غزة على مائدة صناع القرار الإقليمي-- بقلم: عدنان ابو عامر

غزة على مائدة صناع القرار الإقليمي-- بقلم: عدنان ابو عامر
غزة على مائدة صناع القرار الإقليمي-- بقلم: عدنان ابو عامر

بات واضحاً في ضوء التطورات السياسية المتلاحقة في مصر، والدعم الدولي والإقليمي الذي يحظى به الانقلاب، أن سياسة الولايات المتحدة الحالية تدعم واقع الحال الذي يفرض عزلة اقتصادية وسياسية على قطاع غزة، لنزع الشرعية، وتقويض قيادة حماس. 

وبعد أن راهنت أوساط فلسطينية وعربية ودولية، وقبلها إسرائيلية، أن عزل غزة مقابل دعم الضفة الغربية اقتصادياً وسياسياً سيدفع سكان القطاع لإسقاط حكم حماس، فإذا بالحركة تنمو، وتصبح أكثر قوة، مما دفع بـ"إسرائيل" لأن تتخلى بشكل فعّال عن هدف إسقاطها كلياً بعد حربي 2009، و2012، خوفاً من انتشار الفوضى التي قد تنتج إذا أطيح بحماس.

ولذلك هناك قناعات متزايدة داخل تلك الأوساط بضرورة أن تعترف بطبيعة الهزيمة الذاتية نتيجة عدم النجاح في عزل غزة، مما يتطلب منها أن تتحول إلى استراتيجية جديدة: اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، للتخفيف من قبضة حماس على غزة، عبر إعادة إدماجها من خلال عدد من الخطوات، لعل أهمها تشجيع "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية على إعادة تأسيس الروابط التجارية مع غزة، وتوسيع حجم التجارة المسموح بها من أراضيها، وإعادة فتح التجارة من الضفة. 

كما ترى بعض الأوساط إمكانية السماح لسكان غزة بفتح ممر للتصدير من خلال "إسرائيل"، يخضع للإجراءات الأمنية نفسها المطبقة فعلياً في مكان الواردات، وسيسمح لتدفق البضائع بين غزة والضفة إعادة توجيه اقتصاد غزة بعيداً عن تجارة الأنفاق مع مصر، بعد إغلاقها في الأسابيع الأخيرة.

إضافة لذلك، هناك حديث يتم ترسيبه في الآونة الأخيرة بتشجيع "إسرائيل" للعمل مع السلطة الفلسطينية على إعادة تأهيل ممر العبور المتوقف، والذي يسمح للفلسطينيين بالتنقل بين الضفة وغزة، السماح لسكان القطاع بزيارة الضفة، والعكس بالعكس.

مع العلم أن مثل هذه الخطوات قد تعتبرها الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة وبعض حلفائهم العرب مكافأة دون مبرر أو فتح الباب لتفاعل أكبر مع حماس، لكن هذه التدابير توفّر وسيلة للخروج من مأزق غزة الذي تستفيد منه حماس، وليس وسيلة لإضفاء الشرعية عليها. 

وكما تقول أوساط إسرائيلية وأمريكية مقربة من دوائر صنع القرار، فإن تغيير السياسات الحالية وإن كان يشكل خطراً، إلا أن الخطر الأكبر والأكثر دقة هو في إدامة الوضع الراهن الذي يُفيد حماس، أما المقاربة الجديدة فهي لإضعاف الحركة من خلال تقليل سيطرتها على الحياة الاقتصادية في غزة. 

وتضيف تلك الأوساط: بينما ستحاول حماس استغلال هذه التغييرات في السياسات للسيطرة على الضفة الغربية، فإن العكس هو الأرجح من ذلك بكثير: لقد أثبت التعرض لحماس واستهدافها ومحاولة ضربها عسكرياً أنه أفضل ترياق لشعبيتها، وقد أثبتت حماس قدرة على الحكم.

كما تدرك جميع الأوساط المعادية لحركة حماس، أن هدف تلك الإجراءات هو تعزيز "المعتدلين" الفلسطينيين، والذين عندئذ سيكونون في وضع أفضل لتحقيق السلام، ولن يكون هناك أي تخفيف من شروط حجب الاتصال المباشر بين الولايات المتحدة وحماس. 

أما الحركة ذاتها، فلن ترغب بأيّ جهد قد يقوّض سيطرتها على قطاع غزة، لكنها لا تستطيع الاعتراض علناً على العلاقات الاقتصادية المستجدة، وقد يكون فريق الاتصال قادراً على إقناع حماس بخلاف ذلك، حيث إن استمرار رفضها للمشاركة سيؤدي على الأرجح لمزيد من الخسائر في الدعم المحلي، وزيادة العزلة من قِبل عدد قليل من حلفائها الإقليميين. 

وبالتالي، فإن تعامل الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" مع غزة ككيان منبوذ، وتدعم عزلته في محاولة لتقويض سلطة حماس، يأتي بنتائج عكسية، فعزل غزة يقوي فقط قبضة حماس، ويديم الركود السياسي الفلسطيني، ويساعد على الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية وسلام مع "إسرائيل". 

ما يعني أن إعادة ربط قطاع غزة مع الضفة الغربية سياسياً واقتصادياً، وإعادة المؤسسات الوطنية المشروعة، أمر ضروري للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي إسرائيلي فلسطيني مستمر، ولذلك تصدر التوصيات في الأسابيع الأخيرة، أنه بدلاً من الاستمرار في خنق حماس، وحصار غزة، يجب تشجيع وضع حد لعزلة غزة الاقتصادية، وتعمل على تشكيل مجموعة اتصال إقليمية لتعزيز المصالحة الفلسطينية، دون أن يعني إنهاء العزلة الدبلوماسية لحركة حماس، التي لم تفلح حتى الآن رغم ما قد يظهر على السطح ، رغم ما تبذله واشنطن و(تل أبيب) وعدد من العواصم العربية!