معركة سيناء .. ودروس جمال عبد الناصر

معركة سيناء .. ودروس جمال عبد الناصر
معركة سيناء .. ودروس جمال عبد الناصر

وكالات / مشرق نيوز


في وقت تحي فيه مصر الذكرى الـ 61 لثورة 23 يوليو، يستعد الجيش المصري لخوض معركة في سيناء ضد المتشددين والسلفية الجهادية هناك. معركة تحمل في طياتها الكثير من الرسائل في ظل الاستقطاب السياسي في البلاد مع عودة أجواء الزعيم جمال عبد الناصر إلى الشارع المصري ومحاربة الإخوان المسلمين حتى لصوره

بقلم إلياس مارديني


أمن سيناء والاستقطاب السياسي

هي أسباب عدة تقف وراء موجة العنف الجديدة التي تجتاح شبه جزيرة سيناء، فأكيدة هي المآسي الاجتماعية والاقتصادية وكذلك تلك التي ترتبت عن الاستقطاب السياسي الذي تشهده البلاد منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين.

إن نظام الجماعة الذي حكم لعام كامل تهاون مع المتطرفين والمتشددين في شبه جزيرة سيناء، حالة من الغزل السياسي تبلورت بإطلاق الرئيس محمد مرسي لقيادات سلفية وتكفيرية وحتى إرهابية من السجون، حولت اليوم هذه البقعة الاستراتيجية من جغرافيا العالم، إلى مركز للإرهاب الدولي والجهاد العابر للحدود والمتوجه في يومنا هذا بشكل أساسي إلى "أرض الرباط في سورية"

فيما يخص مصر التي تحيي ثورتها الناصرية، فهي بحاجة اليوم إلى اجماع على محاربة الارهاب والتطرف وسط مخاوف من اتساع رقعة المواجهة إلى خارج سيناء، البعض يحاول استغلال هذه الحقيقة لأهداف سياسية ومن بينهم العسكر، في حين أن الإخوان يرهبون ويرغبون المصريين في آن واحد، يتوعدون باستمرار العنف في حال لم تتم إعادة الرئيس المخلوع محمد مرسي ويعدون بالحد من التدهور الأمني في شبه جزيرة سيناء في حال حصل ذلك، وهذا أكبر دليل على تورط هؤلاء في سفك الدم المصري.

اليوم تقف السلطات المدنية في مصر عند مفترق طرق ليس بالهين، فبعد عزلها الرئيس مرسي حصلت على مليارات سعودية وكويتية وإماراتية من شأنها المساهمة في الحد من احتقان المواطنين في سيناء المهمشين لعقود وأجيال، وهذا كفيل لحد ما بوضع حد لتأثير الجماعات المتطرفة التي لا يزال يسود الغموض حول عديدها ومموليها وأهدافها، كما أنه على الجيش المصري أن يتعامل بعقلانية مع معركته القادمة في سيناء لأنها سترسم الكثير من معالم الدولة المصرية الجديدة، وعليه أن يحسمها بشكل نهائي، وإلا فالقادم أعظم.

 

البعد الإقليمي لمعركة سيناء

لا أعتقد أن العالم كان ليكترث بامن سيناء لولا مصالحه وأهدافه، نعم التطرف في المنطقة يهدد الأمن الإقليمي لكنه في الأساس يهدد مفهوم الدولة القومية التي يحاول "الربيع العربي" محوها من الخارطة السياسية.

الولايات المتحدة أعربت عن قلقها من الوضع الأمني في سيناء، معتبرة أن ضمان أمن هذه المنطقة حيوي لمستقبل مصر والأمن الإقليمي، هذا القلق مرتبط بشكل مباشر بقناة السويس، شريانها الاقتصادي والتي تحاول فرض وصاية دولية عليها وإخراج مصر بعد ذلك من أي معادلة إقليمية ودولية، هذه القناة التي أممها الراحل جمال عبد الناصر وجعلها ملكا لشعب مصر، ما كان سببا للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

أدرك الرئيس الراحل أهمية سيناء في معادلة الأمن القومي المصري فهي كانت البوابة التي دخلت منها جميع القوات الغازية لمصر، اليوم يتكرر المشهد، لكن الإخوان لا يعترفون بحدود الدول ويتطلعون إلى خلافة وهمية ويرون في الرئيس الراحل عدوا حتى بعد مماته، بعد أن كان لهم بالمرصاد طول حياته. الكثيرون وجهوا أصابع اتهامهم لحركة حماس بالتواطؤ مع الإخوان في مصر وسيناء تحديدا، فهذه الحركة هي وجه الإخوان في المشهد الفلسطيني المصري، تواطؤ نفاه رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية، مؤكدا أنه لا وجودا عسكريا أو سياسيا للحركة في سيناء، ومحذرا من خطورة استمرار ما وصفه ببث الكراهية والحقد على الشعب الفلسطيني، هو ثمن تدفعه اليوم حماس بسبب دخولها على خطوط الأزمات السورية والمصرية إلى جانب الجهاد العابر للحدود، في حين أن الفاتورة ستكون باهظة وقد تجعل الحركة في خبر كان.

مؤخرا أعلنت السلطات المصرية القبض على 44 سوريا واثنين من بنغلاديش، بعد فحص أوراقهم وتبين عدم وجود أوراق إقامة أو جوازات سفر سارية المفعول لديهم، ودخولهم البلاد بطريقة غير مشروعة، ما يستدعي ترحيلهم خارج البلاد، أدرك عبد الناصر دوما أن الأمن القومي المصري مرتبط بسورية، واليوم هذه المعادلة لم تتغير، مرسي دعا للجهاد في سورية وسهل وصول الجهاديين والسلاح إليها إنطلاقا من سيناء، واليوم إذا لم يقلب الجيش المصري الموازين فعلى مصر السلام. 

مستقبل كامب دافيد

صحيح أن إسرائيل منحت الضوء الأخضر للجيش المصري لإرسال كتيبتين إضافيتين إلى شمال سيناء، وهو خرق متفق عليه بين الجانبين لمعاهدة السلام، بهدف تعزيز القدرات العسكرية المصرية لمكافحة الإرهابيين في شبه الجزيرة، لكن ذلك لا يعني أن إسرائيل ليست عدوا. الإخوان جاهروا بموضوع الجهاد مع إسرائيل إلى حين خطاب مرسي الأول عندما تعهد باحترام جميع الاتفاقات الدولية، وعليه بصم على كامب دافيد، وهو موقف ليس مفاجئا فالجماعة صنيعة بريطانية من أجل تدمير مفهوم الدولة القومية، وإذا كان هذا الكلام يزعج أحد فليتعلم قراءة التاريخ، وليستمع إلى أدلة قالها عبد الناصر للعالم كله.

دون أي شك أو مبالغة، فإن مستقبل العلاقة مع إسرائيل ومستقبل السلام مع الاحتلال تحكمه مصر القوية في المعادلة الإقليمية كما كانت قبل ستة عقود، لذا فإن إسرائيل تريد للجيش المصري أن يتورط في حرب داخلية كنظيره السوري وهي تستعد لذلك ولا تريد أن يعود فكر عبد الناصر إلى الشارع المصري، وعليه يجب أن تكون القيادة العسكريةحذرة بمعركتها في سيناء، فالحرب اليوم هي لتدمير كيانات الدول وليست من أجل الديمقراطية، وإلا لماذا لم تهاجم القاعدة ومن يدور في فلكها يوما المصالح الإسرائيلية، وتكتفي بقتل الجنود في مصر وسورية والعراق؟