المفاوضات بين المبتدأ ...والخبر / بقلم نبيل عمرو

المفاوضات بين المبتدأ ...والخبر / بقلم نبيل عمرو
المفاوضات بين المبتدأ ...والخبر / بقلم نبيل عمرو

المفاوضات بين المبتدأ ...والخبر / بقلم نبيل عمرو

اذا وضعنا لغة الشعارات جانبا.. واعتمدنا صيغة الحسابات، فبوسعنا القول.. ان المفاوضات التي تبدأ اليوم في واشنطن ، قد استؤنفت وفق شروط محددة، تختلف عن الشروط التي وضعناها ، الا انها تستجيب لبعض منها، فهذا هو حال التسويات والحلول الوسط، فلا احد يأخذ كل ما يطلب.

لغة الشعارات تؤدي الى رفض كل شيء يمكن ان يعرض من الاميركيين وغيرهم، اما الحسابات فلها مقياس آخر .

فما هي الحسابات التي دفعتنا الى المفاوضات، وما كان لنا ان نرفضها.

اولا: الواقع الفلسطيني، والجميع – مهما كابر – لا يستطيع نفي حقيقة انه واقع معقد وصعب من كل النواحي، واذا كان الجانب الاقتصادي يمثل المرتبة الثانية بعد الجانب الوطني، فإن الانقسام المستشري على صعيد الشعب والوطن ، يكبل ايدي القوى السياسية المفترض انها متفرغة للنضال ويخفض من اسقفها، وهذا الامر ينطبق على رام الله وغزة، فالاثنان "في الهوا سوا" كما يقال. واذا كانت "حماس" وبحكم التطورات الاخيرة في مصر، عادت الى فتح دفاترها القديمة لمحاولة اعادة الامور الى سابق عهدها مع ايران، فإن السلطة في رام الله ستعاني اكثر بكثير مما تعانيه "حماس"، لو لم تلحق نفسها بإتفاق هو في الاساس مع الولايات المتحدة والعالم ، ولو ادارت ظهرها للقوى التي دفعتها نحو المفاوضات، واولها الدول العربية مجتمعة.

ان من يحسب على ضوء واقعه، يصل الى نتيجة كالتي نحن بصددها .

ومن يحسب وفق شعاراته فسوف يجد نفسه على رصيف الشارع او في مكان ناء عن الملعب واللعبة.

ثانيا: الواقع العربي: لست بحاجة الى رسم صورة بالالوان الطبيعية للوضع الكارثي الذي يعيشه عالمنا العربي ، فمنذ متى وصل العرب الى الدرك الذي هم فيه الان، اذ لا دولة الا وتعاني من حرب اهلية محدودة ، او حرب اهلية واسعة ، او اضطرابات تجعل المواطن خائفا على حاضره وغده، وحتى الدول التي لم تطالها نيران الربيع العربي اللاهبة، فإما هي خائفة منها واما انها تدفع ثمن اكتواء غيرها بنارها .

واقع كهذا يفرض على الفلسطينيين اكثر من غيرهم ، ان يحسبوا جيدا، وان يتعرفوا مسبقا على نتائج خياراتهم على ضوء قدراتهم الفعلية على ممارسة هذه الخيارات . ان العرب جميعا.. لم يعودوا يملكون ولو بعضا من قدراتهم السابقة المتواضعة اصلا.. وهذا نوع من الخلل الاستراتيجي الذي يعاني منه الفلسطينيون اكثر من غيرهم.

ثالثا: الواقع الدولي ....

لا احد من المائة واربعين دولة او اكثر، التي اعترفت بدولة فلسطين غير العضو في الامم المتحدة، الا ونصح الفلسطينيين بالذهاب الى المفاوضات، فلكي تكون الدولة غير العضو عضوا كاملا ، فلا سبيل الى ذلك الا بالمفاوضات ، ولكي تقام هذه الدولة على الارض فلا سبيل كذلك الا بالمفاوضات ، اذن فإن الواقع الدولي الذي يلح على هذا الامر، وهو ذاته من منح الفلسطينيين انجازا مرموقا في الامم المتحدة، يفرض نفسه حكماً على قرارات الفلسطينيين وخياراتهم، الا اذا ظن البعض ان بوسع الفلسطينيين تجاهل واقعهم وواقع العرب وواقع العالم ، واللعب بمفردهم في عالم متخيل كما لو انه لهم وحدهم.

هذا ما فرض الذهاب الى المفاوضات .. وبالتالي فقد تحقق المبتدأ وبقي الخبر، فلا قيمة لمبتدأ اذا لم يتلوه خبر.

الخبر.. أوله ان المفاوضات بدأت وسنحتفل بخروج عدد من ابنائنا واشقائنا وبالامكان القول اجدادنا من السجون الاسرائيلية، وهذا بحد ذاته انجاز ينبغي عدم التقليل منه ، فهو تطبيق عملي لمصدر الامل لنا ولمعتقلينا، بل ومصدر اليقين بأن باب السجن وان بدا لنا انه مغلق الى الان، الا انه سيفتح ذات يوم، وسيتخلى المعتقلون وذووهم الذين هم نحن جميعا، عن نوبات اليأس التي تصيبهم كلما طال امد انغلاق السجن، لمصلحة اعتناق امل مبرر بمعانقة نسائم الحرية في يوم ما .

عدا ذلك، فإن كل خطوة نخطوها وكل تقدم نتطلع اليه ، صار مرتبطا وبصورة حاسمة، بأدائنا المتكامل في امر السياسة والمفاوضات والوضع الداخلي، فالجلوس الى مائدة المفاوضات هو اسهل ما في الامر ، اما احراز النتائج فهذا هو الخبر وبيت القصيد.

واستطيع القول .. ان اداء الفترة الماضية وعلى الصعيد القيادي لو استمر وفق ما رأينا، فإن نتائج المفاوضات لن تكون مرضية، ولو بما هو دون الحد الادنى لمطالبنا ولا اقول لحقوقنا .. فهذا التشكيل القيادي الذي شاهدنا اداءه في مرحلة الانقطاع عن المفاوضات ومرحلة العودة اليها.. وهذا البازار الذي نقلته الفضائيات، والذي ابدع فيه الخطباء وتباروا في اصدار الاوامر والتعليمات للعالم ان إفعل كذا ولا تفعل كذا، لم يكن نافعا قبل الطاولة ولن يكون نافعا اثنائها ... ولا احب توسيع الدائرة للحديث عن انقسام الوطن والشعب، فهذا الانقسام الذي قصم ظهر الحركة الوطنية ، وهرَّب معظم انجازاتها عبر الابواب الخلفية للتحالفات المصلحية عديمة الافق والمستقبل، سيكون لو استمر هو المهرب الامن لخصومنا على الطاولة وما حولها، فما ان يروا حاجة ملحة لادارة الظهر، فلن يجدوا تبريرا ابلغ من القول:- مع من نتفق، ثم من الذي يمثل الفلسطينيين حقاً.

خلاصة الامر ، لقد كنت واحدا ممن تحفظوا في الاساس على وقف المفاوضات لأنني كنت متأكدا من اننا سنعود اليها، ولكن بعد ان نفقد الكثير من مصداقيتنا، وندفع الكثير من ارصدتنا المتواضعة اصلا. الا انني وانا اتفهم دوافع العودة الى المفاوضات اواصل التحذير من الاداء، فالفاشلون في مرحلة ما لا يمكن ان يوفروا النجاح للمرحلة الاصعب، وبالامكان تدارك الامر.!