أزمة "الإسلام السياسي" والبدائل المطروحة

أزمة "الإسلام السياسي" والبدائل المطروحة
أزمة "الإسلام السياسي" والبدائل المطروحة
Photo: © EPA

لعل من الصواب القول أن فكرة "الإخوان المسلمين" بكل تجلياتها السياسية أصبحت جزءا من الماضي ولم تعد مقبولة حتى في أوساط المجتمعات الريفية والقبلية نظرا لاصطدامها بحقائق انتشار المفاهيم الليبرالية الجديدة التي دخلت إلى كل بيت وكل أسرة دون إذن من أربابها الذين باتوا أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يقبلوا بدخول التيار الكهربائي والتلفاز ووسائل الاتصالات الإلكترونية وغيرها من منجزات الحضارة الإنسانية إلى منازلهم أو أن يعودوا بإسرهم وعيالهم إلى مضارب الخيام في الصحراء وإلى مواقد "الجلة" والبعير 

بقلم : سامي إبراهيم

 

الأزمة تحيق بفكر "الإخوان..

وربما من الصواب أكثر القول أن هذه الأزمة الموضوعية قد تضرب فكر "الإخوان المسلمين" ليس بشكله الظاهري فحسب وإنما قد تنسفه من جذوره إذا لم يحاول هذا الفكر معالجة أسسه البنيوية التي ارتكز عليها في ولادته وترعرع على تقنينها ولم يحاول تجديدها بل واستبدالها بما يتفق ومتطلبات التطور الحضاري والإنساني بشكل عام نظرا للتناقض التناحري الحاصل بين ثوابته المبدئية وأسسه النظرية من جهة وبين حقيقة الواقع الموضوعي من جهة أخرى.

وعندما يجري الحديث عن أزمة في فكر "الإسلام السياسي" لا يقصد منه الإساءة إلى الإسلام أو إلى أي ديانة أخرى لأن الإسلام هو "دين يسر" مثله مثل باقي الديانات المنتشرة على سطح البسيطة وليس "عسرا" أمام طموحات الإنسان المسلم في حياة أفضل إلا أن الحكم الإسلامي في عهد الخلافات المتتالية أقحم هذا الدين في شؤون السياسة وقولبه في أطر حديدية وفق مآرب الفئات الاجتماعية المؤثرة فيها ما جعله يبدو على شكل "نمط للحياة" متشنج ومكرس لخدمة الإقطاع ومالكي السلطة ومشرعا لقوانينها وسننها قبل ألف عام.

 

الليبرالية سبب الأزمة في "الإسلام السياسي"

كما أن الحديث عن أزمة في أمر ما يعني أن هذا الأمر قد اقترب من أجله وبات على بعد يسير من نهايته إذ لم يحاول التأقلم مع محيطه وفي هذه الحال يصبح تأقلم "الإسلام السياسي" مع محيطه "الليبرالي" بمثابة عملية جراحية شاملة تستأصل من هذا الجسم السياسي كل أسباب العلة فيه ما يجعله فيما بعد مغايرا تماما لما كان عليه سابقا وعلى النقيض من ذلك إذا رفض التأقلم وأصر على الحفاظ بكينونته فإنه سيدخل في صراع عنيف مع محيطه على مبدأ "أكون أو لا أكن" بهدف البقاء وإلا العدم.

وإذا كان "الإسلام السياسي" موضوع هاتين الحالتين فإنه في كليهما يفقد مبررات وجوده ومغزى بقائه ويستحيل فيهما إلى جثة سياسية هامدة أقرب إلى جمعية دينية تتاجر بالحفاظ على نقاوة الإسلام من أجل بقائها من قربه إلى حزب سياسي يعتمد العقائد الإسلامية في نضاله اليومي بغية الوصول إلى السلطة.

ويشهد التاريخ الإسلامي على ظهور مدارس واتجاهات فقهية في كلا الفريقين الرئيسيين في الإسلام واجتهادات حاولت تدوير الزوايا الحادة في العقيدة من أجل التماشي مع تغييرات الواقع الموضوعي حفاظا منها على جوهر الإسلام في عقيدة إسلامية متطورة تنفض عن الإسلام الغبار الذي تراكم خلال أكثر من ألف عام وتزيل عنه المفاهيم العصبية البالية التي أدخلها دعاة "الإسلام السياسي" إلى الدين الحنيف مؤججين بذلك النزاع بين الديمقراطية السنية والثيوقراطية الشيعية.

