السياسة الأميركية ما بعد زيارة بايدن إلى المنطقة ربيع أبو حطب

ربيع ابوحطب.jpg
ربيع ابوحطب.jpg

السياسة الأميركية ما بعد زيارة بايدن إلى المنطقة ربيع أبو حطب

زار الرئيس الأميركي جو بايدن المنطقة خلال المدة 13-16 تموّز/يوليو 2022؛ حيث زار إسرائيل، والأراضي الفلسطينية، والمملكة العربية السعودية، وشارك في قمة جدة بحضور زعماء 9 دول عربية.
بعد مضي شهر على الزيارة، لم يحدث أي تغيير يذكر، سواء على صعيد زيادة إمدادات الطاقة، أو مزيد من التطبيع لدمج إسرائيل في المنطقة، أو تشكيل ناتو عربي لردع إيران، وكذلك على الصعيد الفلسطيني؛ إذ لم يف بايدن بوعوده التي قطعها أثناء حملته الانتخابية، فلم تُفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، كما لم يُفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة واشنطن، فضلًا عن جمود عملية التسوية؛ الأمر الذي يطرح التساؤل الآتي: ما السياسة الأميركية المتبعة تجاه المنطقة ما بعد زيارة بايدن.

من أوباما إلى بايدن
ورثت إدارة بايدن تركة ثقيلة من التعقيدات في إقليم الشرق الأوسط خلفتها فترتي حكم الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب، أبرزها ملفات اليمن وليبيا وسوريا، وتدخل تركيا في شمالي العراق وسوريا، والملف النووي الإيراني، إضافة إلى المخاوف الإسرائيلية من التمركز المتقدم لإيران في سوريا، ولعل الصراع العربي الإسرائيلي، وغياب أفق للتسوية، هو الملف الحاضر الغائب الأبرز في المشهد السياسي.
بينما كان يُتوقع أن يضع الرئيس بايدن وإدارته إستراتيجية تجمع بين كافة المتناقضات، وتراعي خصوصيات جميع المناطق والملفات، بما يحقق توازنًا شاملًا يضمن تحقيق أهدافها من ناحية، ومن ناحية أخرى، يبدد شكوك حلفائها الخليجيين من تراجع الاهتمام بالمنطقة لصالح إعادة تموضعها من أجل التركيز على الخطر الصيني، استمرت في التكتيكات نفسها والنهج التقليدي للديمقراطيين المتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان؛ ما زاد مخاوف السعودية، ودفعها إلى البحث عن بدائل حماية ذاتية أو محلية ودولية، والبحث عن مقاربات جديدة للعلاقة مع إيران في ظل الحديث عن اتفاق نووي جديد.
ولعل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وما خلفته - وما تزال - من تحديات أمنية واقتصادية وارتفاع لأسعار النفط، وزيادة معدلات التضخم المرتفع إثر جائحة كورونا، ورفض السعودية زيادة إنتاج أوبك، وهو ما فُسر لصالح روسيا، وفي ظل تقارب سعودي صيني وآخر تركي وباكستاني؛ الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية إلى التفكير في مقاربة جديدة للتعامل مع المنطقة والسعودية، بما يضمن توازن وجودها في المنطقة من ناحية، وسياساتها بشأن مواجهة الخطر الصيني، والأزمات المتصاعدة إثر الحرب على أوكرانيا من ناحية أخرى.

