الوهابية تغزو سوريا.. والتطهير العرقي أداة في الحوار

الوهابية تغزو سوريا.. والتطهير العرقي أداة في الحوار
الوهابية تغزو سوريا.. والتطهير العرقي أداة في الحوار


تدخل سوريا، الدولة والشعب، منعطفا جديدا في الحرب التي تشهدها البلاد، منعطف سيحمل عنوان المجازر والتطهير العرقي الذي بدأ في الشمال والساحل، وذلك كأدوات في تمرير الصفقة السياسية التي يعمل الكبار على تحضيرها. وفي هذا السياق كانت زيارة الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات السعودية إلى موسكو، وكان أيضا هروب أمراء القاعدة من سجون ليبيا والعراق وباكستان

بقلم إلياس مارديني

 

التطهير العرقي في سوريا

يبدو واضحا للعيان أن مكونات عريضة من المعارضة السورية ارتمت في أحضان الوهابية السعودية التي تغزو الهلال الخصيب، فبعد أن انتقل ملفها من أيدي القطريين إلى آل سعود اشتدت المجازر التي ترتكبها "جبهة النصرة" و"دولة العراق والشام الإسلامية" بحق مكونات المجتمع السوري بغية زرع الرعب والخوف فيه إلى جانب الفتنة التي سيحصد السوريون ثمارها في القادم من الأيام، وذلك في اطار جمع الأوراق التفاوضية.

المذابح والمجازر في سورية مستمرة على قدم وساق، فعمليات التطهير العرقي التي يقوم بها المقاتلون الأجانب والكتائب الجهادية باتت على كل لسان في المدن السورية. تحت مسمى "معركة تحرير الساحل"، شنت فصائل تابعة لتنظيم القاعدة هجوما كبيرا على قرى ريف اللاذقية الشمالي، وذلك بمباركة الإئتلاف السوري المعارض المدعوم عربيا وغربيا، مئات القتلى من النساء والاطفال والشيوخ العلويين في الساحل السوري، و"الجيش السوري الحر" الذي يزعم أنه سيقاتل القاعدة يشارك في العملية لكن بفصيل واحد وهو "جماعة أحرار الشام"، ما يعني أن الإئتلاف يقدم غطاءً سياسيا للجهاديين الأجانب الذين يرون في سوريا قبلة لهم، لكنه لا يستطيع القتال لأنه بات خارج المعادلة العسكرية، فالإئتلاف بات يرى في مقولة الفيلسوف الإيطالي نيكولا مكيافيلي الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" شعارا لتحركاته، وهو ما يتأكد يوما بعد يوم.

المجاز لم تتوقف عند الساحل السوري حيث الاغتصاب والقتل على الهوية، فالتطهير العرقي طال المكون الكردي للمجتمع السوري، في شمال البلاد أيضا مئات القتلى من النساء والاطفال والشيوخ على يد الجهاديين الأجانب بالإضافة إلى تهجير المسيحيين من قراهم التي تعود لآلاف السنين، وفي حين يتشدق العالم بـ "الديمقراطية العربية" والربيع العربي يتصدى المقاتلون الأكراد للجهاد العابر للحدود المدعوم تركيا وسعوديا، والذي يحاول مد صراع النظام الوهابي العربي مع نظام الرئيس السوري البعثي ليطال الأقليات في الشمال والغرب السوري بعد فشله في تحقيق النصر في الداخل ومحيط دمشق حيث الإسلام السوري المعتدل، وما هروب زعماء القاعدة من السجون في ليبيا والعراق وباكستان إلا مؤشر على أن الحرب ستصبح أكثر شراسة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي، يعطي الضوء الأخضر للجيش السوري والمعارضة الوطنية لإرسال الجهاديين إلى حورياتهم وهو أمر بات رهن صفقات الكبار ومطبخهم.

 

السعودية تراوغ والأسد أيضا

منذ بداية الحرب على سورية ولم يتخطَ الإعلام السعودي، عكس القطري والتركي الإخواني، عتبة اللارجعة في علاقته مع الرئيس السوري بشار الأسد، فالاتهامات كانت تطال النظام دون ذكر شخص الأسد، وهنا تجدر الإشارة أيضا إلى كلمة الرئيس السوري الأخيرة بمناسبة ليلة القدر التي تجنب فيها تحديد ماهية العدو الذي تواجهه الدولة السورية مكتفيا بذكر الوهابية، ما يعني أن قنوات الاتصال لا تزال قائمة بين الطرفين وإن كانت غير مباشرة في إطار الاستعدادات لمؤتمر "جنيف 2"، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن لدى الطرفين عدوا مشتركا وهي جماعة الإخوان المسلمين، التي بات حملا ثقيلا حتى على داعميها الغربيين بسبب سوء الإدارة والافتقار إلى الحمكة السياسية.

لا يمكننا الحديث عن أي تسوية سياسية في سورية قد تكون قريبة دون ذكر زيارة الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات العامة الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد جولة على العديد من الدول الأوروبية، اللقاء لم ترشح عنه أية معلومات رسمية، لكن مما لا شك فيه أنه بحث بشكل رئيس الأزمة السورية والنفوذ الإيراني في المنطقة، وذلك بعد أن بدأت أوروبا تعيد حساباتها لجهة الجهاديين وهو ما سمعه "أمير المجاهدين" من أيام أفغانستان بندر بن سلطان بن عبد العزيز أينما حط رحاله. هذه التسوية قد ترى النور في موعد لا يزال مطاطيا لكن سقفه قد يكون الانتخابات الرئاسية في سورية العام المقبل، وإلى ذلك الحين فإن المعارك ستكون لغة التفاوض.

وتتطلب المرحلة المقبلة حوارا بين القوى الوطنية يترتب عليه تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود المرحلة الانتقالية، ويجب أن يشارك في هذا الحوار جزء من المسلحين، فليس جميعهم إرهابيون أو جهاديون وهو ما أدركته الحكومة السورية بعد عناء طويل، وترتب على ذلك مهادنات ووقف لإطلاق النار بين السوريين المتصارعين في العديد من المناطق. لكن هذا لا يعني أن يقف الجيش السوري مكتوف الأيدي من تمدد التكفيريين وازدياد نفوذ التيارات المتطرفة في المعارضة السورية لا سيما الخارجية منها المرتهنة لإملاءات مموليها الخليجيين، فهؤلاء باتوا اليوم خطرا يهدد الدولة السورية وسكانها المموالين والمعارضين على حد سواء. 

الغزو الوهابي لسوريا

يجب ان تدرك الدولة السورية وتلك المعارضة التي عانت طويلا من النظام لكنها لم تفقد بوصلتها السورية، أن الحسم العسكري ضد الجهاديين لا يتعارض أبدا مع الحوار والتغيير السياسي الذي بات مطلبا شعبيا، أما من يريد زج الأقليات في الساحل والشمال بحجة أن النظام يقوم بمجازر في المناطق الوسطى من البلاد ذات الأغلبية السنية، فهؤلاء يسعون لتدمير سوريا من خلال دفعها لحرب طائفية علنية.

وإلى أن يدرك طرفا الصراع أن سوريا الحضارة والتاريخ تتعرض لغزو وهابي يتلاعب بالمذهبية كأداة، فإن التطهير العرقي سيستمر، لأنه كلما سالت الدماء أكثر كانت الطبخة أكثر دسما في انتظار تقاسمها على طاولة الكبار، هي ليست الغزوة الأولى ولن تكون الأخيرة، وعلى النظام والمعارضة أن يدركا أن العدو بات واحدا.