الانقلاب الثالث... بقلم: أ. ناصر حماد

ناصر حماد
ناصر حماد

الانقلاب الثالث

يمكن القول أننا نعيش في مرحلة ما يطلق عليها البعد الثالث حيث الزمن يحكمه بالمكان ومع ذلك لا يرتبط الحدث بمرحلة أو بالمكان وبجغرافيا محددة. فالجغرافيا ذات الصلة بالاحداث معرضة لالانقلاب السياسي بالمفهوم المكثف والكون مترابط سياسيا واقتصاديا وغير ذلك من نظم العلاقات الدولية.

الان نرتبط بتحالفات وارتباطات سياسية عميقة فى وقت سابق توصف بالتنافس بين بريطانيا العظمى وروسيا. التنافس بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبى من جانب وروسيا والصين من جانب اخر ولقد وضعت الحرب في اوكرانيا العالم على مفترق طرق وأصبح العالم على شفا حرب عالمية ثالثة وفق اليات جديدة وقراءات خاصة وفق كل طرف لمصالحة وحضوره العالمى وهى حرب استنزاف عالمى على كافة المستويات والاصعدة وبعد تربع اسرائيل على عرش منطقة الشرق الاوسط لعشرات السنين.

وبدعم امريكى وبريطانى مباشر تلعب لها دورا وظيفىا في امنطقة الشرق الأوسط وقد فتحت الولايات المتحدة لها ابواب العلاقات مع بعض الدول العربية (التطبيع) ولكن فتح العلاقات السعودية الايرانية وحضور الرئيس السورى بشار الاسد للقمة العربية بمدينة جدة السعودية والنظرة العربية تكون مختلفة فى بناء العلاقات على اسس جديدة وفق اليات العلاقات الدولية ضمن المفهوم العربى .

ويمر الوضع الاقتصادى الامريكى فى ازمة كبيرة نتيجة سياساتها العامة وتحتاج الى تعويض خسائرها السياسية والاقتصادية العالمية عبر فتح جبهات وحروب جديدة في العالم ولكن الحرب باوكرانيا هو استنزاف سياسي واقتصادى وعسكرى بشكل مستمر لأوروبا أكثر منه للولايات المتحدة.

ويرى الخبراء في ذلك انقلابا دولىا على كافة الاصعدة وذلك نتيجة لغياب استراتيجية فائقة الدقة بالسياسة الدولية ومثال ذلك الصراع الصينى - الامريكى حول تايوان بجذوره التاريخية وهى معضلة شديدة التعقيد من حيث بعدها الجيو سياسي.

ومهما كانت النتائج فإن المستفيد الاكبرهو الصين سواء على مستوى الصراع العالمى بينهما او من حيث الصراع المباشر من أجل مصالحهم فى منطقتنا والتى تشمل الامداد بالنفط المنتظم ونظرا لاهميه مشروعها التاريخى الحزام والطريق.

وترى الصين تغلغلها المتزايد فى هذا الجزء من العالم بمثابة مواجهة لتحول المحور الاستراتيجى الامريكى الى شرق اسيا وأما الصين فتعتبر المنطقة ساحتها الامامية والخلفية لذلك تواصل تعزيز علاقتها مع ايران والسعودية واطراف عربية اخرى وهو انفتاح على تعزيز موقعها الجيوسياسي بمنطقة الشرق الاوسط.

إن قوة الصين الاقتصادية بكافة المجالات يفرز تراجعا في الاقتصاد الامريكى لصالح الصين كما وإن وجود تكتلات اقتصادية عالمية ادى الى تراجع الولايات المتحدة الامريكية والمتحالفين معها وتراجع اتفاقيات ابراهام الاسرائيلى(التطبيع) وهذا يضيف مزيدا من الفشل.

ومما سبق يعتبر تحديا كبيرا للولايات المتحدة واسرائيل معا وانكفاءاً للدبلوماسية الامريكية. لقد ضبطت التطورات الساسية الأمنية فى منطقة الشرق الأوسط الولايات المتحدة لأنها غير جاهزة، كما واظهرت عواقبها المختلفة من جديد الاشكاليات والتناقضات فى فهمها للواقع بالشرق الاوسط.

وأدت التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط إلى إنهاء دور الولايات المتحدة كشرطي في المنطقة والعالم. فالحرب الاوكرانية فرضت نفسها على الاجندة الدولية كسياق له مكانتها بسياسة الانفتاح العربى السياسي والاقتصادى على العالم ووجود نهضة عربية جديثة ضمن مشروع سياسي يخلق توازنات جديدة.

والبحث عن مصالحها بالعالم يخلق توازنات جديدة سياسية كبيرة هذا المشروع العربى ترفضه الولايات المتحدة لانها تعتبر نفسها هى الراعى الاساسي لاستراتيجية الشرق الاوسط وهذا تنافس من ضمن مشاريع لها حضورها وهى المشروع الاسرائيلى والداعم الاهم لهذا المشروع.

الولايات المتحدة تصطدم بعدد من المشاريع الإقليمية كالمشروع العثمانى والمشروع الإيراني ببعده الاستراتيجى وهذه المشاريع تعمل وتنمو على حساب الامة العربية وحضور اى مشروع نهضوى عربى هو بديل لاى مشروع امريكى.

ومما سبق يؤكدنزول اسرائيل عن اعرش للشرق الاوسط لذلك تبحث عن ذرائع لخلق واقع جديد وتحسين موقعها السياسي الاقليمى والدولى وشد الانتباه عبر حروب جديدة وفتح جبهات مختلفة بدعم امريكى وغربى لان الولايات المتحدة تتعامل بمبدأ ازدواجية المعايير.

وتجيئ المناورات العسكرية الإسرائيلية في هذا السياق تبعث بها رسائل متنوعة على مستوى الشرق الاوسط او اطراف عربية حيث ان معركة ثأر الاحرار مع الجهاد الاسلامى وقوى المقاومة الاخرى ما هى إلا مقدمة لمعارك اكبر وقد تشمل الحرب عدة جبهات.

لذلك قد نشهد تراجع قوة الردع الاسرائيلى امام العرب وهذا يضع اسرائيل امام معضلة سياسية وأمنية كبيرة من وجهة نظرهم وهى تحاول ارجاع هذا الدور لاسرائيل بفتح حرب جديدة على عدة جبهات لكنه قرار صعب وقد يعني انتحاراٍ سياسياً كننتيجة حتمية لليأس والهروب من الواقع الجديد في منطقة الشرق الأوسط الى الامام.

وحيث ان اختلاف الزمن والمعطيات السياسية ليست فى صالح اسرائيل وإن بدئها مناورة عسكرية كبيرة تحاكى عدة عدة جبهات بعنوان الضربة القاضية وقد علمنا التاريخ أنه عند بدء إطلاق النار يصبح كل شىء غير متوقع.

كل هذاه السيناريوهات تكشف أن لا مستقبل لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وإن سياسة التطبيع وتقديمها على الحل السياسي مع ممثلي الشعب الفلسطيني ما هي إلا هروباً فاضحاً لهذا المستقبل الذي يعتمد على تتابع الحروب ٠التي تشنها إسرائيل حفظاً على وجودها إذ لا يمكن استمرار هذا الكيان دون هذه العقيدة العسكرية.

غزة/ المشرق نيوز