إدارة بايدن: بين تناقضات التصريحات والبرامج والفعل
أثناء حملته الانتخابية، ومنذ توليه الرئاسة، جاءت تصريحات الرئيس بايدن حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة عمومًا، ومصر والسعودية بشكل خاص؛ ما أثار القلق لدى حلفاء مركزيين في المنطقة كمصر والسعودية، ولعل توجيه بايدن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بالبدء بسحب بعض القوات التي نشرتها واشنطن في منطقة الخليج، وخاصة في السعودية[1]، عزز موجة شكوك المنطقة حول نهج الإدارة الأميركية الجديدة.
كان التراجع الأميركي من الشرق الأوسط لصالح الالتفات لأعداء إستراتيجيين كالصين وروسيا، إلا أن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وأبرزها أزمة الغاز والطاقة، دفع الإدارة الأميركية إلى الالتفات للمنطقة من جديد، لضمان استقرار إمدادات الطاقة عالميًا من أجل تخفيف الضغوط عن حلفائها الأوروبيين، لكن الرفض السعودي على ما يبدو جعل الولايات المتحدة تدرك أن "لدى الشرق الأوسط طريقةً لفرض نفسه"[2].
دفع الموقف العربي من الحرب في أوكرانيا، ومحاولة الاعتماد على الحماية الذاتية عبر تصفير مشاكلهم الإقليمية مع إيران وتركيا، وتوطيد شراكاتهم الاقتصادية والعسكرية مع الصين وروسيا وباكستان؛ إدارة بايدن إلى تعجيل الزيارة لطمأنه الحلفاء؛ "ما جعل البيت الأبيض في موقف دفاع في مواجهة من اعتبروا الزيارة تراجعًا مذلًا ومخيبًا للآمال عن تركيز القيم، مقابل لا شيء جوهريًا أو واضحًا، ما قد يكلف بايدن مصداقية في مسألة القيادة الأميركية".[3]

العرب: مواقف أكثر توازنًا
على الرغم من إدراك العرب تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، بدءًا بالانسحاب من العراق، وتراجع التأثير في ملفات سوريا وليبيا، فإن مواقفهم من ذلك كانت متوازنة وتنمو بشكل هادئ، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين دول الخليج العربي والصين في النصف الأول من العام 2021 نحو 103.8 مليار دولار، بنسبة زيادة بلغت 35.6% عن النصف الأول من العام 2020، كما بلغ حجم الواردات الصينية إلى دول الخليج 63 مليارًا.[4]
وعلى الصعيد العسكري، الأهم والأكثر حساسية لدول الخليج، وتحديدًا السعودية، قالت شبكة سي إن إن الأميركية (CNN) إن السعودية تعمل الآن بنشاط على تطوير صواريخها الباليستية بمساعدة الصين، حسب تقييم الاستخبارات الأميركية.[5] في حين كان التعاون الصيني الإماراتي مختلفًا عبر إنشاء أبو ظبي سرًا موقعًا عسكريًا لبكين في ميناء خلفية، وعلى الرغم من وقف البناء بطلب أميركي، لكن الشكوك الأميركية المتزايدة من الأنشطة الصينية غير التجارية في الإمارات كانت سببًا في التأخير المستمر لصفقة مقاتلات إف-35 (F-35) وطائرات مسيرة وذخيرة عسكرية متطورة، وربما يعرضها إلى عدم الإتمام.[6]
مع الحرب على أوكرانيا، بدت المواقف العربية مختلفة عما سبق؛ إذ بدا أن للعرب خياراتهم الخاصة من الصراعات الدولية بما يحقق لهم استفادة من حالة التنافس والصراع، حتى إن تناقضت مواقفهم مع الحليف الأميركي، أو وصلت إلى حد التوتر؛ حيث امتنعت الكويت وقطر عن انتقاد روسيا مباشرة، واكتفتا بإدانة العنف، بينما لم تعلّق السعودية وعُمان والبحرين. وتجلت معالم ذلك التوتر مع موقف الإمارات من الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن، وتلا ذلك "رفض السعودية ودولة خليجية أخرى دعوات أميركية لضخ مزيد من النفط لخفض أسعار الوقود العالمية".[7]
ظلّ التوازن الذي سبق الزيارة أو الإعلان عنها حاضرًا في شكل مراسم الاستقبال مقارنة باستقبال ترامب، وكذلك خلال الزيارة، وحتى البيان الختامي؛ حيث أجمع العرب والسعودية على نقاط جوهرية عدة، هي أبرز أهداف بايدن، ففيما يتعلق بالنفط أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن المملكة "لن تكون قادرة على زيادة الإنتاج النفطي، وأن مستقبل الطاقة يتطلب تبني رؤية واضحة وأولويات لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار".[8]
وحول ما أثير قبل الزيارة حول إنشاء ناتو عربي إسرائيلي لمواجه إيران، فقد جاء أول تعليق من الإمارات بأنها "لن تكون جزءًا من محور ضد إيران، وأن الإمارات تعمل على إرسال سفير إلى طهران مع سعيها لإعادة بناء العلاقات معها"[9]، بينما جاء رد السعودية خلال قمة جدة بدعوة "إيران إلى التعاون مع دول المنطقة"[10]، دعوة لاقت استجابة طهران لحوار علني بين البلدين[11]، ولعل هذا القبول تأكيد على محاولة البلدين لتصفير مشاكلهما الإقليمية.
ولعل الصراع العربي الإسرائيلي هو الملف الحاضر الغائب في هذه الزيارة؛ إذ ترى إدارة بايدن أن حل الدولتين بعيد الآن[12]؛ لعدم رغبتها في إيجاد حل وتسوية للقضية الفلسطينية، سواء بسبب الانقسام الفلسطيني وعدم وجود قيادة جامعة، أو لتعقيدات المشهد السياسي الإسرائيلي، لكن "إعلان القدس شكّل قفزة جديدة في الانحياز الأميركي لصالح إسرائيل، ومحاولة لفتح المزيد من الأبواب لدمجها في المنطقة"[13].
أكد العرب في قمة جدة "ضرورة التوصل إلى حل عادل للصراع على أساس حل الدولتين، ووقف كل الإجراءات الأحادية التي تقوّضه، واحترام الوضع التاريخي القائم في القدس، وأهمية دعم الاقتصاد الفلسطيني ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).[14] وهنا، يتوجب على الفلسطينيين "تشكيل تيار وطني واسع عابر للفئوية الحزبية والجغرافيا يضغط باتجاه إنهاء الانقسام، وتبني إستراتيجية جديدة تعيد النظر في العلاقة مع الاحتلال، وتوحد المؤسسات".[15]