 

الصراع الديمقراطي الثيوقراطي في الإسلام

إن عودة النزاع القديم في الإسلام بين ارستقراطية بني أمية وشعبية بني هاشم بدأت منذ عهد خلافة عثمان بن عفان واستمرت لحين خروج معاوية بأهل الشام لمحاربة علي بن أبي طالب وهكذا حتى ترى الأن تجديدا لها في دعوات أحزاب "الإسلام السياسي" للعودة بالمجتمعات الإسلامية إلى سنن وشرائع وضعها الحكام المنتفعون في عصر الخلافة الإسلامية في العصور الوسطى إذ أن علي قال وهو على فراش الموت "ستجدون من بعدي أثرة سيتخذها الظالمون فيكم سنة وسيتخذون مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا".

وإذا تجردنا من عصبيتنا الطائفية والمذهبية وأولينا العقل الحكم على قول من يقول "لا تجبروا أولادكم على ما أنتم فيه لأنهم خلقوا في زمان غير زمانكم" نرى أنه ينسجم مع القوانين الديالكتيكية لتطور العلاقات الانسانية في المجتمع وأنه لا ضير في الشخص الذي قاله بل إنه قال عين الصواب وأنه حل للتناقض المستمر بين العقائد الجامدة والمتغيرات الموضوعية في الحياة وكذلك الوضع أيضا في دفاعه عن حقوق الفقراء من المسلمين حيث قال "إن للفقير حق في مال الغني فما اغتنى غني إلا من فقر فقير" مشيرا بذلك إلى مفهوم "القيمة الزائدة" قبل أن يكتشفها كارل ماركس في القرن التاسع عشر فأين الخطيئة والكفر في هذه الأقوال؟ أليست لخدمة الإنسان المسلم والمجتمعات الإسلامية حين يعمد إلى تنفيذها؟.

 

تناقض مفهوم "الإخوان.." والمجتمع

وفي ضوء هذه الأقوال والمفاهيم يعاني فكر "الإخوان المسلمين" على مختلف مشاربهم من أزمة قاتلة إذ أنهم لا يدركون أن الأزمات السياسية تظهر حين يتفاقم التناقض التناحري بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج فإذا سادت في المجتمع علاقات الانتاج الرأسمالي بل والليبرالي فينبغي على القوى المتنجة أن ترتقي إلى مستوى هذه العلاقات لا أن تعمل على إعادة علاقات الانتاج الإقطاعي أو علاقات مجتمعات مالكي العبيد إليها وهذا مسلك رجعي فاشل يرمي للعودة للوراء ودلت على فشله تجربة الإخوان المسلمين في مصر حيث لم يتمكن "الإسلام السياسي" فيها من استقطاب المدينة المصرية وبالتالي من البقاء في السلطة عندما حاول تطبيق قواعد وسنن "الشريعة الإسلامية" التي وضعت لزمان غير هذا الزمان.

إن أحزاب "الإسلام السياسي" بكل تجلياتها ومهما حاولت التلون بمفاهيم العدالة والحرية والتنمية لن تستطيع الصمود أمام العلاقات الاجتماعية المتواكبة التي هي نتاج طبيعي لتطور المجتمعات الإنسانية في حقول الثقافة والعلوم والسياسة مثلما لم تتمكن من إحراز انتصارات تجعلها مطمئنة لواقعها في أي دولة من الدول العربية بدأ من الجزائر إلى العراق وجنوبا إلى اليمن لأنها تمثل فكرا وقوى رجعية يجعل الشعوب العربية تعاني من تخلف مستمر يمنعها من رفع مستوى حياتها ومستقبل أجيالها اللاحقة وحين تخلي هذا "الإسلام السياسي" عن مبادئه فإنه سوف يتحول إلى مومياء محنطة في إهرامات العالم الإسلامي المعاصر.