية معركة "طوفان الأقصى". لكنَّ إجمالي أعداد الأسرى في سجون الاحتلال، حسب إدارة سجون الاحتلال، بلغ حتى نهاية كانون الثاني/يناير الماضي أكثر من 9,000، من بينهم 3,484 معتقلًا إداريًّا، و606 صُنِّفوا بوصفهم "مقاتلِين غير شرعيِّين" من معتقلِي غزة.

نفَّذ الاحتلال عملياتِ إعدام لأسرى بعد أَسرِهم، ووُثِّقَت شهادات لمعتقلِين حول تعذيبهم في خلال الاعتقال بغرض القتل، فيما ما يزال مصير آخَرِين مجهولًا، ولم يخضع أي معتقَل للمحاكمة. ونفَّذت قوات الاحتلال إعداماتٍ ميدانية، منهم أفرادًا من عائلات المعتقلين، واستُشهِد تسعة معتقلين على الأقل في سجون الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أحدهم -على الأقل- من قطاع غزة. وأوضح نادي الأسير أنَّ إعلام الاحتلال كشف عن معطيات تشير إلى استشهاد معتقلِين آخرِين من غزة في معسكر "سديت يمان"، وأنَّ الاحتلال يرفض حتى اليوم الكشف عن أي معطى بشأن مصير معتقلِي غزة، وأنه اعترف بإعدام أحد معتقلِي غزة، إلى جانب معطيات تشير إلى إعدام معتقلِين آخرِين منهم.

خاتمة

إنَّ تطبيق قانون "المقاتلِين غير الشرعيِّين" يوفِّر إطارًا قانونيًّا للاحتلال "الإسرائيلي" لاعتقال الفلسطينيِّين دون تمكينهم من إجراءات الحماية المتعلقة بـ"المحاكمة العادلة"، ويوفِّر حمايةً قانونيةً لسياسات الاحتلال التي تنتهك القانون الدولي الإنساني. ويمثِّل القانون، حسب مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"[23]، "سارة ليا ويتسن"، "احتجازًا إداريًّا مع حماية أقل للمعتقلين مقارنة بالنظام التقييدي المستخدم في الضفة الغربية، ولا يترك أيَّ أساس تقريبًا للقضاة لإبطال قرارات وكالة الاستخبارات، و"يوفِّر هذا القانون سلطة اعتقال واسعة للسلطات الإسرائيلية تستخدمها متى تشاء".