ماذا حققت زيارة بايدن
لم تحقق الزيارة النتائج المتوقعة لأهدافها الرئيسة، سواء لجهة زيادة إمدادات الطاقة، أو مزيد من التطبيع لدمج إسرائيل في المنطقة، أو تشكيل ناتو عربي لردع إيران، أو لجهة الوفاء بالتعهدات التي قطعها بايدن أثناء حملته الانتخابية حول القضية الفلسطينية،  كما لم تُبدد شكوك العرب من تراجع اهتمام الولايات المتحدة في المنطقة؛ ما عزز توازن العرب في علاقتهم مع أميركا وتوجههم بقوة نحو تعزيز علاقاتهم وشراكاتهم الاقتصادية والأمنية مع القوى الصاعدة كالصين وروسيا من ناحية، وتصفير مشاكلهم الإقليمية مع إيران وتركيا بما يحفظ أمن واستقرار المنطقة من ناحية أخرى.
وهذا ربما يعزز توجه الدول العربية الرئيسة، وبخاصة السعودية، لتطوير علاقات التعاون والشراكة مع الصين وروسيا، في المجال الاقتصادي والأمني، إلى جانب مواصلة مساعيها للانفتاح على إيران وتركيا، بما يعزز أمن واستقرار المنطقة، خاصة أن هذه المساعي قوبلت بشكل إيجابي، سواء من تركيا أو إيران، التي استجابت لدعوة السعودية للحوار العلني، وأعلنت أنها "مستعدة لدخول أسواق مصر عبر إنشاء شركات مشتركة، ومصنع للسيارات، وإعادة تشغيل البنك المصري الإيراني، وأن العلاقة بين البلدين وصلت إلى المستوى السياسي المنشود بشكل يفوق ما يروج له الإعلام".[16]