"اعتقال جثامين الشهداء والأسرى الفلسطينيين في مقابر ومعتقلات التجميد" ... بقلم/ د. خالد أبو قوطة

خالد ابو قوطة.jpg
خالد ابو قوطة.jpg

غزة/ المشرق نيوز

لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل مئات جثامين الشهداء من أبناء شعبنا الفلسطيني، وترفض إعادتها إلى عائلاتهم لدفنها بصورة تحفظ كرامتهم وآدميتهم، فلا تزال تحتجز رفات عدد كبير من شهدائنا في مقابر الموت المرقمة تسميها بـ "مقابر الأرقام" وفي معتقلات التجميد أو ثلاجات الاحتلال، وفي الوقت الذي لا يُعرف فيه عدد الشهداء المحتجزة رفاتهم، فإن المنظمات الفلسطينية المعنية تقدّر عددهم بالمئات. حيث قامت هذه المنظمات حتى الآن بتوثيق 304 شهيداً موزعين على 253 شهيداً محتجز في مقابر الأرقام و51 شهيداً في صقيع الثلاجات الإسرائيلية بينما لا يزال هناك 68 مفقوداً، وذلك بناءً على المعلومات الأولية التي حصلت عليها هذه المنظمات بطريقة مباشرة من ذويهم، ويعد اعتقال سلطات الاحتلال الإسرائيلي لجثامين الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين غير قانوني ومخالف للاتفاقيات والمعاهدات الدولية بشأن التعامل مع جثامين الأسرى ومعتقلي الصراعات بين الدول، وتنص اتفاقية جنيف الأولى في المادة (17) بإلزام الدول المتعاقدة باحترام جثامين ضحايا الحرب من الاقليم المحتل وتمكين ذويهم من دفنهم وفقا لتقاليدهم الدينية والوطنية.

وأما المادة (130) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة (34) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف يُلزم جميع الدول والسلطات بدفن المعتقلين المتوفين أو المقتولين بما يتوافق مع ثقافتهم ودينهم وباحترام، وتلزمها بتقديم البيانات اللازمة والمعلومات الوافية عنهم حين تسمح الأوضاع بذلك، والعمل على إعادة الجثامين وما يخصهم من أمتعة شخصية إلى ذويهم، بل ترفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي إعطاء شهادات وفاة لذوي الشهداء أو تقديم قوائم بأسماء من تحتجز جثامينهم وأماكن وظروف احتجازهم، بل اعترفت بالفوضى والإهمال في احتجاز الجثامين وفقدان بعضها.

وتؤكد المعلومات الواردة من المؤسسات الحقوقية والإنسانية أن مقابر الأرقام تعود إلى بداية تأسيس إسرائيل حيث بدأت سلطات الاحتلال باستخدام هذه السياسة منذ عام 1948م فعملت في البداية على إخفاء جثث ضحايا المجازر التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين وبعض الجنود العرب في مقابر جماعية، إلا أنها ظهرت بشكل أكثر وضوحا في عام 1967م وتطورت هذه السياسة من إخفاء ضحايا إلى اختطاف جثامين قادة من ميدان المعركة، حتى أصبحت اعتقال قد يكون فرض عليه حكم غير معلن، وفي عام 2015م أصبحت تمارس بشكل علني وواضح تحت تأييد كبير من أعلى المستويات السيادية في دولة الاحتلال وفي يناير عام 2018م أصبحت مشرعة بقانون من الكنيست الإسرائيلي صادق على مشروع قانون عنصري بتاريخ 7 / 3 / 2018م بالقراءتين الثانية والثالثة، قدمه وزير الأمن الصهيوني جلعاد أردان يقضي باحتجاز جثامين الشهداء وفرض شروط على تشييع جنازاتهم وتحديد عدد المشاركين فيها وهويتهم ومنع مشاركة شخص معين إلى جانب تحديد مسار الجنازة وموعدها، كما يمنح السلطات الإسرائيلية الحق في تحديد مكان الدفن وفرض كفالة مالية على منظمي الجنازة من أهل وأقارب الشهيد.

فإلي جانب اهتمام إسرائيل بتشييد السجون التي تحتوى عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والعرب، عمدت إلى تجهيز مساحات من الأراضي الواسعة لكي تدفن فيها من يقتلهم جنودها، ومن يفارق الحياة داخل السجون إما بسبب التعذيب أو المرض الذي ينجم عنه بهدف إخفاء الجريمة، وربما بشكل طبيعي بعد أن يمضي معظم حياته بين أسوارها، ومع مرور الزمن ورغم السرية الكبيرة التي تكتنف تلك الأراضي المحاطة بأسلاك شائكة ولا يسمح لأحد بدخولها أو الاقتراب منها، تكشفت الكثير من الحقائق حولها فأُطلق عليها مقابر ضحايا العدو، عرف منها خمسة مقابر وهي: مقبرة جسر آدم ومقبرة ريفيديم في غور الأردن، ومقبرة جسر بنات يعقوب في الجليل، ومقبرة شحيطة في قرية وادي الحمام شمال طبريا، والمقبرة الخامسة بير المكسور التي تقع في منطقة عسكرية مغلقة بين أريحا وغور الأردن، أما الفلسطينيون فيطلقون عليها مقابر الأرقام كونها مقابر بسيطة تزدحم فيها الأضرحة ومثبت فوق كل ضريح لوحة معدنية عليها رقم، ولهذا سميت بـ "مقابر الأرقام" كونها تتخذ من الأرقام أسماء للشهداء الفلسطينيين والعرب وتغرس فوق الحفرة التي تكون بعمق 50سم ويدفن فيها الشهيد الذي يصبح مجرد رقم وملفاً تحتفظ به السلطات الإسرائيلية، وتحفظ جثث الشهداء بأكياس بلاستيكية مما يجعل أسمائهم عرضة للضياع بفعل العوامل الطبيعية كالرياح والأمطار كون جيش الاحتلال الإسرائيلي يوكل مهمة دفن الجثث إلى شركة EIS الإسرائيلية الخاصة التي تدعى بعدم معرفتها للأماكن والمواقع التي دفنت بها جثامين الشهداء، حتى أن بعضها ربما يكون قد أزيل تماما من الوجود بفعل انجرافات التربة، كما أن الطريقة التي يتم فيها التعامل مع الشهداء الذين يدفنون فيها تبدو مهينة وتمس بكرامتهم، إذ يتم في أغلب الأحيان طمر جثة الشهيد بالرمال والطين دون وضع عازل إسمنتي، كذلك يدفن أحيانا أكثر من شهيد في نفس الحفرة، وربما تضم الحفرة الواحدة شهداء من الرجال والنساء بما يتعارض مع تعاليم الأديان السماوية، واستمر ذلك حتى عام 2015م حيث يتم احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين في ثلاجات الاحتلال في برودة تصل إلى 40 درجة تحت الصفر.

وتدعي سلطات الاحتلال أن الهدف من اعتقال جثامين الشهداء هو منع تحول جنازاتهم إلى تظاهرات تكريم لهم، ولكن الحقيقة هو وسيلة تستخدمها إسرائيل من أجل تأكيد سيادتها على الأرض والجسد الفلسطيني حياً كان أو ميتاً، فالكيان الإسرائيلي يتعامل مع الموت الفلسطيني على أنه موت رخيص لا يستحق الحزن والبكاء والرثاء لأنه بلا قيمة بل يقرر من خلال أدواته الاستعمارية من يحق له العيش ومن يستحق الموت، وهذا يتناقض كلياً مع المواثيق والأعراف الدولية التي كرمت الإنسان على اختلاف لونه وعرقة